«الماكينات» تلغي دور «المفاتيح» في الانتخابات اللبنانية.. وعملها يتجاوز الداخل إلى ما وراء البحار

عدد أفرادها يتجاوز عشرات الآلاف والمزاج الشعبي يحدد إلكترونيا

TT

لم يعد «المختار» أو «وجيه العائلة» أو «قبضاي الحيّ» مفاتيح انتخابية يعتد بها أو يعتمد عليها في المعركة الانتخابية التي سيشهدها لبنان في السابع من يونيو (حزيران) المقبل. فقد تغيّرت الأحوال وتطوّرت، بحيث حلّت «الماكينة الانتخابية» لكل مرشح محل هؤلاء الذين اشتهروا بأنهم يعرفون الكبير والصغير ويضبطون إيقاع العائلات ويحددون نقاط الضعف ومدى حظوظ هذا الناخب أو ذاك انطلاقاً من المزاج الشعبي.

الاستمارات التي يتولى عملية توزيعها وملئها من «تفرزهم» الماكينة الانتخابية، أصبحت هي الدليل إلى المزاج الشعبي. كذلك الإحصاءات والدراسات واستطلاعات الرأي الورقية والالكترونية وحتى الهاتفية في بعض الأحيان. كذلك لم يعد عمل الماكينة مقتصرا على أرض الدائرة الانتخابية، إنما تجاوزها إلى ما وراء البحار. الأمر لا ينكره الطرفان المتنافسان على الأكثرية النيابية، إنما «يجمّلانه» عندما يبدأ التراشق بالاتهامات على خلفية «المال الانتخابي». لكن الأكيد أن الغالي والنفيس يبذل في سبيل حصول «14 آذار» أو «8 آذار» على الأكثرية النيابية.

ولأن «الدق محشور» والمغامرات ممنوعة، أصبحت هيكلية الماكينات الانتخابية للقوى الرئيسية جاهزة بعد خضوع العاملين فيها إلى التدريب وبعد استكمال المسح لمستلزماتها التي تبدأ بجداول الشطب للناخبين ولا تنتهي بتأمين السيارات لنقل الناخبين والهواتف الجوالة.

وبدأ نشاطها يتكثف مع العدّ العكسي وصولا إلى يوم الاستحقاق الموعود. وإذ يجمع المسؤولون عن الماكينات الانتخابية على أن إجراء الانتخابات في يوم واحد سيشكل تحدياً لوجستياً وأمنياً، يؤكدون أنهم أعدوا عدّتهم لذلك. ويتمنون أن تقوم السلطات الأمنية بواجبها حتى لا تتعطل الانتخابات أو يتعرقل وصول الناخبين إلى مراكز الاقتراع بسبب أي توتر أو أي ازدحام سير خانق. إلا أن بعض المرشحين المستقلين يعتبرون أن ضبط الأمن والسير سيكون مستحيلا في يوم الانتخاب. يقول أحدهم: «من يستطيع أن يدخل إلى المربعات الأمنية؟ هناك كل شارع له أمنه وقبضاياته. والمؤسف أن الأمن أصبح بالتراضي والقضاء بالتراضي والإدارة بالتراضي. أما عمل المؤسسات فلا وجود له. وإزاء هذا الواقع كيف يمكن حماية أصوات الناخبين في الضاحية ومن يستطيع حماية الصناديق؟ لا سيما أن الحديث عن خطة أمنية متماسكة يبدو غير وارد حتى الآن».

عدد العاملين في الماكينات الانتخابية يبدو مثيرا للاستغراب. فالأرقام المتداولة توحي أن أكثر من نصف اللبنانيين يعملون في هذه الماكينات لحساب هذا المرشح أو ذاك الحزب. هذه الأرقام تبدأ بأكثر من عشرين ألف ناشط. الماكينات الانتخابية لـ«تيار المستقبل» دارت برئاسة النائب السابق سليم دياب. ومن المتوقع أن يصل عدد أفرادها إلى نحو ثلاثين ألفاً. ويقول المسؤول في «تيار المستقبل» والإعلامي راشد فايد إن «الماكينة الانتخابية انطلقت وهي مبنية على قاعدة اللامركزية لأن الانتخابات ستتم في يوم واحد. وقد أنجز التخطيط لعمل الماكينة. ونحن نتعامل مع المربعات الأمنية انطلاقا من أن الدولة هي صاحبة السلطة. ومن هذا المنطلق سيكون لدينا مندوبون في كل دوائرنا. ونرفض أي كلام عن التهديدات المحتملة في هذا الشأن. وإذا تم الاعتداء على المندوبين فالدولة وأجهزتها تتحمل المسؤولية. ونحن نريد أن نصدق الطرف الآخر الذي يقول إنه حريص على الهدوء».

