نائب وزير الخارجية السوري: للسعودية والدول العربية مصلحة في العلاقات السورية ـ الإيرانية الجيدة

محلل مقرب من القيادة السورية: البعض يحن إلى أيام بوش لأننا كنا نعرف على الأقل أين نقف

TT

يبدو أن سورية بدأت في الخروج من حالة العزلة التي كانت عليها، حيث زادت فورة المحادثات الدبلوماسية التي أجرتها مع الغرب والدول العربية المجاورة، من الآمال في قيادة سورية مرنة يمكن أن تساعد في استقرار المنطقة. لكن سورية لها أولوياتها الخاصة، وقد جعلت سلسلة الاضطرابات التي وقعت، من بينها الحرب الأخيرة في غزة، من الصعوبة بمكان التنبؤ بمصير تلك المحادثات الجديدة.

لا يرتبط الأمر فقط بالسياسية الجديدة للرئيس الأميركي باراك أوباما، فقد قام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بزيارة إلى دمشق في سبتمبر (أيلول) الماضي، كما استقبل العاهل السعودي الملك عبد الله، الرئيس السوري بشار الأسد، بحفاوة في العاصمة السعودية الرياض هذا الشهر. وتأتي على رأس تلك التغيرات التحالف السوري مع إيران.

كانت السعودية والدول العربية السنية الكبرى ترغب في دفع سورية بعيدا عن إيران عبر عزلها، أما الآن فعلى نهج أوباما يبدو أنهم يحاولون انتهاج تكتيكات أكثر توددا. ويشير السوريون إلى أن ذلك التحول من جانب الدول العربية دليل على أن علاقتهم بإيران كانت مفيدة لهم، ومنحتهم دورا رئيسا لا غنى عنه كوسيط إقليمي. وقال فيصل مقداد، نائب وزير الخارجية السوري، خلال في مقابلة معه: «إن السعودية والدول العربية الأخرى لديها مصالح كبرى في الإبقاء على العلاقات الجيدة بين سورية وإيران، لأنهم في الأوقات العصيبة سيجدون سورية تقدم لهم العون».

وثمة تقدم بطيء في المحادثات بين المسؤولين السوريين والأميركيين، وقد كانوا حريصين على سد الطريق أمام التوقعات بإمكانية حدوث تغيير مفاجئ أو كبير. وأشار مقداد إلى رغبة السوريين في قلب الطاولة وإحداث فجوة بين الدول العربية والولايات المتحدة بشأن القدرات النووية الإيرانية. وقال مقداد: «أعتقد أن الغرب يبدي اهتماما بالملف النووي الإيراني أكثر من العرب، وأعتقد أن أشقاءنا في السعودية يدركون أن التهديد ليس إيران، وإنما القدرات النووية الإسرائيلية، إذ تجعل تلك السياسة من المعايير المزدوجة كل العرب غاضبين».

بيد أن تلك التصريحات لا يتوقع أن تلقى ترحيبا في الرياض أو واشنطن، غير أنه حتى الآن لم تشعر سورية بأي ضغوط حقيقية للانفصال عن إيران.

حقيقة الأمر أن عددا من المحللين السوريين تحدثوا خلال الأسابيع القليلة الماضية عن نوع من الانتصار، مشيرين إلى أن خروج سورية سليمة من مرحلة التجمد التي عانتها في عهد الرئيس السابق جورج بوش، منحها المزيد من القوة لكي تملي شروطها في علاقتها الجديدة مع واشنطن. وفي ذات الوقت قيل إن بعض المسؤولين في القيادة السورية أبدوا عدم ارتياحهم إزاء محاولات التواصل من قبل إدارة أوباما، التي قد تثبت أنها أقل ميزة لسورية عما يبدو.

وقال أحد المحللين السوريين المقربين من القيادة السورية، والذي تحدث طالبا عدم ذكر اسمه لأنه لا يرغب في التعرض للتحقيق بسبب كشفه تضارب الآراء: «هناك البعض ممن يحنون إلى أيام إدارة بوش لأنهم كانوا يعرفون حينها، على الأقل، أين يقفون. أما مع إدارة أوباما فإن المطالب لم تتغير، لكن الإدارة الأميركية الجديدة خلقت انطباعا بأن عهدا جديدا قد بدأ، وهناك فورة توقعات من جانبنا بحدوث نتائج جيدة».

على الرغم من ذلك فإنه قد توجد فرص حقيقية للتقدم الدبلوماسي، ولو بصورة جزئية، لأن بعض القضايا التي أبعدت سورية عن الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة يبدو أنه قد تم تحييدها. كان اتفاق الدوحة العام الماضي قد حل الخلافات السياسية على الأقل حتى الآن في لبنان، التي دأبت الولايات المتحدة على اتهام سورية بأنها تسعى لزعزعة الاستقرار بها. كما قيل أيضا إن السعودية وسورية توصلتا إلى اتفاق يقضي بعدم التدخل في الانتخابات النيابية القادمة في لبنان، والتي من المقرر أن تجري في يونيو (حزيران)، وتبادلت سورية ولبنان العلاقات الدبلوماسية الرسمية.

ويقول المحللون إن الأهداف السورية في العراق تماثل نظيرتها الأميركية هناك، فعلى الرغم من المساعدات التي قدمتها للمجاهدين الذين يقاتلون القوات الأميركية هناك، فإنها تقوم الآن بدراسة الانسحاب الأميركي الوشيك، وإنها مدركة تماما أنها قد تكون هدفا للمتطرفين بعد ذلك، خصوصا إذا ما عقدت أي اتفاقيات سلام مع إسرائيل.

ويقول بيتر هارلينغ المحلل البارز في مجموعة الأزمات الدولية: «إن لسورية مصلحة كبيرة في استقرار العراق، فقد تحملت وطأة تأثير ازدياد العنف في العراق، كما أنها تتوقع الحصول على مكاسب اقتصادية كبيرة من خلال البروز كمنفذ لتصدير النفط العراقي ومورد لأسواق العراق الناشئة. علاوة على ذلك فإن هناك هدفا رئيسيا لدى سورية في إبقاء العراق في الحظيرة العربية بدلا من الإيرانية».

وقد تكون الولايات المتحدة بوجودها العسكري في العراق وفي أماكن أخرى شريكا مفيدا في هذا الإطار، وعندما سئل مقداد عن توقعاته من هذا الحوار السوري الأميركي الجديد قال: «تعاون جيد جدا حول قضايا الإرهاب».

يمثل توقيع اتفاق يعيد هضبة الجولان التي احتلتها إسرائيل عام 1967 أولوية قصوى بالنسبة إلى السوريين. وخلال الآونة الأخيرة عبر الرئيس السوري بشار الأسد عن رغبته في رعاية الولايات المتحدة لمحادثات سلام مباشرة بين سورية وإسرائيل، حيث عقدوا محادثات غير مباشرة عبر تركيا خلال عدة شهور العام الماضي، لكن ذلك سيكون أمرا صعبا، وسيتطلب اتفاق السلام الموقع أن تتخلى سورية عن دعمها لحزب الله وحماس، غير أن بدء هذه المحادثات قد يكون أمر عسيرا، خصوصا مع وصول بنيامين نتنياهو إلى رئاسة وزراء إسرائيل.

ولا يبدو السوريون في عجلة من أمرهم، فهم سعداء حتى هذه اللحظة بأوضاعهم المتغيرة، فقد قال مقداد بابتسامة دبلوماسية: «لقد رحلت إدارة بوش، ولا نزال صامدين».

* خدمة «نيويورك تايمز»