قادة مجموعة العشرين يجتمعون متسلحين بخبرة خطأ اجتماع لندن في 12 يونيو 1933

البيت الأبيض: اتفاق على حزمة إجراءات لمراقبة صناديق التحوط والملاذات * اليابان تسبق القمة بخطة تحفيز جديدة

TT

عندما يجتمع قادة مجموعة العشرين في لندن غدا لبحث إجراءات مواجهة الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية سيكون ماثلا في أذهانهم تفادي ما حدث يوم 12 يونيو (حزيران) 1933 عندما تجمع نحو ألف من المسؤولين الحكوميين والماليين في المتحف الجيولوجي في العاصمة البريطانية ليستمعوا إلى كلمة ملك بريطانيا في ذلك الوقت جورج الخامس، حيث كانوا يبحثون إنقاذ العالم من الدخول في الكساد الكبير. وبعد 6 أسابيع انفض المؤتمر من دون أي اتفاقات كبرى وسط تبادل اتهامات حول أسباب الفشل.

غدا يجتمع القادة لمواجهة أزمة توصف بأنها الأسوأ منذ 60 عاما وتقارن بأزمة الثلاثينات، في مركز المؤتمرات في اكسيل على بعد عدة كيلومترات من المتحف الجيولوجي القديم الذي أصبح الآن جزءا من متحف التاريخ الطبيعي في لندن. وهناك فارق كبير بين الثلاثينات واليوم، فألمانيا النازية والاتحاد السوفياتي القديم غير موجودين، والاقتصاديون لديهم فكرة أفضل عن أسباب ما حدث، فالتفكير الاقتصادي في ذلك الوقت الذي قاد إلى إجراءات حمائية برفع رسوم الواردات وموازنة الميزانيات جعل الأمور أسوأ.

وهذا ما جعل أعضاء مجموعة العشرين يتبعون استراتيجية مختلفة في مواجهة الأزمة الحالية قائمة على خطط تحفيز اقتصادي ضخوا فيها تريليونات الدولارات وتعهدات بعدم اللجوء إلى الحمائية. ومع ذلك لا تزال هناك قضايا مثار خلاف، خاصة حول ما إذا كان يتعين ضخ المزيد من الأموال واحتياجات زيادة موارد صندوق النقد الدولي كملاذ أخير لإنقاذ الاقتصاديات المتعثرة.

وقد أعلن البيت الأبيض أمس أنه يتوقع أن يوافق قادة الدول العشرين على حزمة من الإصلاحات المالية، تشمل توسيع الرقابة على صناديق التحوط التي تضارب بمئات المليارات من الدولارات في أدوات المشتقات المالية المعقدة. وقال مايك فورمان نائب مستشار الأمن القومي الأميركي للشؤون الاقتصادية الدولية إن هناك اتفاقا على ذلك، كما أن الدول العشرين ستأخذ خطوات لوضع الملاذات الضريبية تحت الرقابة. وقد تحادث الرئيس الأميركي باراك أوباما مع رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون أمس من طائرة الرئاسة وهو في طريقه إلى بريطانيا حول جدول أعمال القمة وفقا لما قاله متحدث باسم أوباما.

وقال رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون، الذي تستضيف بلاده القمة، إن على زعماء مجموعة العشرين أن يستهدفوا حماية أو خلق 20 مليون وظيفة والعمل سويا لزيادة الأثر المحتمل لتحركاتهم.

وقال: «على القادة المجتمعين في لندن تزويد الاقتصاد العالمي بأكسجين الثقة ومنح الناس في كل بلداننا أملا جديدا في المستقبل». وقال براون، الذي يقود جهود التوصل إلى اتفاق على إجراءات ملموسة خلال قمة العشرين، إن الاجتماع يجب أن يستعيد ثقة الناس في الاقتصاد.

وأبلغ تلفزيون «جود مورننغ» البريطاني أن «العالم لم يلتئم في أزمات الركود السابقة وقد استمرت لفترة أطول بكثير.. الشيء الأكثر أهمية أن نعمل جميعا معا، لأنه عندما نعمل مع الدول الأخرى، فإن التأثير يتضاعف عنه لو تحركنا بمفردنا». وبينما أعلن البنك الدولي أمس عن برنامج قيمته 50 مليار دولار لمواجهة التراجع في التجارة العالمية، قالت وزيرة الاقتصاد الفرنسية كريستين لاغراد إن مدير صندوق النقد الدولي يحتاج إلى توضيح احتياجات الصندوق من الموارد الجديدة. وكان وزراء مالية العشرين قد أقروا مضاعفة موارده إلى 500 مليار دولار، إلا أن تقارير تفيد بأن الصندوق يحتاج إلى مضاعفة موارده ثلاث مرات.

