مؤتمر لاهاي: العالم يبحث مستقبل أفغانستان بعد 7 سنوات على سقوط حركة طالبان

وسط إجراءات أمنية مشددة ومشاركة دولية واسعة بينها إيران

لافتات دعم للسلام ولشعب أفغانستان على هامش المؤتمر الدولي من أجل مستقبل أفغانستان الذي ينعقد في مدينة لاهاي الهولندية (أ.ب)
TT

تجتمع قرابة مائة دولة ومنظمة اليوم في لاهاي وسط إجراءات أمنية مشددة في مؤتمر كبير حول مستقبل أفغانستان، وذلك بعد سبع سنوات من بدء الحرب التي شنت عقب هجمات سبتمبر (أيلول) وأدت إلى سقوط حركة طالبان الأصولية، كما يأتي المؤتمر الذي يحضره ممثلو نحو 100 دولة ومنظمة في وقت يعاني فيه البلد من أحداث عنف تنذر بكارثة، وكذلك عقب أيام قليلة من الاستراتيجية الجديدة التي أعلنها الرئيس باراك أوباما ورحب بها الرئيس الأفغاني حميد كرزاي واصفاً إياها بأنها «أفضل من المتوقع». ورحب أيضاً بضم إيران إلى المشاركة في دور إقليمي. كما رحب كرزاي بالتأكيد على مشاركة الدول المجاورة لأفغانستان في المعركة مع طالبان و«القاعدة» وفي تطوير البلاد من أجل إحلال السلام والاستقرار. المشاركون في المؤتمر ركزوا على العمل على إحلال الاستقرار في هذا البلد. وسيشكل الاجتماع مناسبة للاستماع إلى أصداء الاستراتيجية الأميركية الجديدة حيال أفغانستان التي كشفها الرئيس باراك أوباما يوم الجمعة. كما سيسمح بوضع أطر للقمة التي تعقدها دول حلف شمال الأطلسي الجمعة والسبت على الحدود الفرنسية الألمانية حول المسألة الأفغانية، بحسب مسؤول في الحلف.

والمؤتمر الدولي حول أفغانستان، أو وفقاً للتسمية الرسمية «مؤتمر الاستراتيجية الشاملة في إطار إقليمي»، يجمع ممثلي الدول والمنظمات الحكومية الساعية لإعادة الاستقرار إلى أفغانستان، ومساعدتها في إعادة بناء ما دمرته الحروب. ويقصد بالاستراتيجية الشاملة أن المؤتمر سينظر في القضايا العسكرية والدبلوماسية، وما له علاقة بتنمية المدن الداخلية. أما السياق الإقليمي فيقصد به أن الدول المدعوة إلى المؤتمر، يمكنها بطريقة أو أخرى أن تلعب دوراً بنّاء. والمؤتمر مبادرة من الأمم المتحدة، وقد طلبت هذه الأخيرة من هولندا استضافة المؤتمر المذكور في لاهاي. ومنذ أول من أمس دخلت هولندا ومدينة لاهاي التي تحتضن مقرات الحكومة على وجه الخصوص حالة «طوارئ» استعداداً للمؤتمر الدولي الأول حول القضية الأفغانية برعاية الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. ويفتتح المؤتمر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يليه الرئيس الأفغاني حميد كرزاي بحضور حوالي تسعين وفداً، بينها ممثلو الدول الناشئة الكبرى المجاورة لأفغانستان وباكستان، مثل الصين والهند. وفي خطوة دبلوماسية غير مسبوقة ستحضر إيران المؤتمر أيضاً. وتأتي مشاركة الجمهورية الإسلامية نتيجة مبادرات الانفتاح التي اتخذها الرئيس الأميركي حيالها. كما تعكس خطورة الوضع ومصلحة طهران في الحد من تدفق اللاجئين والمخدرات من أفغانستان إلى أراضيها.

لكن لم يعلن عن أي لقاء مقرر بين الموفد الإيراني ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون. وسعت واشنطن في سبيل الانتهاء من انعدام الاستقرار الذي تثيره نشاطات حركة طالبان ويعيق تنمية إحدى أكثر دول العالم فقراً، إلى الضغط على الأمم المتحدة والحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي كي تحذو حذوها في تعزيز الموارد العسكرية والمدنية وتحسين تنسيقها.

وأفاد مسؤول في الحلف الأطلسي أن الولايات المتحدة تريد أن يضم صندوق ائتماني في الحلف، خصص لتسديد تكاليف الجيش والشرطة الأفغانييْن، 500 مليون دولار، فيما لم تدفع له حتى الآن أكثر من 25 مليون دولار. واعتبر دي هوب شيفر أن الدول الثرية كاليابان والسعودية ودول الخليج التي ستحضر لقاء لاهاي عليها إعلان مساهماتها الأولى في الصندوق، وليس دول الحلف التي تنفق أصلا «مبالغ طائلة لتمويل قواتها». وتريد باريس إرسال عناصر من قوات الدرك الأوروبية لتدريب الشرطة الأفغانية، فيما تعمل قوة من الشرطة الأوروبية (يوبول) على ذلك في كابل. أما واشنطن فترغب في أن يلعب الحلف هذا الدور، وسط تردد الأوروبيين.

وأعلن وزير الخارجية الهولندي ماكسيم فرهاغن في رسالة الدعوة التي وجهها إلى المشاركين أن القمة ستعبر بشكل خاص عن «الدعم السياسي» لأفغانستان. وقال دبلوماسي أوروبي «من المهم أن يعيد المجتمع الدولي تأكيد التزامه بعدم التخلي عن أفغانستان»، قبل خمسة أشهر على انتخاباتها الرئاسية المفصلية المرتقبة في أغسطس (آب).

