قراءة في برنامج حكومة نتنياهو: نصوص ضبابية ورهان على طاولة قمار

رئيس الوزراء الاسرائيلي الجديد نتنياهو مع سلفه اولمرت خلال حفل تسلم المهام، امس (ا ب)
TT

من يقرأ نصوص الاتفاقات الائتلافية والخطوط العريضة للحكومة الإسرائيلية الجديدة، برئاسة بنيامين نتنياهو، لا يجد برنامجا سياسيا، بل نصوصا ضبابية عامة تفتح الباب أمام جملة من التفسيرات والتأويلات. ويدرك على الفور أن نتنياهو يمارس لعبة رهان مخططة، كما لو أنه جالس حول طاولة قمار في كازينو. وليس صدفة أن نتنياهو منذ فوزه في الانتخابات يمتنع عن ذكر التسوية على أساس الدولتين، وأنه كلما اقترب من لحظة الجلوس على كرسي رئاسة الوزراء زاد إصرارا على التنكر لحل الدولتين، رغم أنه تحدث في جلسة الترسيم البرلمانية عن «لا نريد أن نحكم شعبا آخر، بما في ذلك الشعب الفلسطيني، وسنتيح للفلسطينيين أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم، وتوفير كل ما يلزم لذلك، شرط ألا يمس مصالح إسرائيل وأمنها».

والسبب في ذلك لا يتعلق بالتهرب من ذكر التفاصيل، ففي الاتفاقات الائتلافية مع حزبي «إسرائيل بيتنا» و«شاس» توجد 8 بنود سياسية، ستة منها تفصيلية تتعلق بالفلسطينيين، لكنها لا تتطرق إلى الدولة الفلسطينية أو السلام، وهي: «تضع الحكومة لها خطة لتصفية الإرهاب»، و«هدف استراتيجي للحكومة بتدمير حكم حماس في قطاع غزة»، و«العمل بحزم على وقف إطلاق الصواريخ والقذائف على البلدات الإسرائيلية، خصوصا من قطاع غزة»، و«وقف تدفق الأموال لتنظيمات ونشطاء الإرهاب»، و«محاربة التحريض على إسرائيل واليهود في كتب التدريس»، و«لا مفاوضات سياسية مع تنظيمات الإرهاب».

يضاف إلى بندين سياسيين آخرين، الأول يتعلق بإيران، «العمل مع المجتمع الدولي على منع إيران من التسلح النووي»، والثاني يتحدث عن ضرورة «تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع روسيا». وفي الاتفاق مع حزب العمل توجد عدة بنود إضافية تقول: «الحكومة تبلور خطة للتسويات السلمية والتعاون في الشرق الأوسط»، و«الحكومة تحترم الاتفاقيات الدولية الموقعة»، و«تسعى لتحقيق السلام مع جميع دول الجوار». فمن وراء كل هذه الصياغات يريد نتنياهو أن يتحرك من خلال فحص ردود الفعل الدولية والإقليمية والمحلية، فهو يدرك أن الجمهور الإسرائيلي يريد حكومة قوية تحقق له السلام والأمن، وقد رأى في أحزاب اليمين هذه القوة. ففي استطلاع رأي أجري بعد الانتخابات ونشرته جامعة تل أبيب، جاء أن 57% من اليهود في إسرائيل يؤيدون التسوية على أساس دولتين. والإدارة الأميركية بقيادة باراك أوباما ترسل أكثر من إشارة إلى أنها تريد من حكومته أن تنسجم مع الإرادة الدولية في قضية السلام، وتؤكد أن ذلك يتم عن طريق تبني خطة سلام على أساس الدولتين. والاتحاد الأوروبي يبث الرسائل القائلة بأن التنكر للدولتين سيواجه بعقوبات. والعالم العربي يبث رسالة واضحة أنه يتمسك بمبادرة السلام العربية، ولكن ليس من دون حدود.

وإزاء كل ذلك يحاول نتنياهو أن يجس نبض العالم في اتجاهين، هما:

أولا: الاعتماد على أن القيادات الفلسطينية هي التي ستحقق له الفرج من الضغوط الدولية، حيث إن الانقسام الفلسطيني يجعله في حل من تطبيق مستلزمات السلام. وهو يستعد لمجابهة واشنطن والغرب بالقول: «مع أية جهة فلسطينية تريدونني أن أوقع على اتفاق السلام؟ مع الرئيس محمود عباس أبو مازن، الذي تشكك في شرعيته حماس والجهاد وغيرهما من الفصائل الفلسطينية، ولا يفلح حتى الآن في عقد مؤتمر لتنظيمه (فتح)؟ ولماذا لا يمارس الضغط على الفلسطينيين؟».

ثانيا: سيحاول استشفاف حجم الضغط الذي يتوقع أن يمارس عليه من واشنطن أو أوروبا، وهل هو جدي، وهل سيكون موجعا، وهل سينجحون في تمريره، وهل ستتمكن التنظيمات اليهودية في الولايات المتحدة من التأثير عليه وتخفيفه وربما محاربته، وهل سيمارس الضغط على إسرائيل وحدها أو سيمارس أيضا على إيران وأذرعها في المنطقة (يقصد حزب الله اللبناني وحماس الفلسطينية)؟

سيناور نتنياهو بين هذه الاحتمالات، مراهنا على الطرف الآخر دائما. وهو يأمل أن يمرر دورة حكمه في تمديد فترة هذه الدوامة من دون أن يضطر إلى إعطاء موقف حقيقي وواضح. فإذا تعامل الغرب بحزم وجدية معه فلن يكون مفاجئا أن يحدِث انعطافا في سياسته بروح ما يريده الإسرائيليون وما انتخبوه من أجله، كما بينت نتائج الاستطلاع في جامعة تل أبيب. وهو يعرف جيدا أنه في حالة تمسكه بالسياسة الرفضية فقد يسقط مثلما سقط إسحق شمير في سنة 1992، أو مثلما سقط هو نفسه في سنة 1999.