سيارة الهامر تلقى رواجا بين العراقيين.. والمسؤولون الأكثر اندفاعا لشرائها

تاجر: خشينا ركوبها لأنها تذكر الناس بالأميركيين.. لكننا اكتشفنا أن السيارات الإيرانية الأكثر تعرضا للخطر

وكيل بيع سيارات الهامر في العراق علي الحلي يجلس وراء مقعد إحداها أمام معرضه في بغداد (نيويورك تايمز)
TT

يعد علي الحلي رجلا سعيدا في حياته، فهو متزوج ولديه ثلاثة أطفال، ويمتاز عمله بالازدهار، وهذا هو الجانب المهم، وترتكز تجارته المزدهرة هذه على تجارة سيارات الهامر. وفي دولة يوجد بها 20.000 سيارة هامفي على الأقل، وسكان سئموا الحرب، من يتوقع أن يكون هناك سوق للسيارات المدنية؟ وأوضح الحلي قائلاً: «علمت تمامًا أنه سيكون هناك طلب ضخم على هذه (يقصد السيارة هامفي) في بغداد». ويدير الحلي وشقيقه ظافر متجرا للسيارات متخصصا في السيارات الهامر، ويسمى هذا المتجر «السلطان لتجارة السيارات».

وأعلن دبلوماسي أميركي من قبل أن بغداد تعد أكبر سوق لتجارة سيارات الهامر خارج الولايات المتحدة، وهي الحقيقة التي باتت واضحة للغاية ولا تحتاج إلى التقصي عنها. ولسوء الحظ، فقد تحقق الحلي من هذا الأمر وقال:«إنها الأكبر في بغداد، وهذا هو الأمر المؤكد». وهذا بغض النظر عن احتمالية أن تتجه شركة جنرال موتورز- الشركة الأم المنتجة لسيارات هامر، التي تعاني من أزمة اقتصادية في الوقت الراهن- إلى التوقف عن إنتاج هذه النوعية، أو أن تبيعها إلى شركة أخرى. ويقول الحلي، وهو رجل مكتنز الجسد، ويبلغ من العمر 37 عامًا، الذي لا يتوقف عن الضحك. وكان يتحدث بكل ثقة على أساس أنه كان أول من امتلكها:«يعشق العراقيون هذه السيارة لأنها تعتبر رمزًا فعليًا للقوة». وتمثل سيارات الهامر رمزًا للكثير والكثير من الأشياء الأخرى، على سبيل المثال: إنها رمز للأمن المتزايد، وعودة للحياة السوية، فضلاً عن أنها تمثل نوعًا من التوق إلى أن تعم السيادة والاستقلال. وأشار الحلي إلى أن هناك شيئا آخر- ألا وهو «الحسد الذكوري».

وقد بدأ عمل الحلي وأخيه خلال أوج العنف الطائفي الذي كان متفشيًا بالبلاد. وأفاد علي الحلي:«حتى لو استوردنا هذه السيارات في هذا الوقت، لم يكن لأحد أن يجرؤ على قيادتها أو التحرك بها»، فقد كان المتمردون يستهدفون أي شيء يبدو أجنبيًا، فما بالك بسيارة تشبه المركبات العسكرية الأميركية. وبعد أن بدأ صوت الحرب في الخفوت، قبل عام مضى، عثر الأخوان على مزاد عبر الإنترنت لبيع السيارات الجديدة تقريبا في الولايات المتحدة، حينها عزم الأخوان على المشاركة في المزاد لشراء سيارة من نوعية هامر (H3)، ثم قاما بشحنها جوًا عبر دبي، ثم أعقبتها واحدة أخرى. وقال الهلالي: «ظن الجميع إما أننا أصابنا مس من الجنون، أو أننا مسؤولون حكوميون»، إذ من هم الذين يمكنهم شراء مثل هذه السيارات بسهولة كبيرة. وأوضح ظافر الحلي، يبلغ من العمر 38 عامًا، أن السيارة بقيت في المعرض، إلا أنها جذبت القليل من الاهتمام، وتابع:«لقد شرعنا في هذه المخاطرة، فقد كانت غالية بالفعل، ووضعنا فيها كل أموالنا». حينها، ركب الأخوان السيارة، وبدآ في قيادتها في حي الكاظمية- وهو حي ذو أغلبية شيعية، كان هدفًا في السابق، إلا أنه أصبح آمنا نسبيًا بعد أن تمت إحاطته بسور. وقال علي الحلي:«وقد ساعد هذا الأمر كثيرًا في حي الكاظمية، فلم نتلق هذا الرأي السيئ الخاص بالأميركيين، بل غالبًا ما كان الناس يطلبون من الجنود إيقاف سياراتهم الهامفي حتى يتسنى لهم التقاط الصور أمامها». وعلى أساس كونها غريبة وسط الزحام المروري الشديد بالمدينة، كانت سيارات هامر بمثابة حملتهما الإعلانية، وهنا يقول الحلي: «لم نكن نكد نمضي عبر صف واحد من البنايات دون أن يوقفنا الناس لسؤالنا، ما هذه؟، فقد كنا نبدو وكأننا فضائيان من كوكب آخر».

