مسلحون مرتبطون بالبعث و«القاعدة» ينشطون مجددا.. وقنابل يدوية روسية جديدة تثير قلق الأميركيين

خلايا نائمة تستيقظ وتستهدف الصحوات والقوات الحكومية.. والجيش الأميركي يقر: التمرد تحول إرهابا

ضابط أميركي يسلم مفتاح القاعدة الأميركية السابقة «الحرية» في بغداد إلى محمد سلمان، مستشار رئيس الوزراء العراقي أمس في إطار استعدادات الجيش الأميركي للانسحاب من المدن العراقية (أ.ف.ب)
TT

في الوقت الذي يستعد فيه الجيش الأميركي للانسحاب من المدن العراقية، يقول مسؤولون أمنيون عراقيون وأميركيون، إن المسلحين البعثيين والأصوليين المتشددين عادوا طرفا في الاشتباكات، في المناطق التي أصبحت هادئة إلى حد كبير في الوقت الحالي، وإنهم يعيدون تنظيم صفوفهم على شكل جماعات متمردة صغيرة لكنها خطيرة.

ويدور نقاش كبير حول ما إذا كان من الممكن أن تتسبب أية حركة تمرد جديدة، في فترة الهدوء النسبي الذي يسود معظم أنحاء العراق، في عودة مستويات العنف ذاتها التي كانت موجودة في ذروة عمليات القتال هنا. لكن سلسلة من الهجمات وقعت في الفترة الأخيرة تشير إلى وجود خطر كامن، وهو أكثر خطورة الآن، لأن القوات الأميركية التي ساعدت على تهدئة الوضع في العراق في طريقها للمغادرة.

وقد أسفرت عدة تفجيرات مخططة جيدا، إحداها في شارع أعيد افتتاحه أخيرا بعد الاعتقاد بأنه أصبح آمنا، عن مقتل 123 شخصا، معظمهم في بغداد وما حولها. وتحمل ثلاثة تفجيرات منها الطابع الانتحاري الذي يرمز إلى تنظيم «القاعدة». كما تتصاعد وتيرة محاولات اغتيال أعضاء حركة الصحوة، وبعض منهم كان من المتمردين سابقا، ثم تحولوا إلى الجانب الآخر في مقابل المال، وكذلك تتزايد المخاوف من أن بعض أعضاء الصحوة ينضمون إلى المتطرفين الإسلاميين أو الجماعات المتمردة الأخرى. والسبت الماضي، تم اعتقال قائد بارز في جماعات الصحوة باتهامات، من بينها انضمامه إلى الجناح العسكري من حزب البعث المحظور، الذي كان تحت قيادة صدام حسين سابقا.

ويتم إطلاق سراح محتجزين كل يوم، وبعضهم بريء، ولكن كثيرا منهم كانوا متمردين سابقين، طال احتجازهم من قبل الجيش الأميركي، مما قد يجعل من المحتمل أن تزداد أعداد المتمردين. وتشترط الاتفاقية الأمنية الأميركية العراقية الإفراج عن جميع المعتقلين لدى الجيش الأميركي، إلا إذا كان هناك دليل دامغ يكفي لإحالة الاتهامات الموجهة إليهم إلى المحاكم العراقية. وقد فجر على الأقل محتجز سابق واحد نفسه بالفعل في هجوم انتحاري.

وفي خضم كل هذا يؤثر تطور بعينه قلق الأميركيين. فقد ظهر سلاح جديد في العراق، قنابل «آر كيه جي-3» اليدوية الروسية، والتي تزن 6 أرطال فقط، والقادرة على اختراق أحدث مدرعة لدى الجيش الأميركي «إم آر ايه بي». وتبلغ تكلفة القنبلة الواحدة أقل من 10 دولارات، وفقا لمسؤولي الجيش الأميركي، الذي لم يذكر أعداد القتلى من الجنود جرائها.

ويعتبر بعض الخبراء هذا التطور احد ملامح الوجه القبيح للعنف في العراق، وهو عنف قاتل لكنه لم يعد يزعزع الاستقرار. ويتوقع وقوع هجمات أخرى، ولكنها ليست من النوع المرجح أن يطيح بالحكومة العراقية. وصرح مسؤولون في الجيش بأنهم قللوا من أعداد المسلحين الأصوليين من حوالي 3,800 إلى ما يقل عن 2,000. ويقول مسؤول استخباراتي في الجيش الأميركي في واشنطن، ليس مصرحا له بالإدلاء بتصريحات، «في معظم مناطق العراق لم تعد هناك حركات تمرد في العراق. وما يوجد لدينا الآن هو مشكلة الإرهاب، وستظل هناك مشكلة إرهاب في العراق لمدة طويلة».

