مؤتمر أفغانستان: كلينتون تعرض المصالحة على عناصر طالبان المعتدلة

اتفاق دولي على استراتيجية أوباما الجديدة للقضاء على «القاعدة»

هيلاري كلينتون ويبدو خلفها بان كي مون وحميد كرزاي خلال مؤتمر أفغانستان في لاهاي أمس (أ.ب)
TT

انطلقت أمس أعمال المؤتمر الدولي بشأن أفغانستان بمشاركة إيران والولايات المتحدة التي أعلنت أنها ستطلب مساعدة طهران لتحقيق الأمن والاستقرار في أفغانستان، لكنها لن تدخل في محادثات مباشرة معها، في الوقت الذي طالب فيه حلف الناتو أعضاءه بدعم الاستراتيجية الأميركية في ذلك البلد.

وشارك في المؤتمر الذي بدأت أعماله أمس في مدينة لاهاي الهولندية، أكثر من 80 دولة، تضم جميع الدول المجاورة لأفغانستان، بما فيها إيران وجميع الدول المشاركة في إطار القوات الدولية بقيادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة.

وناقش نحو 700 مندوب، بينهم ممثلون لتسع منظمات دولية برعاية الأمم المتحدة، مسألة إعادة إعمار أفغانستان والتنمية وإعادة الأمن والاستقرار إلى هذا البلد الذي يعاني من تفاقم أعمال العنف بعد سبع سنوات من سقوط حركة طالبان، وبعد خمسة أيام من كشف الرئيس الأميركي باراك أوباما المحاور الكبرى لاستراتيجية واشنطن في هذا الشأن. وقالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في المؤتمر الذي ترعاه الأمم المتحدة، إن خطة إنقاذ أفغانستان تشمل مزيجا من العمل الدبلوماسي المدعوم بالعمل العسكري والتنمية الاقتصادية. وأيدت كلينتون المصالحة مع عناصر طالبان الذين ينبذون العنف، في كلمة أمام المؤتمر الدولي حول مستقبل أفغانستان. وقالت: «علينا أن ندعم جهود الحكومة الأفغانية لفصل متطرفي القاعدة وطالبان عن أولئك الذين انضموا إلى صفوفهم بدافع اليأس وليس القناعة». وأضافت: «الواقع أن هذا ينطبق على معظم الذين يقاتلون إلى جانب طالبان». وقالت إنه «ينبغي أن تعرض عليهم صيغة مشرفة للمصالحة وإعادة الاندماج في مجتمع هادئ إن كانوا راغبين في نبذ العنف والانفصال عن القاعدة واحترام الدستور». وأضافت أن على المجتمع الدولي مساعدة الحكومة الأفغانية في «التمييز بين العناصر المنضوية في صفوف طالبان بدافع اليأس وليس عن قناعة وبين عناصر القاعدة ومتطرفي طالبان». وأعلنت كلينتون أمس أن الولايات المتحدة ستساهم بمبلغ أربعين مليون دولار في تنظيم الانتخابات المقرر إجراؤها في آب (أغسطس) في أفغانستان. وشددت على أن بلادها ستعمل في مسارين رئيسيين، أحدهما عسكري والآخر مدني، فضلا عن جهود إعادة الإعمار. وأشارت وزيرة الخارجية الأميركية إلى رغبة واشنطن في الحصول على مساعدة طهران بشأن أمن الحدود ومكافحة المخدرات في أفغانستان، نافية في الوقت ذاته وجود أي مخطط للقاء مهدي أخوندزاده نائب وزير الخارجية الإيراني الذي يمثل بلاده في مؤتمر لاهاي. ويستمر المؤتمر الذي ترعاه الأمم المتحدة يوما واحدا بمشاركة أكثر من 80 دولة، بهدف حشد التأييد الدولي للاستراتيجية الأميركية الجديدة في أفغانستان التي أعادت كلينتون طرحها أمام المؤتمرين. ومن بين الدول المشاركة في المؤتمر إيران التي يمثلها نائب وزير الخارجية محمد مهدي أخوندزاده الذي كرر معارضة بلاده وجود قوات أميركية على الأراضي الأفغانية، ولكنه أعلن أن إيران على استعداد للمساهمة في إعادة إعمار أفغانستان ومكافحة تجارة المخدرات. وقال