ساركوزي يهدد بالانسحاب من قمة لندن

قال إنه «إذا لم يحصل تقدم فيها فسأنهض وأترك الاجتماع»

متظاهرون يحملون لافتة عليها عبارة «نفذ التزامك الآن.. واجه تغييرات الطقس والفقر والظلم والمعاناة» أمام مقر البورصة في لندن (أ.ف.ب)
TT

استبق قصر الإليزيه قمة العشرين في لندن يوم غد الخميس بتسريبات وتصريحات تصب كلها في خانة الضغوط المتصاعدة على القادة المجتمعين وتحديدا على الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الحكومة البريطانية غوردن براون للحصول على ما يعتبره الرئيس ساركوزي نتائج «أساسية» لمواجهة الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة.

وفي باب «التسريبات» انفردت صحيفة «لو فيغارو» اليمينية في عددها ليوم أمس بنقل كلام قاله ساركوزي في الثامن عشر من مارس (آذار) عقب اجتماع لمجلس الوزراء. وبحسب الصحيفة، فإن ساركوزي قال إنه «إذا لم يحصل تقدم في (قمة) لندن فسأنهض وأترك الاجتماع وستكون سياسة الكرسي الفارغة» مضيفا أن «الخطر ليس في الفشل، بقدر ما هو في نجاح غير حقيقي يأتي على شاكلة عبارات رنانة ولكن لا تلزم أحدا». وفي هذه الحال، فإن «الخيبة أسوأ من الفشل» مضيفا أنه «يفضل الفشل على إجماع رخو». وقارن الرئيس الفرنسي بين موقفه الجذري الذي يهدد بالانسحاب من القمة، وبالتالي دفعها إلى الفشل، وبين استخدام سلاح الردع النووي لرفض الدخول في مزيد من التفاصيل حول تعيين اللحظة التي يعتبر فيها أن المؤتمر لم يصل إلى النتيجة التي يتوقعها، وبالتالي فسينسحب منه. و قال ساركوزي: «هناك مبدأ أساسي (في الردع النووي) وهو عدم الإعلان مسبقا عن اللحظة التي يبدأ معها استخدام هذا السلاح». و في أي حال، فإن ساركوزي «يرفض» أن يزج باسمه في قمة «قررت ألا تقرر شيئا». وبالإضافة إلى التسريبات، استغل ساركوزي زيارة داخلية قام بها أمس إلى منطقة مدينة شاتيلرو (وسط فرنسا) للتحذير مجددا من تمييع قمة لندن. وشدد الرئيس الفرنسي على الحاجة إلى «الوصول إلى نتائج، إذ لا خيار آخر أمامنا، والأزمة خطيرة إلى درجة أننا لا نستطيع أن نسمح لأنفسنا أن نعقد قمة من أجل لا شيء». وذهب ساركوزي إلى التنديد بـ«القوى المحافظة» الموجودة على «المسرح الدولي» التي رفض تسميتها. لكن أوساط قصر الإليزيه والأوساط الحكومية الفرنسية لمحت للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا ودول أخرى ترفض إقرار خطط جديدة جماعية من أجل إعادة إطلاق الماكينة الاقتصادية العالمية لمواجهة أسوأ أزمة اقتصادية يعرفها العالم منذ عشرينات القرن الماضي. ولمزيد من الضغوط، سيعقد ساركوزي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مؤتمرا صحافيا اليوم لوضع القادة العالميين أمام مسؤولياتهم ولوضع «خطوط» لا يتعين أن تكون نتائج القمة من دونها. وتعزو المصادر الفرنسية مواقف ساركوزي المتشددة لعاملين اثنين: الأول أنه يعتبر نفسه صاحب فكرة القمة الاقتصادية الأولى التي عقدت في واشنطن الخريف الماضي، التي لم تخرج سوى ببيانات عامة تحتاج إلى ترجمتها على أرض الواقع وعدم الاكتفاء بالعبارات الرنانة. وأعلن ساركوزي أكثر من مرة أنه يريد أن تفضي القمتان الاقتصاديتان (واشنطن ولندن) إلى «إعادة بناء الرأسمالية المالية «التي أثبتت الأزمة حاجتها إلى «قواعد جديدة». والحال، أن مجريات الأمور لا تنبئ بإمكانية التوصل إلى هذا الهدف. والعامل الثاني أن ساركوزي، كما يقول مراقبون في باريس، يريد تسخير «معركة قمة لندن في المسرح السياسي الفرنسي الداخلي» حيث عجزت الحكومة حتى الآن، كما تقول المعارضة، عن إيجاد التدابير الضرورية لمواجهة الأزمة أو على الأقل امتصاص تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية. ويذكر المراقبون بالمظاهرات الجرارة التي جابت شوارع المدن الفرنسية في 19 من الشهر الماضي، التي ضمت بحسب النقابات ثلاثة ملايين متظاهر.

ولكن ما الذي يريده ساركوزي عمليا؟ تقول مصادر الإليزيه إن الرئيس الفرنسي وضع «علامات» تؤشر لنجاح القمة. والحد الأدنى المقبول لديه يقوم على فرض آليات رقابة على الأسواق المالية التي ترى باريس أنها كانت في أساس الأزمة بسبب غياب القواعد اللازمة. وتريد باريس نشوء رأسمالية جدية تخضع لـ«قواعد أخلاقية». وعمليا هذا يعني قيام آلية رقابة على الصناديق المالية التي تقوم على المراهنة والمضاربة من غير حدود وسن قواعد لعمل ومكافأة عملاء الوساطة المالية في البورصات ونشر لوائح الفراديس الضرائبية وإيجاد آليات حقيقية لفرض الرقابة والعقوبات عليها وتوحيد قواعد الحسابات للشركات التجارية وغير ذلك. وترى باريس أن الأزمة انطلقت من الولايات المتحدة الأميركية التي يتعين عليها المساهمة في إيجاد هذه القواعد لتحاشي تكرار الأزمات. والحال، أن الأميركيين والبريطانيين، على الرغم من التصريحات المطمئنة، لا يريدون تغييرات جذرية في الرأسمالية العالمية كما أنهم ليسوا جاهزين «في الحال» لإدخال التعديلات التي يريدها الأوروبيون فورا.

هل يعني ذلك أن قمة لندن ذاهبة إلى الفشل؟ تقول مصادر الإليزيه إن باريس تعرف أنه «لا يمكن أن نغير كل شيء دفعة واحدة» وبالتالي فإن الأمور يمكن أن تتم بالتدريج. ويضيف هؤلاء أن الجميع يتحسس المسؤولية ويعي النتائج المترتبة على فشل القمة، ما سيدفع المشاركين ليقوم كل منهم بـ«جهد» معين للتوصل إلى نتائج إيجابية تؤسس للقاءات لاحقة.