غيتس يضمن دورا جديدا.. مع رئيس جديد

براغماتيكي وغير آيديولوجي ويحظى بثقة أوباما

TT

قضى روبرت غيتس نحو 115 يوما من الأيام الأخيرة من عمر إدارة الرئيس السابق جورج بوش، كوزير للدفاع ومشرف على حربين تخوضهما الولايات المتحدة. وقد زار خلال هذه الفترة حوالي 26 دولة، منها العراق الذي زاره ثلاث مرات وأفغانستان مرتين وكوسوفو والهند وقيرغيزستان.

ولكن هذه السنة، الأمور مختلفة. فمع عمله كوزير للدفاع في إدارة الرئيس باراك أوباما، وكونه الوحيد الذي لا يزال يحتفظ بمنصبه من الإدارة السابقة، اضطر غيتس إلى تقليص رحلاته الخارجية والبقاء في الولايات المتحدة. ويقول مستشاروه إن أهم رحلاته اليومية التي يقوم بها، هي تلك الرحلة بطول ميلين والتي يقطعها كل يوم بين البنتاغون والبيت الأبيض، حيث يحاول سيد التأقلم في واشنطن، الذي عمل في السابق كرئيس لجهاز الاستخبارات المركزية الأميركية وخدم في ظل ثمانية رؤساء من كلا الحزبين، تدعيم دوره في دائرة أوباما الداخلية.

ويقول برنت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي في إدارة جورج بوش الأب والمستشار الخارجي للبيت الأبيض للرئيس أوباما والصديق المقرب لغيتس: «يجب أن يحصل على ثقتهم، إذ أن حصوله عليها يجعل كل شيء يسير على ما يرام وتقل الشكوك». وحتى الآن يبدو أن الرحلات اليومية التي يقوم بها غيتس تكون إلى العمل. وقد أصبح غيتس الذي يحاول أن يبدو أصغر من سنه بلعب كرة السلة مع الفريق الرئاسي الجديد، ركنا محوريا في مراجع سياسة الإدارة في أفغانستان وباكستان التي أعلنها أوباما الأسبوع الماضي. ولم يغب عن الجميع خلال الأزمة الأخيرة لاجتماعات مراجعة السياسة الأميركية في أفغانستان، أنه عندما كان غيتس الرجل الثاني في الاستخبارات في أواخر الثمانينات، ساهم بتقديم مساعدات وأسلحة إدارة الرئيس رونالد ريغان السرية إلى الأصوليين الإسلاميين الذين طردوا الروس من أفغانستان عبر جهاز الاستخبارات الباكستاني. وبعض أولئك الأصوليين هم الآن أعداء الولايات المتحدة الأميركية ويحاولون الإطاحة بالحكومة في كابل. غيتس يعرف الجهاد من جانبيه. قال ريتشارد هولبروك، المبعوث الخاص بالإدارة إلى أفغانستان وباكستان، والذي عمل من قبل مع غيتس في عهد إدارة كارتر: «لبوب تأثير كبير بسبب خبرته، وعندما نتحدث عن أفغانستان يقول «أتعلم، عندما كنت في الاستخبارات المركزية عملت بصورة مباشرة مع الاستخبارات الباكستانية إس آي إس بهذه الصورة» ولديه خبرة متجددة أكثر من أي مسؤول، فقد عاصر الطيب والسيئ والقبيح عن قرب».