ويشعر مسؤولون آخرون، عراقيون وأميركيون، بمزيد من القلق. وقد لاحظوا أن المسلحين الأصوليين والجماعات المسلحة الأخرى تنشط من خلال شبكات الخلايا النائمة، التي تهاجم بالفعل أهدافا حكومية ومدنية. كما تعود حركات تمرد متصلة بنظام صدام حسين إلى الحياة أيضا. ومن أقوى هذه الجماعات الآن الجماعة النقشبندية، التي من المعتقد أنها على صلة بنائب صدام حسين السابق عزة إبراهيم الدوري. وتحصل المنظمة على الأموال من عراقيين منفيين في سورية، وقد شكلت تحالفا من المتطرفين السنة، على حد قول الاستخبارات العسكرية الأميركية والعراقية. ويقول مستشار الأمن القومي العراقي، موفق الربيعي: «إن القاعدة والمتشددين من أتباع صدام حسين هم التهديد الأكبر للأمن القومي العراقي.

والنقشبندية هي الحركة الأساسية، وهي توفر الدعم اللوجستي للقاعدة. وما نراه الآن هو انبعاث للمتشددين من أنصار صدام، ولكنهم يستخدمون القاعدة في العراق كواجهة وكمفجرين انتحاريين».

ويعتقد مسؤولو الجيش الأميركي أنهم أوقفوا حركات التمرد، ولكن يشبهون ما يجري بانبعاثها. ويقول الكولونيل جيمس فيلبس، خبير حركات التمرد في القوات متعددة الجنسيات في العراق: «من الممكن أن تخرج بسرعة طالما أطلق سراحها، ولكن كلما أبقيت عليها خامدة، قلت فرص نهوضها». وفي مقابلات مع 14 قائدا في الصحوة، التي ينسب لها الفضل في الحد من العنف، صرح جميعهم بأنهم يعتقدون بأن وجود المسلحين في مناطقهم قد ازداد، في الوقت الذي بدأت فيه القوات الأميركية في غلق مواقعها القتالية أو تسلميها للجيش العراقي، في أول خطوة باتجاه الانسحاب الكامل. وأشار قادة الصحوة إلى وجود مشاكل: من محاولات الاغتيال والقنابل المصنوعة منزليا الموضوعة بجوار منازلهم أو تحت سياراتهم، والمنشورات التي تحثهم على عدم العمل مع الحكومة العراقية. وقال الشيخ عواد الحربوسي، الذي تعمل جماعة الصحوة التابعة له في التاجي في شمال بغداد: «نلاحظ عندما توجد قنبلة مدفونة في شارع خلفي، حيث تكون هناك قنبلة من قبل». وقد قتل أحد مقاتليه منذ ثلاثة أسابيع وجرح آخران.

ويزيد ضعف الاستقرار في الأشهر القليلة الأخيرة من الخلاف بين مجالس الصحوة والجيش العراقي والشرطة، ومعظمه له جانب طائفي. وقد اتخذت هذه التوترات مسارا عنيفا في بغداد يوم السبت، عندما تبادل أعضاء في مجالس الصحوة في حي الفضل في بغداد إطلاق النيران مع قوة أميركية عراقية مشتركة. وتعد غالبية مجالس الصحوة من السنة، بينما يسود الشيعة في القوات الأمنية، ويشعر العديد من أعضاء الصحوة بالغضب بسبب عدم الالتزام بوعود توفير فرص عمل لهم في الحكومة التي يغلب عليها الشيعة.

وفي الضلعية، في محافظة صلاح الدين، في عمق وادي نهر دجلة، يشعر الملا ناظم الجبوري، الذي كان يوما أحد المتمردين المتصلين بالمتطرفين الإسلاميين والذي أصبح زعيما في الصحوة، من انهيار الوضع. وعدد الجبوري سبعة أحداث مزعجة وقعت على مدار الشهر الماضي، من بينها اختطاف أربعة من رجاله. وقد قتل اثنان منهم وتم الإفراج عن الآخرين بعد دفع الفدية. وأضاف أن عددا قليلا من أتباعه قد غيروا من انتمائهم. وفي غضون الأشهر الأربعة الأخيرة، تم اعتقال 12 عضوا في الصحوة كعملاء مزدوجين متهمين بقتل قادة الصحوة. وفي أقصى الشرق في محافظة ديالى، كان الوضع أسوأ. ووفقا لمصادر عسكرية أميركية وعراقية، لم يتم القضاء على حركات التمرد بشكل كامل هناك على الإطلاق. وعلى الرغم من أن المحافظة أكثر أمنا مما كانت عليه في عامي 2006 و2007، عندما كانت عاصمتها بعقوبة معروفة محليا باسم «مدينة الموت»، إلا أن الهجمات تتزايد حاليا. ويتوقع علي التميمي، رئيس لجنة الأمن في المجلس المحلي، زيادة في أعمال العنف في كل من بغداد وبعقوبة لأن القادة الأمنيين لم يتصرفوا بناء على التحذيرات من زيادة أنشطة الجماعات المسلحة. وقال: «لقد أخبرناهم أن القاعدة ما زالت موجودة في بعض الأحياء والقرى. ولكنهم لم يفعلوا ما يكفي لوقفها».

* خدمة «نيويورك تايمز»