الصين مترددة في أخذ مكانتها العالمية.. ومصلحتها إعادة أميركا للوقوف على أقدامها الاقتصادية

اقتصادها سيأخذ مكانة اليابان وتتحدث كقوة عظمى.. لكنها تفتقر إلى القوة الناعمة وما زال 800 مليون من سكانها فقراء

الرئيس الصيني هو جينتاو يتحدث الى احد اعضاء وفد بلاده الى قمة العشرين التي اختتمت امس (أ ب)
TT

وصلت الصين إلى اجتماع قمة العشرين في لندن يساورها شعور بقوة الدفع، ممتطية موجة من القومية ومفتخرة باقتصاد يركب أمواج الركود الاقتصادي. وعلى الرغم من انكماش اقتصادات أخرى كبرى في العام الحالي، يتوقع الاقتصاديون أن يتفوق الاقتصاد الصيني على الاقتصاد الياباني ليكون ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إن لم يكن قد وصل إلى هذه المرتبة بالفعل.

ويجمع أكثر كتاب حديث أثار جدلا وصدر في بكين بعنوان «الصين غير سعيدة»، بين التطرف في النزعة القومية والانتقاد اللاذع لسوء الإدارة الغربية، ولتردد الصين في تولي مكانتها من التاريخ.

وقد أصبح نائب الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي لا يظهر عادة، موضع إعجاب في نهاية شهر فبراير (شباط) بعد أن التقطت الكاميرا له صورة على حين غرة في المكسيك، حيث كان يهاجم «الأجانب الذين يأكلون حتى الامتلاء ولا يجدون شيئا أفضل ليفعلوه، فيتدخلون في شؤوننا».

ولم يثبط من هذا العزم أن الصين، والترليوني دولار اللذين تملكهما في احتياطيها، ينظر إليهما في جميع أنحاء العالم باعتبارهما الحل لعدد كبير من المشكلات، سواء بدعم القاعدة المالية لصندوق النقد الدولي أو بالعمل كمحرك أكبر للنمو في الاقتصادات الآسيوية التي طالما كانت تعتمد على سوق الولايات المتحدة.

وعندما عقد الرئيسيان الصيني هو جيناتو والأميركي باراك أوباما أول اجتماع لهما يوم الأربعاء على هامش فعاليات القمة، بدا الصينيون مشتتين ما بين الاستفادة من اللحظة تحت الأضواء الجغرافية السياسية أو الابتعاد عنها. وسريعا ما حذفت الرقابة الحكومية تعليقات شي من التقارير الإخبارية الصينية في الشهر الماضي، وفي يوم الأربعاء حذرت الصفحة الأولى من جريدة «تشاينا ديلي»، الناطقة باللغة الإنجليزية وتعبر عن المواقف الحكومية إلى العالم الخارجي، من أن الصين «ليست قوية اقتصاديا كما يتخيل البعض».

ونشر نقلا عن لسان تانغ مين، الاقتصادي في مؤسسة أبحاث التنمية في الصين: «إن إنقاذ الصين هو أهم إسهام لنا من أجل إنقاذ العالم». هذا هو مأزق الدولة التي يبدو صعودها إلى القوة حتميا، وفي نظر الكثير من الخبراء سابقا لأوانه. ويقول تشو شولونغ، مدير معهد الدراسات الاستراتيجية في جامعة تسينغهوا في بكين، في مقابلة معه: «إن الصين اقتصاد عالمي كبير الآن، هذه حقيقة أساسية. فما تقوله الصين وتفعله يؤثر على المالية العالمية والاقتصاد العالمي والأنظمة الاقتصادية الأخرى». ولكن كما قال تشو وآخرون، إن العناصر التي تسلب من الصين القوة الحقيقية هي انتشار الفقر والحكم الديكتاتوري وثقافة تحجبها عقود من العزلة ونوايا يساء فهمها، ومن غير المرجح أن تحقق الصين طموحاتها العالمية حتى تحل هذه القضايا.

وحتى في ذلك الوقت تظل الحظوظ الاقتصادية الصينية في تداخل مع الولايات المتحدة، أكبر مستهلك ومنافس ومدين لها، والتي ما زالت حتى الآن أكبر اقتصاد عالمي. لذا على الرغم من أن بكين قد تحرك بعض التغيرات في الهيكل المالي العالمي، وتستمتع ببعض البهجة على حساب واشنطن، فإن مصالحها تكمن في إعادة أميركا للوقوف على أقدامها الاقتصادية.