يقول مسؤولون في البيت الأبيض إن غيتس يتمتع بثقة وعلاقة جيدة مع الرئيس أوباما، أكثر مما يتصوره البعض. فالأشخاص الذين يعرفون كلا الرجلين يقولان إنهما يتشاركان نفس المنهج التحليلي المتروي تجاه الأمن القومي ـ حصل غيتس على الدكتوراه في تاريخ روسيا والاتحاد السوفياتي من جامعة جورج تاون ـ ووجدا أسسا مشتركة لسياسة خارجية معتدلة كتلك التي تبناها الرئيس جورج بوش الأب. وأشار دنيس ماكدونو، أحد كبار مساعدي أوباما في شؤون السياسة الخارجية، إلى أن الدافع وراء قرار أوباما بالإبقاء على غيتس والاستمرار في منصبه، هو تلك الكلمة التي ألقاها الأخير في عام 2007 عندما طالب بزيادة أموال وزارة الخارجية، وقال إن على الولايات المتحدة أن تستغل التقدم الاقتصادي في محاربة التهديدات الخارجية. وقال غيتس حينها: «أحد أهم الدروس التي تعلمناها من العراق وأفغانستان، هو أن النجاح العسكري ليس وحده كافيا للفوز». وخلال النقاشات الداخلية للخطة الجديدة لأفغانستان، ضغط غيتس للحصول على 4 آلاف جندي إضافي كمعلمين، واتفق هو والأدميرال مايك مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة، على تأجيل أي قرار بطلب المزيد من القوات المقاتلة حتى نهاية العام. وقد جاء هذا الاتفاق متفقا مع وجهة نظر غيتس بأن على الولايات المتحدة ألا توسع من وجودها في أفغانستان. وقال غيتس في وقت سابق أمام الكونغرس: «إذا ما ألزمنا أنفسنا بخلق نوع من مقبرة آسيا الوسطى، فإننا سوف نخسر». وقد ارتدت تلك القذيفة المدوية في أرجاء المدينة كنوع من التخلي عن إدارة الرئيس بوش الابن، لكنها كانت في ذات الوقت ابتعادا عما قاله الرئيس أوباما في حملته الانتخابية عندما تحدث عن إعادة إعمار المؤسسات المدنية في أفغانستان. ويقول الأصدقاء إن تفكير غيتس ربما يكون هو العامل الأساس وراء عقلانية أهداف أوباما، أو على أقل تقدير، فقد كان هناك تلاق في وجهات النظر.

وقد قال لي هاملتون، رئيس مركز وودرو ويليون الدولي: «لا أعلم... ربما يكونان قد اتفقا على وجهة نظر مشتركة بين جعل أفغانستان نموذجا للديمقراطية والأمن». ويقول الأصدقاء إنهم يتوقعون أن يستمر غيتس، الذي يبلغ من العمر 65 عاما، في منصبه كوزير للدفاع أكثر من العام الذي حدده أوباما عندما عينه. ولا تزال زوجة غيتس تستمر في قضاء ستة أشهر من العام في منزلهما القريب من سياتل. ولم يخف غيتس كراهيته لواشنطن، حيث سبق اتهامه في عام 1991 خلال جلسة تأكيد تعيينه كمدير للاستخبارات، بتسييس فترة ريغان والتهويل من الخطر السوفياتي. وهو يعيش مع زوجته الآن في منزل في قاعدة عسكرية بالقرب من وزارة الخارجية. وقد كان غيتس حريصا في مقارنته بين آخر رئيسين عمل معهما، على الرغم من وصفه لأوباما في برنامج «واجه الصحافة» على قناة إن بي سي، بأنه «يتمتع بقدرة تحليلية للأمور أكثر من بوش». ولا يزال مستشارو غيتس يصرون على أنه يدرك حقيقة أفغانستان جيدا. وقد كتب غيتس في مذكراته عام 1996 التي جاءت تحت عنوان «من الظلال»: «البيت الأبيض مكان مؤلم، ويبدو لي ذلك بالنظر إلى أولئك الذين يعملون ويعيشون هناك إذا كانوا صادقين تماما مع أنفسهم مع استثناء بعض الذكريات الحية التي لا تتعلق بالنصر بل بالأزمات والهزيمة، وبالنسبة لأولئك المحظوظين فربما تتعلق تلك الذكريات بحادثة أو حادثتين على درجة بالغة من الأهمية». * خدمة «نيويورك تايمز»