ساركوزي: صوغ قانون مالي جديد «غير قابل للتفاوض» بالنسبة إلى برلين وباريس

اجتمع مع ميركل في لندن لتوحيد صفوفهما قبل قمة العشرين

الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يهمس في أذن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بعد مؤتمر صحافي مشترك عشية القمة أمس (رويترز)
TT

حتى ساعات قليلة من افتتاح أعمال قمة العشرين في لندن مساء أمس، استمر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في نهج ممارسة الضغوط القوية على قادة الدول ملوحا بالانسحاب من القمة إذا لم تكن النتائج بحجم التوقعات. وقبل يومين على قمة الحلف الأطلسي، بمناسبة ذكرى تأسيسه الستين حيث سيؤكد الرئيس الفرنسي عودة بلاده الكاملة الى الحلف بما في ذلك الى قيادته العسكرية الموحدة، وحرص على دغدغة مشاعر الفرنسيين والتأكيد على استقلالية بلاده بقوله: «أنا صديق للولايات المتحدة ولكنني صديق يقف على رجليه».

غير أن ساركوزي الذي رفض مجددا «التسويات المزيفة» بين القادة العشرين حرص على إبراز وحدة الموقف مع ألمانيا إذ أعلن أن «مشاريع (الاتفاقات المنتظرة من القمة) لا تلائم لا فرنسا ولا ألمانيا»، مضيفا أن مستشاري رؤساء الدول والحكومات «سيستمرون في العمل» حتى القمة للتوصل إلى قرارات ذات مضمون وقابلة للتطبيق. والتقى ساركوزي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في لندن فور وصولهما الى العاصمة البريطانية حيث عقدا مؤتمراً صحافياً طالبا فيه بـ«إجراءات ملموسة» لمعالجة الأزمة الاقتصادية. وقالت ميركل في المؤتمر الصحافي مع ساركوزي: «اننا لا نريد نتائج من دون تأثير في الواقع»، مضيفة: «نريد نتائج تحقق تغيراً في العالم». وأعلن ساركوزي أمس أن إقرار مجموعة العشرين «قانونا جديدا» للنظام المالي الدولي هو امر «غير قابل للتفاوض» بالنسبة الى فرنسا وألمانيا. وأورد ساركوزي خلال مؤتمر صحافي «نقول انه لن تكون هناك ثقة من دون قانون جديد. ومن دون ثقة، لن يكون ثمة نهوض، انه هدف رئيسي غير قابل للتفاوض». وأضاف «ستتكلم ألمانيا وفرنسا بصوت واحد (...) أهدافنا هي نفسها حول المبادئ كما حول التفاصيل. نطالب بنتائج (...) في واشنطن طرحنا مبادئ، وفي لندن نريد أمورا ملموسة ونتائج». وتابع الرئيس الفرنسي «نحن، ألمانيا وفرنسا، نريد ان يكون مبدأ القانون الجديد هدفا رئيسيا في نتائج القمة. لقد أدت ألمانيا وفرنسا دوريهما كاملا في (عملية) النهوض، كان ينبغي تحريكها وقد قمنا بذلك».

وحدد ساركوزي أمس ثلاثة «خطوط حمراء» إضافية، اذا لم يتم العمل عليهم في التفاوض سيعتبر القمة فاشلة. وهذه الخطوط الحمراء هي الملاذات الضريبية ووكالات التصنيف الائتماني وصناديق التحوط. و لم يتردد ساركوزي في مهاجمة واشنطن ولندن مشيرا إليهما بتعبير «الدول الأنجلو ـ ساكسونية» التي تلتزم موقفا «متساهلا» إزاء الفراديس الضريبية. وبعد أن هاجم الصين بالاسم، قال ساركوزي إنه «أيد» ما قاله الرئيس الأميركي في هذا الخصوص، اعتبر أنه «آن الأوان» لاتخاذ تدابير عملية إزاء هذه الفراديس «في الأيام التي تتبع انتهاء القمة». وزاد ساركوزي من تصريحاته الصحافية قبل الوصول الى القمة من اجل ترسيخ الموقف الفرنسية. وندد الرئيس الفرنسي بشدة بـ«الرأسمالية المالية» التي تفتقر «للمبادئ والأخلاق» مطالبا بفرض رقابة جدية من أجل تفادي وقوع أزمات مشابهة في المستقبل للأزمة الراهنة التي انطلقت من الولايات المتحدة الأميركية. وطالب الرئيس الفرنسي بفرض قواعد جديدة من غير أن يعني ذلك قتل الرأسمالية بالإكثار من القواعد والقيود. وتريد باريس فرض رقابة على عمل صناديق التحوط التي تمارس المضاربة في الأسواق المالية الدولية وإيجاد سلطات رقابية عليها كما تطالب بقواعد أوضح لجهة المكافآت المالية لمديري المصارف ولعملاء البورصة وتأطير عمل هؤلاء لتحاشي المتاهات والكوارث المالية.

