جدل يصاحب قمة الـ 20 حول تحديد المسؤول عن الأزمة

الرئيس البرازيلي قال إن «البِيض ذوي العيون الزرق» هم المسؤولون عنها * فرنسا وألمانيا وجهتا أصابع الاتهام إلى «المقاربة الأنغلوساكسونية»

عمال يغطون النصب التذكاري للحرب العالمية الأولى أمام المصرف المركزي البريطاني تحسبا لوقوع مظاهرات خلال القمة (رويترز)
TT

تعقد قمة مجموعة العشرين غدا الخميس بلندن، بحضور زعماء أكبر عشرين اقتصادا في العالم، والذين تشكل بلدانهم 90% من الاقتصاد العالمي. وفيما تُعلق الآمال على القمة في إيجاد حلول ناجعة للأزمة العميقة التي تضرب الاقتصاد العالمي، وتسعى أطراف وفي مقدمتها رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون، مستضيف القمة، الحريص على نجاحها، على التأكيد أن الأزمة عالمية وتتطلب تعاونا وتكاثفا جماعيا من الدول الغنية والدول الناشئة، فإن هناك قطاعا واسعا، يشمل حتى زعماء مشاركين في قمة لندن، يرى أنه قبل الحديث عن حلول الأزمة يجب التوقف عند أسبابها وتحديد المسؤوليات في من يقف وراءها أولا، وعدم إغفال مسبباتها والتصرفات والممارسات التي زجت بالاقتصاد العالمي بأكمله في نفق الركود المظلم.

وليس هناك أكثر تعبيرا عن هذا القطاع من الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي سيحضر قمة لندن. وقد صعّد الرئيس البرازيلي قبل أيام قليلة من القمة من لهجته تجاه أولئك المسؤولين عن الأزمة، وأطلق تصريحات مثيرة للجدل، رأى البعض أنها خرجت حتى عن اللياقة الدبلوماسية في حق ضيفه رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون، الذي قام بزيارة لمنطقة أميركا اللاتينية تحضيرا لقمة لندن.

ففي مؤتمر صحافي عقده الخميس الماضي في برازيليا إلى جانب رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون، قال الرئيس البرازيلي إن الفقراء «لا يستطيعون التعويض عن الأضرار الناجمة» عن أزمة ليسوا مسؤولين عنها. وكان الرئيس البرازيلي، القيادي النقابي السابق الذي غالبا ما يضمن خطاباته صيغا مرتجلة، أكد أن «الأزمة نجمت عن التصرف غير العقلاني للبِيض ذوي العيون الزرق، الذين كانوا على ما يبدو يعرفون كل شيء قبل الأزمة، ويؤكدون اليوم أنهم لا يعرفون شيئا».

ورفضت الرئاسة البرازيلية في البداية التعليق على هذه التصريحات التي اعتبرتها الصحافة البرازيلية الجمعة «خطأ»، فيما أبرزتها الصحافة البريطانية في صفحاتها الأولى. غير أن أحد مستشاري الرئيس البرازيلي حاول في اليوم الموالي التقليل من أهمية التصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها الرئيس حول «البِيض ذوي العيون الزرق» الذين تسببوا في الأزمة الاقتصادية العالمية، قائلا إنها «صورة مجازية».

وفي تصريح صحافي أدلى به يوم الجمعة في «فينا دل مار» (شيلي)، قال ماركو أوريليو غارسيا، مستشار الرئيس البرازيلي للشؤون الدولية، على هامش قمة الحكام التقدميين، إن «الرئيس يعبر كثيرا عن آرائه عبر الصور المجازية، وما قاله كان واحدة من تلك الصور». وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية أضاف غارسيا أن «الصور المجازية لا تفسر، فهي واضحة، وكل شخص يفسرها على مزاجه»، رافضا الفكرة القائلة بأن تصريحات الرئيس البرازيلي تنطوي على بعض «المدلول العنصري». ولم يبدِ براون، الذي كان إلى جانب الرئيس البرازيلي، أي رد فعل، لكن صحافيا بريطانيا سأل لولا دا سيلفا هل ما قاله يعتبر «انحيازا عقائديا»، وأجاب الرئيس البرازيلي: «هذه ليست نظرة عقائدية، هذا استنتاج. ويتبين لنا مرة أخرى أن جزءا كبيرا من فقراء العالم الذين لا يشاركون حتى في العولمة هم أول الضحايا».