وهذا لا ينكر مكانة الصين الجديدة الرفيعة، وفي الوقت الذي يعاني فيه العالم من انهيار مالي أصبح اقتصاد الصين فجأة كبيرا للغاية، وقويا أيضا، ومن المتوقع أن ينمو بنسبة 6,5 في المائة على الأقل في العام الحالي، لدرجة لا يمكن أن يتجاهلها العالم. وتوجد أدلة على صعود الصين في كل مكان، فمنذ ثلاثة أعوام لم يكن هناك مصرف صيني واحد بين أكبر عشرين مصرف في العالم، بقياس رسملة السوق. واليوم أكبر ثلاثة مصارف صينية (في عام 2006 كانت هناك 7 مصارف أميركية من بين المصارف العشرين، ومن بينهم أول مصرفين، أما اليوم فلها ثلاثة مصارف فقط، أكبرها مورغان ستانلي في المرتبة الخامسة).

وتشتري الشركات التي تملكها الحكومة الصينية شركات وتقنيات وموارد في جميع أنحاء العالم. وفي العام الحالي أنفقت 13 مليار دولار في أوروبا، وتخطط لإجراء استثمارات جديدة في الولايات المتحدة. وقد أبرمت الصين عقود بترول طويلة المدى مع البرازيل وروسيا، وتخطط للحصول على حصة قيمتها 20 مليار دولار في ثلاث شركات تعدين أسترالية.

وتمتلك الصين تريليون دولار من سندات الخزانة الأميركية، وهو ما يبلغ نصف الاحتياطي الأجنبي الذي نتج عن الفائض الهائل في تجارتها وما تضخه الاستثمارات. ويدين بقية الغرب بأموال إلى الصين أيضا. وكما هو واضح، تخفي الصين تطلعات عالمية، وقد ازداد الإنفاق العسكري على مدار أعوام بمقدار مكون من رقمين، على الرغم من أن حصته في إجمالي الناتج المحلي تبلغ نصف الإنفاق الأميركي العسكري. وتبني الصين ببطء قوات بحرية في المياه الزرقاء، وفي شهر ديسمبر (كانون الأول) أرسلت ثلاث سفن إلى المياه قبالة سواحل الصومال للقيام بدوريات ضد القراصنة، في أول نشر لسفنها العسكرية خارج مياهها الإقليمية في العصر الحديث. ويقول محللون أجانب إنهم فوجئوا بالإصرار الصيني الجديد في الشؤون الدبلوماسية والعسكرية، من الانتقادات اللاذعة ضد السياسة المالية الأميركية، إلى المناوشات الكلامية حول السيطرة على بحر الصين الجنوبي. ويقول كينيث ليبرثال، الدارس في معهد بروكينغز الذي أشرف على سياسة آسيا في البيت الأبيض من عام 1998 إلى عام 2000، إن الصين كانت تذعن تقليديا لواشنطن في القضايا الاقتصادية والاستراتيجية الكبرى، وتوافق أو ترفض فقط بعد أن تتخذ واشنطن موقفها. ولكن، على حد قوله، «في اجتماعات مع الصينيين حول العديد من القضايا في الشهرين الأخيرين، فوجئت بأن الصينيين يجلسون هناك ويتحدثون بالطريقة التي تتوقع أن تتحدث بها قوة عظمى. وسيدركون هذا عندما تخرج الدول من الأزمة الاقتصادية الحالية، ومن المرجح أن تكون الصين إما أول دولة تخرج من الأزمة، أو بعد الولايات المتحدة مباشرة، وستكون الصين من الدول القليلة التي ستخرج في نهاية هذه الأزمة دون مستويات مرتفعة من الديون الحكومية».

وأضاف ليبرثال: «يوجد تغيير ملموس هنا، مع الإحساس بالثقة الكبيرة بأن الصين أصبحت الآن مكانا مهما وتحتاج إلى التصرف بناء على هذا». ولكن الأهمية الاقتصادية لا تترجم تلقائيا إلى الثقل الجغرافي السياسي، وفي حالة الصين تمر معظم المكونات الأخرى للقوة العالمية الحقيقية ـ منها الحكم الأخلاقي والنفوذ العسكري والتأثير الثقافي ـ بمرحلة التجميع أو أنها مفقودة تماما. ويشوب النفوذ الاقتصادي الصيني غير القابل للجدال بعض الشك، فعلى الرغم من ازدهار المدن الصينية الكبرى وتحول ساحل الدولة إلى مصنع عالمي، يظل 800 مليون شخص من مواطني الدولة البالغ عددهم 1,3 مليار مواطن من المزارعين، وكثير منهم يعاني من الفقر، وتظل الصين دولة نامية ولكنها تحاول الوصول إلى مكانة في العالم الأول.

وكتب ديفيد شامباوغ، مدير برنامج سياسة الصين في جامعة جورج واشنطن في واشنطن، في رسالة عبر البريد الإلكتروني: «أتوخى الحذر في تسمية الصين قوة عظمى، فهي ليست كذلك، فليس لها نفوذ عسكري عالمي، وقوتها الناعمة محدودة، وتأثيرها الدبلوماسي على الرغم من أنه أصبح عالميا الآن فإنه ما زال محدودا في مجالات مثل الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية».

* خدمة «نيويورك تايمز»