الانتخابات اللبنانية على أجندة الاهتمام الإقليمي والدولي والاتهامات بالتدخل الخارجي تخضع للتنافس الانتخابي

دمشق تتوقع تحول حلفائها إلى أكثرية وواشنطن تقوم مساعداتها وفق النتائج

TT

كل الاتهامات جائزة في قاموس الانتخابات النيابية اللبنانية من أجل كسب الأكثرية في البرلمان غداة السابع من يونيو (حزيران) المقبل. ولعل أشدها فاعلية التراشق بتهمة «التدخل الخارجي» لمصلحة «14 آذار» أو«8 آذار». وفيما يبدو واضحا أن مجريات العملية الانتخابية وضعت على أجندة الاهتمام الخارجي، إلا أن ترجمة هذا الاهتمام تراوح بين مستويات متعددة، منها «التأييد» أو «الدعم» أو «التمني». لكن التصريحات الصادرة عن الجهات الإقليمية أو الدولية تحدد مستوى العلاقة مع الملف الانتخابي. ففي حين يشدد النظام السوري في خطابه على ضرورة وصول حلفائه إلى الأكثرية وضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية مع ثلث معطل، نجد أن الإدارة الأميركية تؤكد في أكثر من مناسبة دعمها فريق «14آذار» بالتصريح والتصرف، فالانتخابات اللبنانية لها مكانها في السياسة الأميركية. وفي تصريح يعود إلى 12 فبراير (شباط) الماضي، تقول وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إن «لبنان يستعد لانتخابات برلمانية مهمة في يونيو (حزيران) من هذا العام، والولايات المتحدة ستدعم الجهود الرسمية اللبنانية التي تضمن إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة من دون أن يفسدها العنف السياسي». أما مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط السفير جيفري فيلتمان فقد صرح بأن «تركيبة الحكومة الجديدة بعد الانتخابات يجب أن يقررها اللبنانيون وحدهم. أما بالنسبة إلى دورنا فإننا نتوقع تقويم طبيعة المساعدات الأميركية وسياسات الولايات المتحدة حيال لبنان في سياق نتائج الانتخابات النيابية، خاصة السياسات التي ستعتمدها الحكومة الجديدة». وأشار إلى «أن نتائج الانتخابات ستتوقف على مصير عدد من المقاعد في المناطق المسيحية، وعلى مواقف الناخبين من كتلة 14 آذار وكتلة 8 آذار ومن سيملك الغالبية في مجلس النواب الجديد».

من جهتها تملك إيران حصة في «التمني» وتقديم «الدعم» إلى حلفائها اللبنانيين، ولكن «من دون تدخل في الشؤون اللبنانية» كما يشير مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط». ويقول: «السياسة الإيرانية المتعلقة بلبنان لم تتغير. ومرتكزاتها الأساسية تعطي الأولوية للوحدة الوطنية اللبنانية، وذلك على الرغم من الخصوصية الشديدة للعلاقة مع حزب الله، والتي تستند إلى علاقة عقائدية. كذلك تحرص إيران على المقاومة حرصا شديدا، لأن لبنان ثبّت أنه بمقاومته حقق انتصارات على إسرائيل لم تستطع تحقيقها الدول العربية. والأهم يبقى علاقتنا مع لبنان كدولة نحترم كيانها». ويضيف: «في هذا الإطار نؤكد أن إيران لا تتدخل في الشأن اللبناني الانتخابي. أما ما يقال عن أن حزب الله يعمل بإيحاء إيراني فهو كلام مردود. لأن المسؤولين في الحزب ليسوا مراهقين سياسيين أو مرتزقة، وإنما هم طلائع مقاومة متجذرة في الشعب اللبناني. وهمهم تحرير وطنهم ومصلحته».