وسلطت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الضوء على حجم المشكلة عندما قالت إن اقتصادات أعضائها الثلاثين ستنكمش 4.3 في المائة هذا العام، وتخسر 25 مليون وظيفة في 2009 و2010.

وأعلنت اليابان، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، عن خطط لحزمة تحفيز ثالثة لها. وتكهنت وسائل إعلام يابانية بأن البرنامج الجديد يهدف إلى خلق طلب قيمته 60 تريليونا (612 مليار دولار) ومليوني وظيفة.

وقال كلاوس شميت هيبيل، كبير اقتصاديي منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إن إجراءات التحفيز العالمية المتخذة حتى الآن ستستعيد النمو في 2010، وهو توقع ينسجم مع ما ورد في مسودة بيان لمجموعة العشرين حصلت عليها «رويترز» الاثنين.

وتظهر المسودة أن القادة يريدون الاتفاق على تفادي تحركات العملة وإجراءات الحماية التجارية التي قد تلحق الضرر باقتصادات أخرى. وهي تردد أيضا التعهدات القائمة بإعادة الاقتصادات إلى مسارها، لكنها تخلو من أي تفاصيل محددة.

وفي تصريحات لـ«رويترز» قبيل القمة، قلل روبرت زوليك رئيس البنك الدولي من فرص إنزال الدولار عن عرش العملة الرئيسية في العالم.

وقال زوليك: «أعتقد أن الدولار سيظل عملة الاحتياطي الرئيسية. السؤال سيكون هل نتخذ إجراءات مكملة».

وأضاف زوليك أن البنك يتوقع تراجع أحجام التجارة العالمية ستة في المائة. وقال إن أحدث توقعات البنك تشير إلى انكماش الاقتصاد العالمي 1.7 في المائة هذا العام، وهو ما سيكون أول تراجع منذ الحرب العالمية الثانية. كانت توقعات البنك في السابق لانكماش في حدود واحد إلى اثنين في المائة.

وقال زوليك إن من المتوقع تباطؤ نمو الاقتصادات النامية إلى 2.1 في المائة هذا العام، مع تراجع الطلب العالمي والتدفقات الرأسمالية الخاصة والتحويلات من الخارج.

وتشوب التحضير للقمة انقسامات بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية عدا بريطانيا بشأن محور الاجتماع.

وتدعو إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى مزيد من التحفيز المالي، في حين ترغب بلدان مثل فرنسا وألمانيا في انتظار تأثير الإجراءات التي اتخذت بالفعل والتركيز على إصلاح قواعد تنظيم أسواق المال.

وقال جوزيه مانويل باروزو، رئيس المفوضية الأوروبية، إن على قمة مجموعة العشرين أن تتعهد بإصلاح المؤسسات المالية، والاتفاق على استراتيجية خروج من خطط زيادة الإنفاق الحكومي، والالتزام بالتوصل إلى اتفاق بشأن المناخ.

ودعا إلى زيادة نفوذ دول مثل الصين والهند في صندوق النقد الدولي بعد إصلاحه.

وقالت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل السبت لصحيفة «فايننشال تايمز»: «لم تحصل الأزمة لأننا وزعنا أقل مما ينبغي من الأموال، بل لأننا أنتجنا نموا اقتصاديا بأموال طائلة ومن دون أن يكون مستديما».

وتابعت ميركل التي ستكون بلادها إحدى الدول الأربع من الاتحاد الأوروبي المشاركة في قمة مجموعة العشرين إلى جانب فرنسا وإيطاليا وبريطانيا التي تستضيف اللقاء: «إذا أردنا استخلاص العبر، فإن الرد لن يكون بتكرار أخطاء الماضي».

وفي الوقت ذاته أعربت الحكومة الألمانية عن توقعها بأن تحقق تقدما فعليا في الرقابة على أسواق المال.

وأعلنت مصادر حكومية أمس في برلين أن هناك تفاؤلا بنجاح القمة، وأنه من المتوقع إتمام خطة الرقابة على أسواق المال، التي اتفق عليها قبل خمسة أشهر في واشنطن، بحلول القمة.

