«الشرق الأوسط» تنشر القصة الكاملة للغارات على السودان

مصادر: الخرطوم تلقت تحذيراً أميركياً من عمليات تهريب السلاح قبل الهجوم

TT

في الوقت الذي استمر فيه الغموض والتضارب حول تفاصيل الغارات التي استهدفت عملية لتهريب سلاح، وصف بأنه إيراني، إلى حركة حماس الفلسطينية عبر السودان، كشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل جديدة عن الغارات الجوية. وقالت المصادر إن الحكومة السودانية تلقت تحذيراً أميركياً قبل الغارات من أن هناك رصداً لعمليات تهدف إلى تهريب سلاح من السودان إلى قطاع غزة عن طريق صحراء سيناء، وأن على الجهات السودانية أن توقف هذه العمليات.

وقال أحد المصادر، طالباً عدم الكشف عن هويته، إن مسؤولا أميركياً اتصل بمسؤول سوداني ونقل إليه التحذير، مشدداً على أهمية إيصال التحذير إلى أعلى السلطات في الخرطوم مع التأكيد على أن هذه العمليات يجب أن تتوقف فوراً.

ولدى سؤال المصدر عن رد الخرطوم قال إن الجهات السودانية المعنية وعدت بالنظر في الأمر.

وبعد فترة قصيرة من التحذير حدثت الغارات الجوية على قافلة برية تضم 17 شاحنة «لاند كروزر» قرب مدينة بورتسودان شرق السودان وعلى 4 مراكب في البحر الأحمر داخل المياه الإقليمية السودانية. ولأن الغارات جاءت بعد التحذير، فإن بعض المسؤولين السودانيين أشاروا في البداية إلى أن الغارات كانت أميركية، وهو الأمر الذي نفته واشنطن. بعدها بدأت أصابع الاتهام تشير إلى إسرائيل التي لم تؤكد الأمر رسمياً مثلما فعلت بعد قصفها لموقع دير الزور السوري، مكتفية بالتلميحات والتسريبات التي تشير إلى أنها قامت بالغارات.

وكان مسؤول باسم القيادة الأميركية لأفريقيا قد نفى بشدة ضلوع القوات الأميركية في الغارات، وقال «إن القوات الأميركية لم تنفذ أي غارات جوية، ولم تطلق أي صواريخ، كما لم تقم بأي عمليات عسكرية في، أو حول، السودان منذ أن باشرت القيادة الأميركية لأفريقيا أعمالها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي».

كذلك صرح متحدث باسم الخارجية الأميركية، يوم الخميس الماضي، بأنه ليس هناك ما يشير إلى علاقة للولايات المتحدة بالغارات الجوية على السودان. إلا أن المتحدث شدد على أن الولايات المتحدة تشدد على أهمية وقف عمليات تهريب السلاح إلى غزة، وقال «إن التهريب إلى غزة كان ويظل مشكلة، وهو أمر يعمل الجميع من أجل وقفه». واستناداً إلى المصادر التي تحدثت لـ «الشرق الأوسط» فإن الأسلحة نقلت جواً من الخرطوم إلى بورتسودان ومن هناك حُمل جزء منها في 4 مراكب لنقلها بحراً، إلى نقاط معينة تنقل بعدها براً عبر سيناء إلى غزة، بينما حملت بقية الأسلحة على 17 شاحنة أخذت الطريق البري. وهاجمت الطائرات «المجهولة»، التي وصفت لاحقا بأنها إسرائيلية، مراكب التهريب في البحر فأغرقتها، كما هاجمت موكب الشاحنات بقنابل موجهة بالليزر فدمرتها تماماً، وقتل في الغارات عشرات الأشخاص ممن كانوا في الشاحنات والمراكب، وما زال هناك تضارب حتى اللحظة بين من يقدر عدد القتلى بحوالي 39 شخصاً ومن يشير إلى أنهم أكثر من ذلك بكثير، وإن استبعدت المصادر أن يصل العدد إلى أكثر من مائة مثلما صرح مسؤول سوداني الأسبوع الماضي. وألمح مسؤول سوداني إلى أن الغارة البحرية «نفذها شيء خرج من الماء قصف المراكب ثم غاص في الماء»، وذلك في تلميح إلى أن غواصة ربما نفذت الغارة البحرية، وهو أمر لم تؤكده أي تقارير أخرى. وجاء في تقرير نشرته صحيفة «الصنداي تايمز» البريطانية أمس أن إسرائيل استخدمت طائرات بلا طيار في الغارة.

ورغم أن الغارات وقعت في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي إلا أن السلطات السودانية تكتمت عليها حوالي شهرين قبل أن يتسرب الأمر الأسبوع الماضي. وقال الجيش السوداني إنه على علم بالغارات واتخذ بعدها كل الخطوات اللازمة، من دون توضيح لهذه الخطوات.

ونقلت وكالات الأنباء عن مسؤول سوداني رفض الكشف عن اسمه «إن الكل يعرف أن عمليات تهريب سلاح تحدث من السودان إلى جنوب مصر». وأشار هذا المسؤول، الذي وصف بأنه من شرق السودان، إلى أن أحد زملائه تحدث إلى ناجٍ من الغارة على الشاحنات فقال إن طائرتين حلقتا فوق القافلة ثم عادتا لتقصفاها مما أدى لتدمير كل العربات.

من جهتها تعمدت إسرائيل سياسة الغموض، لكنها لم تنف قيامها بالغارات. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت «إن إسرائيل تتحرك في أي مكان لضرب البنية التحتية للإرهاب»، مضيفاً «ليس هناك من داع للخوض في التفاصيل ويمكن لكل شخص أن يستخدم خياله. إن الذين يفترض أن تصلهم الرسالة قد عرفوا». وحول نوعية الأسلحة المهربة قالت المصادر إنها تشمل صواريخ أرض ـ أرض وصواريخ مضادة للدبابات ومتفجرات من نوعية عسكرية عالية التفجير. ونقلت صحف إسرائيلية أن بعض هذه الصواريخ لديها المدى للوصول إلى تل أبيب.

واستمر التضارب حتى يوم أمس حول عدد الغارات التي استهدفت عمليات التهريب، إذ تحدث مبروك مبارك سليم وزير الدولة السوداني، وهو من جبهة الشرق، عن غارتين في يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط)، بينما ذكرت شبكة «سي بي إس» التلفزيزنية الأميركية أنها ثلاث غارات، إلا أن المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» قالت إنه ليس لديها علم سوى بالغارة التي كانت من مرحلتين استهدفت خلالها الطائرات قافلة شاحنات التهريب براً ومراكب التهريب بحراً.