محاربة الإرهابيين.. بفنادق 5 نجوم في باكستان

خارج الماريوت منطقة أشبه بمناطق الحرب وفي الداخل حياة أخرى

TT

أعيش حياة محفوفة بالمخاطر والإثارة، وأقوم بدوري للتأكد من أن الإرهابيين لا يحققون انتصارا، كل ذلك من هذا الفندق الفاخر. وبصفتي مراسل صحافي، أقيم في أماكن تكتنفها الكثير من المخاطر، بدءا من الإقامة في طريق سفلي داخل العراق خلال الغزو، الذي قادته الولايات المتحدة، إلى العيش في دير مهجور للراهبات في تيمور الشرقية، في غمار الحرب الأهلية. لذا فإن تجولي في فندق ماريوت ذي النجوم الخمسة في العاصمة الباكستانية إسلام أباد، تعتبر أفضل ما حدث لي خلال مهمة البحث عن المتاعب. يبدو الأمر في غاية السهولة، طالما أنك لا تتوقف، وتفكر أين نحن: إننا في المكان الذي تم فيه هجوم رهيب في شهر سبتمبر (أيلول)، الذي حصد أرواح أكثر من 50 فردا في العاصمة الباكستانية. ومن المفهوم إلى حد ما، أن الصور التي بثتها وسائل الإعلام حول العالم، التي صورت شاحنة محملة بالمتفجرات تقتحم البوابة الأمنية للفندق ثبطت من حماسة العملاء. فقد تم ملء الهوة السحيقة التي تسبب بها الانفجار، والبالغ عمقها 24 قدما واتساعها 59 قدما، وحل مكانها حائط من الأسمنت المسلح طوله 12 قدما، وشيد بنيان هرمي من النوع المستخدم في مناطق الحرب. كما يوجد أيضا الكلاب البوليسية، والعشرات من ضباط الشرطة والحراس المسلحين بالبنادق الرشاشة، بالإضافة إلى إضاءة شديدة، تجعلك تشعر وكأنك في ملعب لمشاهدة مباراة ليلية لفريق دودغرز، علاوة على وجود حواجز مضادة للسيارات شديدة التعقيد، وأجهزة أشعة إكس متطورة، وإلى جانب هذا كله، يجلس قناص داخل شرفة علوية. وبالرغم من ذلك، فبالداخل تجد حياة أخرى تماما. فبمجرد أن تعبر المدخل، يصل إلى مسامعك صوت عزف منفرد على آلة البيانو، ويمكنك أيضا سماع الفرقة الموسيقية وهي تعزف المقطوعات الموسيقية الهادئة في مكان تناول الطعام. كما يمكنك سماع بعض النغمات الهادئة الناجمة من رنين الثريات الكبيرة التي يعج بها المكان. وإلى جانب كل هذا، تلمح عيناك تلألأ الفضة، وبريق الرخام.

وفي أحد الأماكن، وأنا جالس لتناول العشاء، عددت 17 موظفا جميعهم على أتم الاستعداد لخدمتك بتفان، كما لو كنت الزبون الوحيد الموجود بالمكان. أغلب العاملين هنا فقدوا أصدقاء لهم خلال الهجوم. أما الآن، فهم لا يشعرون فقط بالخوف على سلامتهم، ولكن يخشون على وظائفهم أيضا. وهم يبذلون قصارى جهدهم ليظهروا البهجة، بالإضافة إلى جعلك تشعر بالحفاوة، ولا ينشدون شيئا آخر سوى الوصول إلى الأفضل. وفي كل مرة أعبر فيها ردهة الفندق، أسمع وكأن صوت مزمار يعزف، يعقبه زقزقة طيور تغرد، في الوقت الذي أتجه فيه للمصعد. هل يمكنني مساعدتك على الوصول إلى مقصدك؟ هل كل شيء على ما يرام خلال إقامتك؟ هل أنت متأكد؟ لماذا أنا موجود هنا؟ إلى حد ما، أفترض أنني أقل كرها للمخاطرة مقارنة بالآخرين، وربما يكون هذا هو ما جذبني إلى هذه المهنة. وأعتقد أنه من المهم دعم الفندق وفريق العمل به. كما أنني أعتقد أن البرق لا يومض مرتين في المكان نفسه. خلال فترة وجودي هنا على الأقل، هذا ما آمله.

هل ذكرت أن الأسعار هناك معتدلة إلى حد كبير؟ فهي ثلث أسعار الفنادق الأخرى الموجودة في المدينة. في إحدى الليالي، أقيم في الفندق حفل زفاف كبير، وهو الحفل الذي أعاد بدوره بعض النشاط والصخب إلى المكان، الذي كان شبه مهجور. تجاذبت أطراف الحديث مع بضعة نزلاء الفندق. وكان هناك رجل ألماني متزوج من دبلوماسية فرنسية في مهمة، وعلى ما يبدو أنه كان يقضي أغلب وقته في رفع الأثقال. وكانت هناك أسترالية من أصول باكستانية حضرت إلى إسلام آباد لزيارة أقاربها. وخلال زيارتها قالت: «إنني قلقة، وعصبية للغاية. إلا أنني اعتدت الإقامة في فندق ماريوت على مدار عشرين عاما، وشعرت أنه من المهم الإقامة هنا». كما كان هناك صياد إسباني متقاعد بحوزته هاتفان يعملان بالأقمار الصناعية، الذي عاد لتوه من رحلة لاقتناص فريستين بالقرب من المنطقة المتخمة بالمتمردين في وادي سوات. ولا يبدو أنه يخشى أي شيء، ناهيك عن الفندق الفاخر رفيع المستوى. توقفت للحديث مع ذو الفقار أحمد ـ مدير عام الضيافة في الفندق ـ الذي قدم لي قدحا من الشاي. قال لي: لقد تم استهداف الفندق من قبل، وهذا مرده إلى أنه يعتبر رمزا للعولمة، والتجارة الدولية، والحداثة في إسلام آباد. كان أحمد قد بدأ للتو عمله عندما وقع الهجوم، وضاع يومه الأول في ترتيب الجنازات ومساعدة عائلات الأسر الثكلى والموظفين المصابين والتأكد من حصول المصابين على استشارات. وعبر العملية السريعة إعادة بناء الفندق ـ تم توفير الإقامة للضيوف بعد ثلاثة أشهر ـ تلقى سلسلة من التهديدات الشخصية، وقد جاءت تلك، بحسب اعتقاده، من المقاتلين الذين تربطهم مصالح برؤية الفندق يفشل. «لقد دمرونا ولم يسمحوا لنا بإعادة بنائه». قال: إن البداية الهادئة للفندق ومعدل التخفيضات استمر طوال شهر أبريل (نيسان)، كما أن معدل الإشغال في الفندق الذي يتقدم ببطء، لكنه يعلم أن انتعاشة الفندق والبلاد سوف تستغرق بعض الوقت. وقال: «دولة مثل مصر جميلة بأهرامها ومتاحفها، لكن الله أنعم على باكستان بذلك الجمال غير العادي، وحتى يقوموا بتحسين القانون والنظام في البلاد، إن من الحماقة الاعتقاد أن الناس سيأتون لزيارة أعداد كبيرة».

* خدمة «نيويورك تايمز»