وأشارت المصادر إلى أنه ليس من الواضح الآن إذا ما كان سيتم نشر قائمة سوداء لدول الملاذات الضريبية في المستقبل أم لا.

وأيدت المصادر ألمانيا لوضع مثل هذه القائمة، مشيرة في المقابل إلى وجود معارضة لهذا الأمر من قبل بعض الدول ذات الاقتصاديات الصاعدة.

ومن ناحية أخرى أشارت المصادر إلى أن مسألة كيفية مراقبة نشاطات صناديق التحوط في المستقبل لا تزال معلقة.

كما أكدت المصادر ضرورة أن يقرر قادة دول وحكومات مجموعة العشرين مقدار الزيادة التي ينبغي إحداثها في موارد صندوق النقد والبنك الدوليين وبنك التنمية الآسيوي، وأنه ينبغي لذلك ضمان وصول الدول ذات الاقتصاديات الصاعدة والنامية إلى رأس المال على الرغم من الأزمة المالية.

وأشارت المصادر إلى أنه من المحتمل مطالبة ألمانيا بتوفير مبالغ تقدر بالملايين لزيادة موارد تلك المؤسسات المالية.

وأوضحت وكالة الصحافة الفرنسية أن الأوروبيين كرروا للولايات المتحدة خلال الأسابيع الماضية أنهم يعتبرون تدابير الإنعاش الاقتصادي التي اتخذوها حتى الآن كافية وقد وصلت قيمتها إلى 400 مليار يورو لعامي 2009 و2010، ما يوازي ما لا يقل عن 3.3 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي في الاتحاد الأوروبي.

أما الولايات المتحدة، التي أطلقت في فبراير (شباط) خطة إنعاش اقتصادي بقيمة 787 مليار دولار تمثل 5.5 في المائة من إجمالي ناتجها الداخلي، فشددت مرارا من جهتها على ضرورة بذل المزيد من الجهود في مواجهة خطورة الانكماش العالمي وحدته.

واشتدت هذه التجاذبات بين ضفتي الأطلسي هذا الأسبوع إثر تعليقات غير دبلوماسية إطلاقا صدرت عن رئيس الوزراء التشيكي ميريك توبولانيك الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي.

فقد اعتبر المسؤول الليبرالي أن الولايات المتحدة سلكت «طريقا إلى الجحيم» بصرفها مئات مليارات الدولارات.

ويدعو الأوروبيون إلى إعطاء الأولوية خلال قمة مجموعة العشرين إلى ضبط النظام المالي ومراقبته وليس إلى إنعاش الاقتصاد.

وقال رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو، الخميس: «ليس هناك تناقض بين الإنعاش الاقتصادي وتشديد ضبط النظام المالي العالمي. نحن بحاجة إلى الاثنين أن أردنا إنعاش الاقتصاد».

وقال المتحدث باسم المستشارة الألمانية، الجمعة: «لا نزاع إطلاقا بيننا وبين الإدارة الأميركية. فضبط الأسواق المالية هو بنظر كلينا النقطة المحورية» لهذه القمة.

يبقى أن الاقتراحات الأميركية الأخيرة حول مسألة الرقابة المالية هدأت بعض الشيء من مخاوف الدول الأوروبية التي تخشى أن تسعى واشنطن للحد قدر الإمكان من إجراءات الضبط خلال قمة مجموعة العشرين.

وكشفت واشنطن أخيرا الخطوط العريضة لخطة تهدف إلى تشديد المعايير المالية المعتمدة وفرض الرقابة على عدد كبير من المؤسسات والأسواق التي كانت خارجة عنها من قبل. ويطمح الأوروبيون إلى تحقيق نتائج عملية في قمة مجموعة العشرين.

وهم يعدون عدة مبادرات في إطار الاتحاد الأوروبي، تقضي بتشديد الضوابط على صناديق المضاربة والأصول الخاصة، وفرض الرقابة على التعويضات في القطاع المالي، ومراقبة وكالات التصنيف الائتماني، وتشديد المراقبة عبر الحدود على شركات التأمين والمصارف داخل الاتحاد الأوروبي.

غير أن هذه المسألة أيضا تهدد بإثارة خلاف في وجهات النظر بعدما دعت الولايات المتحدة أخيرا إلى بذل جهود أكبر وزيادة موارد صندوق النقد الدولي بثلاثة أضعاف.