وفيما يشبه التأكيد والإصرار على رأيه فجر الرئيس البرازيلي قنبلة أخرى عندما وجّه في اليوم الموالي (السبت الماضي) اللوم إلى ممثلي الولايات المتحدة وبريطانيا وإسبانيا المشاركين معه في قمة في شيلي، لتسبب بلادهم في الأزمة الاقتصادية العالمية.

وبحسب وكالة الأنباء الألمانية خاطبهم دا سيلفا مباشرة قائلا: «عزيزي غوردون براون، عزيزي (جو) بايدن، عزيزي (خوسيه) ثاباتيرو، للأسف أنتم أكثر مسؤولية (عن الأزمة الاقتصادية)».

وكان رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون ونائب الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسباني خوسيه ثاباتيرو يحضرون قمة القادة التقدميين في منتجع «فينا ديل مار» في شيلي على ساحل المحيط الهادئ، المخصصة للإعداد لقمة مجموعة العشرين في لندن.

وبنبرة استرضائية، اعترف نائب الرئيس الأمريكي في وقت لاحق بأن بلده تعرف أنها تشترك في تحمل مسؤولية هذه الأزمة.

وكان دا سيلفا خلال زيارته لواشنطن ولقائه بالرئيس الأمريكي باراك أوباما في وقت سابق من الشهر الحالي، قال: «إن هذه أزمة اقتصادية ولدت في قلب الدول الغنية، وهذه الدول الغنية مسؤولة عن محاولة إيجاد طريقة للخروج منها. فهي تؤثر علينا جميعا، والمسؤولية الأكبر تقع على كاهل الولايات المتحدة وأوروبا».

وقال دا سيلفا في لقاء مع كبار رجال أعمال بنيويورك: «هذه الأزمة لم تبدأ في الدول الصاعدة ولا في هوامش النظام (الاقتصادي العالمي). إنها ولدت في قلب العالم المتقدم، ونتجت إلى حد كبير بسبب عدم وجود سيطرة على النظام المالي في الدول الأكثر ثراء في العالم». وأضاف أن البنوك نسيت دورها الأصلي وأصبح القطاع المصرفي أقرب إلى نوادي القمار، حيث يمكن لأي شخص أن يفعل ما يريده.

وإلى جانب البرازيل فإن دولا ناشئة أخرى عبرت هي الأخرى، وإن كان بأقل حدة، عن رأيها، حيث حملت الصين وروسيا مثلا الولايات المتحدة مسؤولية الأزمة، ودعتا إلى نظام مالي عالمي جديد.

من جهتهما لم تتوانَ فرنسا وألمانيا عن تحميل مسؤولية الأزمة للمقاربة الاقتصادية والثقافية الأنغلوساكسونية، مستهدفين بذلك أميركا وبريطانيا خاصة. وفي هذا السياق لم يتوانَ الرئيس الفرنسي في نهاية العام الماضي عن القول بأن الأزمة صناعة أميركية، داعيا واشنطن إلى تحمل مسؤولياتها. وفي نفس الفترة، وفي واحدة من أعنف اللهجات منذ تفاقمت الأزمة المالية العالمية، ألقى وزير المالية الألمانية بير شتاينبروك باللوم الكامل على عاتق الولايات المتحدة، وأكد أن على واشنطن القبول أنها فقدت «صفتها كقوة خارقة في النظام المالي العالمي»، كما أكد أن الأزمة ستخلف آثارا عميقة، وأن «العالم بعدها لن يكون كما كان قبلها».