ثم تحسنت الأحول بعد ذلك بالدرجة الكافية التي مكنتنا من قيادتها في كل أرجاء المدينة، وبدأ المعرض يعج بالسيارة هامر (H3)، وكان يبلغ سعر الواحدة منها ما بين 50-60 ألف دولار، وكان يتم دفع الأموال كاملة. (ولم يكن أحد يرغب بشرائها بأي طريقة أخرى). وبدا أن اللون الأصفر الكناري، والأحمر من أكثر الألوان المفضلة لدى الأفراد لدى شراء هذه السيارة. وأردف الحلي:«لم يشتك أحد بأنها تذكره بالجيش الأميركي، بل إن الأكثر صعوبة أن تقود السيارة ساماند»، فعلى أساس أنها إيرانية الصنع، تعتبر السيارة هدفًا بديلاً لنفور الكثير من العراقيين لإيران ذاتها. ويقول الأخوان الحلي إنهما باعا أكثر من 20 سيارة من طراز (H3)، بمعدل سيارة واحدة كل 10 أيام، حتى في خضم هبوط أسعار النفط والاضطراب الاقتصادي الحالي. وأوضحا أن المسؤولين الحكوميين يمثلون الجانب الأكبر من عملائهما. وهذا لا يمثل بالضرورة علامة على الفساد، إذ أقرت الحكومة لنفسها زيادة هائلة في الرواتب. ومن المعروف منذ أمد طويل أن العراقيين يدفعون أسعارا مرتفعة في شراء البنزين، إذ يبلغ سعر الجالون 1.40 دولار، وهذا لن يوقف قلوب الأميركيين، فقد كان 19 سنتا فقط قبل فترة ليست بالطويلة. ومع ذلك، لم يكن لهذه الزيادة أي تأثير على مبيعات هذه السيارة المعروف عنها شدة استهلاكها للبنزين. ويقول الحلي: «إذا كان بمقدورك شراء هذه السيارة، فلن تهتم بكمية البنزين التي تستهلكها». وأضاف أن العراقيين يعشقون تلك السيارة، «ففي العراق، يحكم عليك الناس بواسطة سيارتك، كما أنك لا تعتبر رجلاً ما لم تملك واحدة». وتابع في حديثه، أنه عندما يتعلق الأمر بالسيارة هامر، فسوف تكون دائمًا أكبر تقريبًا من أي واحدة أخرى.

وهنا يتجلى معنى كلمة «الحسد الذكوري».

وفي الأعوام التي كانت تسبق الحرب، كان العراقيون يلهثون وراء السيارات المرسيدس حمراء اللون، خاصة من نوعية الشبح السيدان، والتي كان بإمكان البعثيين الأثرياء فقط شراؤها. وخلال السنوات الأولى للحرب، كانت السيارة بي إم دبليو الرياضية من الفئة الثالثة هي الأكثر تفضيلاً، حتى نالت سمعة سيئة بعد أن أصبحت السيارة الأكثر تفضيلاً للمتمردين من أجل الهروب.

(جدير بالذكر أنه في وقت من الأوقات، تم فرض حظر فعلي على السيارات السوداء من نوعية بي إم دبليو في الطرقات). ويقول الحلي:«الآن بات واضحًا أن العراقيين قلقون من السيارة هامر». وأوضحا أن السيارة تثير القلق حاليًا على أساس الخوف الذي يتملك نفوس الأفراد من السيارات المفخخة، ومن يعلم، فقد يأتي اليوم الذي قد يرى فيه الأخوان الحلي الكثير من السيارات الهامر في الطريق أكثر من سيارات الهامفي ذاتها.

* خدمة «نيويورك تايمز»