وأضاف «بعد سبعة أعوام ونيف على بدء تدخل المجتمع الدولي في أفغانستان، لم تهزم طالبان على الإطلاق، وتهريب المخدرات يزدهر وما زالت السلطة في كابل ضعيفة ومقسومة، بينما ما زال زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن طليقاً».

ويعقد المؤتمر الخاص بأفغانستان في قصر بال للمؤتمرات المجاور للمبنى الذي يضم المحكمة الخاصة بيوغسلافيا سابقاً، وعلى بعد أمتار من هناك يوجد أيضاً قصر السلام الذي توجد فيه محكمة العدل الدولية ومنظمة مكافحة الأسلحة الكيماوية التابعة للأمم المتحدة. ومن المؤكد أن طلب استضافة هولندا لهذا المؤتمر ذو علاقة بكونها من الدول التي لها وحدات عسكرية تعمل في أفغانستان في إطار القوات الدولية منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2001. وكانت المساهمة الهولندية في أفغانستان بدأت بوحدات الدعم من سلاح الطيران ثم تطورت إلى إرسال فرق من القوات الخاصة وبعدها تحولت مشاركتها إلى فرق لإعادة الإعمار العاملة شمال أفغانستان.

إلا أنه منذ شهر أغسطس (آب) 2006 تعاني القوات الهولندية العاملة في أفغانستان من اضطرابات أمنية في المناطق الجنوبية وبالخصوص إقليم أورزغان. وبالإضافة إلى هذا وضعت كل الوحدات العسكرية التابعة لحلف الشمال الأطلسي جنوب أفغانستان تحت إمرة اللواء قائد القوات الهولندية. ولم يتم إلى حد الآن تسريب أي تفاصيل حول المواضيع التي ستطرح في المؤتمر للنقاش اليوم، سوى أن افتتاح المؤتمر في الثامنة والنصف من صباح اليوم والمؤتمر الصحافي الرئيسي في السادسة مساء. وبالرغم من هذا فالقضية الأساسية التي يرتكز عليها المؤتمر واضحة، حسب وزير الخارجية الهولندي ماكسيم فرهاغن، حيث يقول «الموضوع الأساسي هو الحيلولة دون وقوع أفغانستان في يد الإرهابيين كمكان آمن لهم، حيث تنتهك حقوق الإنسان. وحيثما نظرت فبالنسبة لنا وللدول الأخرى علينا واجب الاهتمام بمستقبل أفغانستان لأن هذا يسهم أيضاً في ضمان أمننا». فيما تقول كريستا مينديرسما مديرة إدارة النزاعات في مركز الدراسات الإستراتيجية بلاهاي: «إذا نظرت إلى قائمة الدول المدعوة، سترى أنها تشمل كل الدول التي لها قوات مساهمة في أفغانستان، وأيضاً كل الدول المجاورة لها. هناك ود مفقود بين كثير من المشاركين في المؤتمر مثل باكستان، الهند، إيران، الصين، روسيا. كما تمت دعوة الدول العربية. وبالتالي يمكن أن تسهم في إنجاح المقاربة الإقليمية وأيضاً يمكنها المساهمة مالياً».

وفي المركز الصحافي الملحق بقصر المؤتمرات بمنطقة ستاتن كوتير في لاهاي كان الحديث لا يتوقف بين المراقبين حول إشراك «العناصر المعتدلة» لحركة طالبان في العملية السياسية في أفغانستان. ومثل هذا الأمر لا يعد جديداً. في الحقيقة، منذ أن وصل الرئيس حميد كرزاي إلى السلطة عام 2001، كان بشكل متكرر يدعو طالبان للانضمام إلى الحكومة، بعد إلقاء السلاح والتخلي عن التمرد ولكن دون طائل. وعلى مقربة من قصر المؤتمرات كان الآلاف من عناصر قوات الشرطة الإضافية في الشوارع، سيارات تزحف كالسلاحف، قطارات وترامات تتحرك ببطء، شوارع مغلقة بالقرب من المؤتمر، ومروحيات تحلق في سماء المدينة، قبل فرض سياج أمني حول مكان مؤتمر أفغانستان قبل الافتتاح صباح اليوم.

أما أغلب الصحافيين الذين جاءوا لتغطية وقائع المؤتمر فلم يجدوا غرفاً سوى في فنادق بعيدة قريبة من الشاطئ بعيداً عن قلب المدينة. أما المركز الصحافي فكان على أعلى مستوى من جهة الإعداد والترتيب، وداخل قاعاته كانت شاشات تلفزيونية عملاقة تنقل وقائع افتتاح مؤتمر القمة العربي في الدوحة». ويقول يوزياس فان آرتسين، عمدة لاهاي: «لاهاي هي مدينة السلام والعدل العالمية. لدينا هنا قصر السلام (محكمة العدل الدولية)، ولدينا محكمة الجنايات الدولية. إنها وظيفة هذه المدينة بشكل أو بآخر، أن تكون مدينة عالمية، وهذا هو السبب وراء اختيار لاهاي مكاناً لانعقاد المؤتمر وهو خيار منطقي».

أما السبب المباشر لتنظيم المؤتمر، بحسب مراقبين في لاهاي فهو «أن الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة باراك أوباما ترغب في تركيز جهودها حول أفغانستان، على عكس إدارة جورج بوش السابقة. والمهم في كل هذا هو عزم وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية هيلاري كلينتون عرض سياسة البيت الأبيض أمام المشاركين في المؤتمر».