المقدسيون يفقدون حق المواطنة بلا مقدمات ويعاملون معاملة السياح المقيمين في مدينتهم

قانون «مركز الحياة» يحرمهم من العمل أو المبيت أو امتلاك منزل خارج القدس

TT

ليس أسهل من أن يفاجأ أي فلسطيني في القدس بفقدان حق المواطنة في المدينة، فهؤلاء أصبحوا بالآلاف خلال عامين فقط في مدينة يحتدم فيها الصراع العربي اليهودي، ويتحول إلى صراع بقاء. فقبل أسبوع فقط ذهبت سلوى الزوربا، 59 عاما، إلى أحد المراكز الصحية للعلاج، ففوجئت بأنها لا تستطيع ذلك لأن تأمينها الصحي غير ساري المفعول، وعندما تابع نجلها علاء القضية، اكتشف أن والدته أصبحت بلا هوية وأبلغ بأنه قد صدر قرار بسحب إقامتها لوجودها خارج القدس. ومثل سلوى يوجد آلاف يتابعون قضاياهم في المحاكم الإسرائيلية من أجل استعادة هوياتهم. وتحدثت «الشرق الأوسط» إلى بعضهم لكنهم آثروا عدم النشر خوفا أن يؤثر ذلك على حقوقهم تحت شعار «نريد عنب ولا نريد مقاتلة الناطور». وحده علاء استجاب وقال لـ «الشرق الأوسط» إنه فوجئ بقرار السلطات الإسرائيلية سحب مواطنة والدته، وفوجئ أكثر بالسبب، وقال، «والدتي تسكن في هذا البيت منذ تزوجت أبي قبل 35 عاما ولم تغادر قط». ويقع منزل الزوربا في نهاية طريق الواد قرب المسجد الأقصى وولد وأشقاؤه هناك ولا يعرفون مكانا آخر لهم. وسلم علاء القضية إلى محام، وقال إنهم سيضطرون لرفع قضية إذا لم تعد السلطات الإسرائيلية هوية والدته، وأضاف، «حتى رجال شرطة إسرائيليون يعملون قرب منزلنا سخروا من القرار وأبلغوني أنهم مستعدون للشهادة في المحكمة». ويوجد أسفل منزل زوربا حفريات توصل إلى كنيس يهودي، وهذه كانت مثار خلاف في المحاكم، وقال علاء، «حصلنا على قرار محكمة لكنهم لم ينفذوه وربما هناك نية للانتقام الآن». ويخشى علاء أن يطاله القرار وأشقاءه، لكنه أضاف «إحنا مش راح نهاجر، هينا موجودين ولن نغادر بيتنا». وبدأت القصة عندما ضمت إسرائيل القدس الشرقية فور احتلالها عام 1967، وبدء قوانينهم الخاصة. وقال زياد الحموري، مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية، لـ «الشرق الأوسط» «منذ عام 67، اعتبرونا وافدين للقدس، مثل أي سائح يمكن أن يصل القدس ويحصل على إذن عمل، وبالتالي يحصل على إقامة.. نحن حصلنا على إقامة دائمة». وتابع «هذه الإقامة أعطيت لنا حسب قانون الدخول لإسرائيل، وهي لا تعطينا حق المواطنة». وحتى عام 1999 كانت إسرائيل تعتبر أن كل من يغادر القدس لأكثر من 7 سنوات متواصلة، يفقد حق الإقامة، ويفقد المقدسي إقامته في المدينة إذ ما حصل على إقامة في دولة أخرى. وأوضح الحموري «أنا مقيم هنا مثل أي سائح وتسقط عني الإقامة إذا خالفت قانون الإقامة، أما الموطنة أي (الجنسية) فلا تسقط لمثل هذه الأسباب».

وبحسب الحموري فإن هذا الحال لم يعجب الإسرائيليين، وكان يمنعهم من تحقيق أهدافهم بطرد أهل القدس، إذا التزم أهالي المدينة بالإجراءات وحرصوا على تجديد إقاماتهم، فسن الإسرائيليون قانون «مركز الحياة» في أواخر عام 1998، وهو يعني أن تتحول القدس إلى مركز حياة أي مواطن. ومثلا إذا كان عمل شخص ما في القدس وكان يبيت في الرام أو رام الله فإن مركز حياته لا تعتبر القدس ويتم سحب المواطنة منه والعكس صحيح. وتبحث السلطات الإسرائيلية باستمرار عمن يعمل أو يبيت خارج القدس أو يملك بيتا في الضفة الغربية، من أجل سحب هويته فورا. وقال الحموري، في هذه الحالة يفقد المواطن حقوقه الاجتماعية والقانونية، ويخسر كل تأميناته الصحية والاجتماعية والمخصصات الأخرى. لكن هذه الإجراءات يتبعها إجراءات أخرى أكثر خطورة، وبمجرد اعتبار أي مقدسي غائب عن القدس، فإن أي أملاك له ستصبح عرضة للمصادرة تحت قانون حارس أملاك الغائبين. وكل هذه الإجراءات السريعة التي تتم من دون مقدمات، يقابلها إجراءات صعبة وطويلة من أجل استعادة الهوية، وعلى كل مواطن فقد حق المواطنة أن يثبت مرة أخرى أن القدس تحولت إلى مركز حياته، أي أن يعمل ويبيت ويبقى في المدينة لمدة عامين على الأقل وعليه أن يثبت ذلك من أجل استرداد هويته. ويحرم مقدسيون أحيانا من زيارة الضفة والمبيت فيها ولو ليلة لمثل هذه الأسباب، حتى وإن كانت عائلاتهم تعيش في الضفة، وكان من يتزوج من أهالي الضفة الغربية، مقدسيا يحصل على الهوية الإسرائيلية «الزرقاء» أما اليوم فيعتبر ذلك مستحيلا.ويتزايد بشكل ملحوظ عدد أولئك الذين تسحب هوايتهم، ويقدر الحموري أن آلافا قد سحبت هوياتهم خلال العامين الماضيين. وقال الحموري إن الخطط الإسرائيلية تقضي لإبقاء 70 ألف عربي من أصل 270 ألف في القدس. وأضاف «الجدار أخرج حوالي 100 ألف من حدود القدس وهؤلاء عرضة الآن لسحب هوياتهم».