وعن آلية عمل الماكينة يقول: «التنسيق موجود. ومن له الحضور الافعل والأفضل حيث يكون قادرا يتولى العمل على الأرض. وستكون ماكينة حلفائه في موقع الداعم والمساعد». أما المسؤول عن الماكينة الانتخابية في حركة «أمل» محمد نصر الله فيقول: «هذه المعركة ليست معركة أمل وحزب الله والزهراني وصور فقط، إنما معركة كل لبنان. وهي صورة جميلة ومشجعة لأننا نخوض معركة انتخابية على أساس مشروع. وفي ظل الانقسام السياسي الحالي المفترض أن تتوحد القوى لينجح المشروع». ويضيف: «في العملية الانتخابية مجموع العاملين يقارب 20 ألف شخص. منهم سبعة آلاف مندوب في كل لبنان. نحن نشارك كل أطراف المعارضة من خلال التنسيق ومسؤوليات التخطيط. لدينا لجنة مركزية تتصل مع اللجان في كل قضاء».

ولا يجد نصر الله «أي مشكلة لوجستية في إجراء الانتخابات في يوم واحد. فالجيش ووزارة الداخلية يقولان إنهما قادران على تولي الأمر. كما أن الناس غالبا ما يذهبون عشية الانتخابات إلى قراهم». انطوان مخيبر مسؤول الماكينة الانتخابية لـ«التيار الوطني الحر» يشرح لـ«الشرق الأوسط» آلية عمل الماكينة الانتخابية، فيقول: «على الأرض نحن نصب اهتمامنا على 11 دائرة انتخابية أساسية وأربع دوائر غير أساسية. وذلك من أصل 26. التنسيق بلغ حده الأقصى في كل المناطق سواء كان هناك ترابط أو أرض مشتركة. هناك لجان مركزية واجتماعات بشكل دوري لتنسيق كامل لموضوع الانتخابات على المستوى العملي. في مناطقهم، الحلفاء هم رأس الحربة ونحن خلفهم». ويشير إلى أن «عمل الماكينة لوجستي لا علاقة له بالعمل السياسي. كما أن هناك لجان لتذليل العقبات إذا وجدت». ويوضح أن «عدد المتطوعين في التيار كبير. لدينا 35 ألف بطاقة حزبية. 30 ألفا منهم يعملون على 612 قرية. المتطوع يقدم سيارته وهاتفه. ونحن نوزع دوام المتطوعين مداورة في ما بينهم».

المسؤول عن الماكينة الانتخابية في حزب «القوات اللبنانية» دانيال سبيرو، يقول: «تعمل الماكينة الانتخابية ضمن استراتيجية لامركزية مع تنسيق مع ماكينات 14 آذار ومساعدة للحلفاء المستقلين لتتكامل الجهود. وسيصبح التنسيق أكبر وأكثر فعالية مع الماكينات الأخرى بعد إعلان اللوائح وبلورة التحالفات». ويضيف: «نعرف أن هناك مناطق حساسة. ومربعات أمنية قد تحظر علينا. لذا ستكون لدينا تحضيرات مع لجان قانونية يتولاها محامو القوات في حال منع أحد المندوبين من الدخول إلى أحد الأقلام أو إذا تعرض لضغط ما، لتقوم الجهات القضائية والأمنية المختصة بما يجب وفقا للقانون. وتحديدا في منطقة برج حمود ذات الأكثرية الأرمنية، حيث تعرضنا سابقا لبعض المضايقات، وفي مناطق الضاحية الجنوبية لبيروت».