أخوندزاده إن إيران على كامل الاستعداد «للمساهمة في المشاريع الخاصة بالتصدي لتجارة المخدرات وخطط إعادة إعمار وتنمية أفغانستان»، لكنه أشار إلى أن القوات الأجنبية المنتشرة في هذا البلد لم تجلب الاستقرار، وأن زيادة عددها لن تغير الأوضاع نحو الأفضل داعيا إلى تقوية دور الأمم المتحدة في أفغانستان. وقال أخوندزاده في كلمته: «نأمل أن يخرج المؤتمر بالحلول التي يريدها الشعب الأفغاني من تعاون دولي حقيقي وخاصة من الدول المجاورة مع الحكومة الأفغانية». وفي ما يتعلق بالموقف الإيراني من الآفاق الأمنية، قال: «كلنا يعلم أن هناك انفلاتا أمنيا السبب فيه هو الإرهاب وتجارة المخدرات». وأضاف: «نحن على استعداد للتعاون في هذا المجال إلى جانب مجال إعادة الإعمار». ومن جانبه أعرب مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، عن أمله في أن تتخذ إيران «موقفا مسؤولا» في هذا الشأن، مضيفا أن الاستقرار في أفغانستان لن يتحقق دون تحقيقه في المنطقة برمتها. وحضر المؤتمر ممثلون عن باكستان والصين وروسيا ودول أخرى مجاورة لأفغانستان وكذلك الهند. وتحدث وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير مع واشنطن في إرسال عناصر من قوة الدرك الأوروبية إلى أفغانستان، وهو أمر وافقت عليه، مبدئيا، إيطاليا وإسبانيا والبرتغال. وقالت المفوضية الأوروبية إنها مستعدة «لمنح حوالي ستين مليون يورو» إضافية إلى أفغانستان في 2009 و2010. وتضاف هذه المساعدة إلى 700 مليون يورو مخصصة أصلا لأفغانستان في الميزانية الأوروبية للسنوات 2007 ـ 2010. وفرضت الشرطة أمس إجراءات أمنية مشددة على الشوارع المحيطة بقصر المؤتمرات، وقالت مصادر داخل بلدية لاهاي إن «معظم الوفود وصلت صباح يوم الاجتماع، إلى مطاري العاصمة أمستردام والمدينة الساحلية روتردام، ومن الطبيعي أن يحصل هؤلاء على الأسبقية والأفضلية على الطرق السريعة والداخلية، وداخل الأنفاق المخصصة للسيارات ومنها نفق هيوربرتس، الذي يربط مركز لاهاي بالمناطق القريبة منها». وألغت البلدية عددا من خطوط الترام التي تمر بالقرب من قصر المؤتمرات، ولم يسمح للصحافيين بالدخول إلى المؤتمر من دون البطاقات الصحافية التي تم الحصول عليها قبل 24 ساعة من افتتاح المؤتمر. وافتتح المؤتمر وزير خارجية هولندا ماكسيم فرهاخن الذي قدم الشكر للوفود المشاركة، وتحدث بعده رئيس وزراء بلاده بيتر بالكيند الذي أعرب عن أمله في أن يحقق المؤتمر الأهداف المرجوة منه، وجاء ذلك بحضور الرئيس الأفغاني حميد كرزاي الذي أعرب عن تفاؤله بنتائج المؤتمر وقدرته على تجديد الدعم لتحقيق الأمن والاستقرار في بلاده. وقال كرزاي في كلمته أمس، إن هناك كثيرا من التقدم تحقق على أرض الواقع في أفغانستان من جهة التنمية والأمن، مشيرا إلى أن هناك نحو 6.5 مليون طالب يتلقون التعليم في المدارس الأفغانية بعد أن حرموا من حقهم في المعرفة عهد طالبان. وأضاف: «قبل سبع سنوات عندما سقطت القاعدة وطالبان، وقرر المجتمع الدولي محاربة الإرهاب، أتذكر الوضعية الصعبة التي كانت عليها أفغانستان، وسارت البلاد بخطى بطيئة ولكن ثابتة على طريق تحقيق الأمن والاستقرار وإرساء الديمقراطية وعرفت البلاد تغييرات في مجالات مختلفة تتعلق بالإعمار والتنمية والتطور، وخاصة فيما يتعلق بالتعليم والبناء والإعلام والاهتمام بالمرأة».