ورغم حرص باريس على إبراز التقارب مع برلين، إلا أن تهديد ساركوزي بالانسحاب وهو ما كرره أمس لم يلق استحسانا من الجانب الألماني الذي وصف هذا الخيار بأنه «ليس أفضل فكرة» طرحت. ويعتبر كثير من المراقبين في باريس أن التهديد باعتماد سياسة «الكراسي الفارغة» لن يفضي إلى نتيجة بل إن الأفضل «البحث عن طريق للإقناع والحوار بدل التهديد» خصوصا أن حجم وتأثير الاقتصاد الفرنسي غير كافيين لدفع قمة العشرين في الاتجاه الذي تريده فرنسا في حالت عارضت الولايات المتحدة ذلك. ويبرز الاختلاف بين الجانبين في رغبة واشنطن باعتماد الدول الأوروبية والدول الأخرى خططا طموحة لتحفيز الاقتصاد العالمي وهو ما لا تريده لا فرنسا ولا ألمانيا اللتين تعتبران أنهما «فعلتا بما فيه الكفاية» على هذا الصعيد.

وفيما أكد الناطق باسم الحكومة لو شاتيل أن ساركوزي لم يذهب الى لندن «من أجل الديكور والصورة» بل إنه يريد نتائج «حقيقية». وحذر ساركوزي من أن انسحابه «سيعني فشل القمة» لكنه أضاف أنه «لا يعتقد» أن ذلك سيحصل. ولكن حاول الرئيس الفرنسي مساء أمس التقليل من حجم التصريحات حول انسحابه عند وصوله الى لندن، قائلا: «لدي ثقة بأوباما». وأضاف: «إنني متأكد من أنه سيساعدنا وسيفهمنا»، بينما لم يشير إلى رئيس الوزراء البريطاني الذي يستضيف القمة. وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إنها تؤيد موقف ساركوزي وستعمل على ضمان اتخاذ القمة لقرارات ملموسة. وهي تمارس ضغوطا من أجل أن تركز المجموعة على الرقابة بدلا من زيادة الإنفاق. وهون أوباما بعد اجتماع مع رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون من الخلافات؛ قائلا إن هناك «إجماعا كبيرا» على الحاجة للعمل بشكل منسق فيما يتعلق بالتعامل مع الأزمة المالية. وفي حين يتجمع زعماء مجموعة العشرين في لندن قبيل قمتهم اليوم، تحث واشنطن بشدة حكومات أخرى على ضخ الأموال في برامج جديدة لتحفيز الاقتصاد. لكن فرنسا وألمانيا تقولان إنهما لا تريدان أن يشتت ذلك جهود تحقيق رقابة فعالة، والسيطرة على تجاوزات أسواق المال. وقال براون الذي يستضيف القمة ويحرص على إنجاحها إن الاتفاق «سيتم خلال ساعات» على قضايا منها دعم محتمل قدره مائة مليار دولار للتجارة العالمية، وعلى الرقابة المالية ودعم النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل. وقال ساركوزي إن الزعماء الذين عقدوا الاجتماع الأول لمواجهة الأزمة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، يتعين عليهم القيام بأكثر من مجرد تجديد التزامهم بالتعهدات باستعادة النمو والحمل على التجاوزات في أسواق المال. وقال ساركوزي في تقرير للصحف إن الحكومات بذلت «جهدا هائلا» استجابة للأزمة الاقتصادية لكن ما زال يتعين القيام بالكثير لمنع حدوث أزمات أخرى. وأضاف «الفشل ليس خيارا مطروحا. العالم لن يفهمه والتاريخ لن يغفره»، وتابع أن الأمر يحتاج لعقد اجتماعات بعد اجتماع لندن للوصول إلى ذلك. ويدفع ساركوزي وميركل باتجاه نتائج ملموسة فيما يتعلق بالرقابة المالية، مثل تشديد الرقابة على صناديق التحوط ووكالات التصنيف الائتماني ونشر أسماء الأماكن التي تشجع التهرب الضريبي وفضحها إذا لم تذعن للضغوط وإنهاء سرية الحسابات المصرفية. وليست هذه هي كل المطالب. فتريد الصين وروسيا أن يمنحهما الغرب صوتا أكبر في الأمور ذات الأهمية الاقتصادية العالمية ووصلا إلى حد اقتراح أن يستبعد الدولار ذات يوم من كونه عملة الاحتياطيات العالمية الرئيسية، لكن لا يعتقد أن هذا الأمر سيناقش في القمة بعمق. ويأمل العالم النامي ألا تنضب تدفقات المساعدات في الوقت الذي تضخ فيه الحكومات في مناطق أخرى تريليونات الدولارات لإنقاذ البنوك وفي إعفاءات ضريبية أو لدعم الطلب وتوفير الوظائف.