لكن المسؤول الإيراني يستطرد قائلا: «إذا طُلب من إيران أن تقوم بأي عمل، سواء على مستوى الانتخابات أو أي شأن يصب في مصلحة لبنان وتمتين العلاقات بين البلدين، فهي لن تمتنع». ويشدد على أن «إيران لا تمول حزب الله»، ليضيف: « لماذا يزج اسم إيران في الشؤون الانتخابية اللبنانية؟ طبيعي أن نتمنى فوز حلفائنا في لبنان. وكل جهة دولية تتمنى أن يكون حلفاؤها هم الأقوى. لكن التمني شيء والتدخل في شؤون لبنان على هذا الأساس شيء آخر. نعلم أن حزب الله يرعى محاولة إزالة الخلافات بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون. لكن ما دخل إيران في هذه التفاصيل. كذلك ما علاقتنا ببعض التبرعات والعلاقات الشخصية لهذا الحزب أو ذاك؟». ولا ينفي المسؤول أن «إيران وسورية تتداولان في الشأن اللبناني من ضمن المواضيع التي تبحث بينهما. لكن هذا الأمر لا يشبه النسيج الذي تحاول الولايات المتحدة فرضه على لبنان».

نائب طرابلس في كتلة «المستقبل» مصطفى علوش ينفي أن يكون للمسؤولين الأميركيين أي تدخل في الانتخابات النيابية اللبنانية، ليشير إلى «تمنيات سعودية» بالتوافق وتحديدا في طرابلس التي شهدت أحداثا أمنية بعد السابع من مايو (أيار) الماضي. ويقول: «حتى لا نكون مغالين، يجب الإقرار بأن الوضع اللبناني مفتوح على الوضعين الإقليمي والخارجي. هناك بعض الإيحاءات والإشارات إلى وجود تدخلات، وإن بدرجات متفاوتة. وهي تتعلق ببعض الأسماء وبعض الكتل والتيارات. لكن هناك حدودا للتدخل».

ويضيف: «في طرابلس مثلا، هناك احتقان سببته الأحداث التي شهدتها المدينة بعد السابع من مايو (أيار) الماضي. والتخفيف من الاحتقان استدعى المحافظة على التعايش والتعاون بين الأطراف السياسية المؤثرة في المدينة. وقد تم التوافق على التحالف بين هذه الأطراف لتكون موجودة في البرلمان بناء على نصيحة سعودية. أما في بقية المناطق فلا سبب لأي تمنٍ أو تدخل».

أما عن التدخل الخارجي لدى قوى «8 آذار» فيقول علوش: «التدخل الإيراني والسوري واضح لدى قوى 8 آذار، وذلك انطلاقا من أن هذه القوى تخوض الانتخابات في تحالف واحد يدار من الخارج. فإذا أخذنا الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث لوجدنا أن لا قاعدة شعبية لهما تسمح بوصول مرشحيهما إلى المقاعد النيابية. لكن هذين الحزبين المحسوبين على النظام السوري يحظيان بمقاعد نيابية وفق تعليمات واضحة تفرض على حلفاء سورية في لبنان. كذلك الحال مع التيار الوطني الحر، فالتوجيهات تقضي بأن يصار إلى تكبير حجمه، مع أن الواقع يؤكد قدرة حزب الله وحركة أمل على حصاره في مناطق نفوذهما وعدم السماح له بالفوز بأي مقعد نيابي هناك».

النائب في تكتل «التغيير والإصلاح» إبراهيم كنعان يرفض هذا الطرح ويقول: «وحده اللبناني يستطيع أن يتحكم بمدى التدخل الخارجي في قراره الانتخابي. فإذا كان يصدر التناقضات الداخلية إلى القوى الخارجية، حينها يسمح بالتدخل. وإذا حرص على إبقاء هذه التناقضات في حيز ضيق تصبح مساحة التدخل ضيقة ومعدومة. لكن هذا لا يعني أن نتجاهل واقع انعدام الحدود بين الدول والعولمة التي فرضت تأثيراتها. لذا علينا أن نضع ملفاتنا الداخلية خارج هذا الإطار لنحمي مؤسساتنا». ويضيف: «الناخبون هم الذين يقررون من ينتخبون بمعزل عن كل ما يشاع.. ولا نستطيع أن نعتبر وجود أي حزب في لائحة ما ناتجا عن قرار خارجي. في النهاية يجب أن يبقى قرار التحالف داخليا، إلا أننا لا يمكن أن نتجاهل انعكاس خلافات الخارج على الداخل. والأمر ليس صحيا».