ووجه كرزاي الشكر إلى الإدارة الأميركية الجديدة بعد أن طرح أوباما استراتيجيته الجديدة بشأن أفغانستان وباكستان، وكذلك بسبب الجهود الدبلوماسية الجديدة بقيادة وزيرة الخارجية كلينتون. وقال: «أفغانستان تحتاج إلى المزيد من الدعم والمساندة من المجتمع الدولي لتحقيق الأمن والاستقرار والاستمرار على الطريق الصحيح من أجل ملاحقة طالبان وفلول القاعدة، ولكن علينا أن نعلم أن مكافحة الإرهاب تحتاج إلى مزيد من الوقت والتعاون». وأضاف: «أن الحكومة الأفغانية ترحب بالاستراتيجية الأميركية الجديدة لأنها تأخذ في الاعتبار أفكار الحكومة الأفغانية وطلبها باعتبار الإرهاب مشكلة إقليمية». وقال إن الخطة الجديدة مفيدة لبلده، وإن حكومته «تعتقد أن هذه الاستراتيجية الأميركية ستقرب أفغانستان والمجتمع الدولي من النجاح».

وفي استراتيجيته الجديدة، قال أوباما «إنه أمر بإرسال أربعة آلاف جندي إضافي إلى أفغانستان لتعزيز جهود تقوية قوات الأمن الأفغانية. وستنضم القوات الجديدة إلى 17 ألف جندي في طريقهم بالفعل إلى ذلك البلد». وكرر كرزاي مرارا في الماضي طلبه من القوات الدولية في أفغانستان استهداف قواعد «القاعدة» وطالبان داخل باكستان، محذرا قوات الناتو من أنها لن تنجح في حربها إذا ما غضت الطرف عن تلك المنطقة. واعترف أوباما بأن قادة طالبان و«القاعدة» يختبئون في المناطق القبلية الباكستانية ووصف المنطقة الحدودية بأنها «أخطر مكان في العالم بالنسبة للشعب الأميركي».

وقال وزير الدفاع الهولندي هانك كامب في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن إرسال مزيد من القوات الدولية والإعلان عن الاستراتيجية الأميركية الجديدة سيكون له تأثير مهم وقوي على عمل القوات المشاركة في مهمة «ايساف» في أفغانستان، مضيفا: «أنه كرجل عسكري يتفهم هذا جيدا.. سنعمل كل ما في جهدنا لإنجاح هذا المؤتمر».

من جهتها، حذرت مصر من عدم وضع حدود واضحة لشعار «الحرب على الإرهاب»، حتى لا يتحول إلى، أو ينظر إليه الشعب الأفغاني على أنه «حرب على الإسلام»، وطالبت المجتمع الدولي بـ«دعم العملية السياسية وعملية إعادة الإعمار في أفغانستان»، وضرورة أن تقدم كافة الأطراف كل الجهود اللازمة لاستقرار الأوضاع هناك، وفي مقدمتها «المصالحة الوطنية».

وقال وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط في كلمة ألقتها مساعدته السفيرة وفاء بسيم في المؤتمر أمس، «إن تسوية المسألة الأفغانية تستلزم من وجهة نظر مصر عددا من العناصر المهمة، في مقدمتها ضرورة دفع المصالحة الوطنية قدما لتشمل كافة أطراف العملية السياسية والخلفيات العرقية المختلفة، بالإضافة إلى دعوة جميع الأطراف الدولية والإقليمية المعنية القادرة على تقديم هذا الدعم إلى ممارسة نفوذها والدور المتوقع منها في هذا الشأن».