أوباما: علاقة أميركا مع العالم الإسلامي لا يمكن أن تكون مستندة على معاداة «القاعدة»

كال المديح لأتاتورك قائلا: «ميراثه في قوة تركيا وتنوعها وحيويتها وعلمانيتها وديمقراطيتها»

كلمة الرئيس الأميركي أوباما في سجل التشريفات بضريح الزعيم التركي أتاتورك في أنقرة أمس (أ.ب)
TT

أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطاب القاه في البرلمان التركي، أن عملية أنابوليس وخارطة الطريق تمثلان طريق السلام في الشرق الأوسط. وتأتي تصريحات أوباما هذه بعد أن أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي افيدغور ليبرمان، الأسبوع الماضي أن بلاده ليست ملتزمة بعملية أنابوليس، التي أدت إلى إعادة إطلاق المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وأكد أوباما في تركيا المحطة الاخيرة في جولته، «دعوني أكون واضحا: الولايات المتحدة تدعم بحزم هدف (إقامة) دولتين إسرائيل وفلسطين تتعايشان بسلام وأمن، ينبغي الآن ألا نستسلم للتشاؤم وعدم الثقة. ينبغي أن نستغل كل فرصة لتحقيق تقدم، نعلم أن الطريق أمامنا سيكون صعبا. يجب أن يتخذ الإسرائيليون والفلسطينيون الخطوات الضرورية لبناء الثقة». وأوضح الرئيس الأميركي أن ذلك يمثل الهدف المشترك للفلسطينيين والإسرائيليين وأصحاب النوايا الحسنة في العالم.

وأضاف «هذا هو الهدف الذي اتفقت الأطراف المعنية على تحقيقه ضمن خارطة الطريق وأنابوليس، وهذا هو الهدف الذي سأعمل على تحقيقه بهمة بصفتي رئيسا». ورحب المفاوض الفلسطيني الرفيع صائب عريقات، بتصريحات أوباما، وقال: إنه قدم التزاما كبيرا بالحل القائم على الدولتين. فيما قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: إن إسرائيل ملتزمة بالتوصل للسلام وستتعاون مع إدارة أوباما للوصول الى هذا الهدف.

وسعى أوباما في تركيا، آخر محطة له وأول زيارة يقوم بها لبلد إسلامي، إلى إعادة بناء علاقاته مع المسلمين، بعد حالة الغضب التي سادت العالم الإسلامي بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق والحرب في أفغانستان. وقال «دعوني أقول هذا أوضح صورة ممكنة، الولايات المتحدة ليست في حالة حرب مع الإسلام. بل إن شراكتنا مع العالم الإسلامي مهمة في واقع الأمر في القضاء على أيديولوجية يرفضها الناس من جميع الأديان». وأضاف «ولكنني أريد أيضا أن أكون واضحا، بأن علاقة أميركا مع العالم الإسلامي لا يمكن أن تكون ولن تكون مستندة على معاداة «القاعدة». بل بعيدة عن ذلك. نحن نسعى لتفاعل واسع النطاق مستند إلى المصلحة المشتركة والاحترام المشترك. سنصغي باهتمام. وسنزيل سوء التفاهم وسنسعى لأرضية مشتركة». وشدد أوباما على أهمية مكافحة التطرف في العالم، بالتحالف بين القوى المعادية للتطرف، مستخدما مثلا تركيا قديما. وأوضح: «لدى الأتراك مثل قديم يقول النار لا تطفئ باللهب. الأميركيون يعرفون هذا. والأتراك يعرفون هذا.. لكن القوة وحدها لا يمكن أن تحل المشكلات. هناك بديل للتطرف. المستقبل يجب أن يكون لهؤلاء الذين يصنعون الأشياء. هؤلاء الذين لا يدمرون. هذا هو المستقبل الذي يجب أن نعمل من أجله». وتركيا طريق عبور رئيسي للقوات والمعدات الأميركية المتجهة للعراق ولأفغانستان. ومع خفض القوات الأميركية لقواتها في العراق يمكن لقاعدة انجيرليك الجوية في جنوب شرق تركيا أن تقوم بدور رئيسي، وقد ناقش أوباما ذلك مع القيادة التركية.

وتعتبر زيارة أوباما، التي تستمر يومين، إقرارا بمكانة تركيا الاقليمية وقوتها الاقتصادية وعلاقاتها الدبلوماسية ووضعها كديمقراطية علمانية تسعى للانضمام للاتحاد الأوروبي. وقال جنكيز كاندار، المحلل التركي البارز المختص بشؤون الشرق الأوسط لوكالة «رويترز»: «نظرا لنشاط تركيا ومصداقيتها في الإقليم الأوسع الممتد من أفغانستان إلى الشرق الأوسط مرورا بمسارات عبور الطاقة، يريد أوباما ضخ دماء جديدة في شراكة إستراتيجية حقيقية مع تركيا». وعرض أوباما، تحسين التعاون في مواجهة متمردي حزب العمال الكردستاني، وأبدى الدعم لمسعى تركيا الحصول على عضوية في الاتحاد الأوروبي. وقال أوباما: «إن عظمة تركيا تكمن في قدرتكم على أن تكونوا محورا للأشياء. ليس هذا مكان الفصل بين الشرق والغرب، بل هو مكان التقائهما» وأضاف، «أنها عضو في حلف الأطلسي وهي دولة أغلبيتها مسلمة، وهي متفردة بهذا الوضع، ونتيجة لذلك فلديها رؤية محكمة لجميع التحديات الإقليمية والإستراتيجية، التي قد تواجهها». وكال أوباما المديح لمؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفي كمال أتاتورك، موضحا، «ميراث أتاتورك في قوة تركيا وتنوعها وحيويتها وعلمانيتها وديمقراطيتها»، مشيرا إلى أن هذا الميراث من القوة بحيث لا يختزل في عبارة توضع على رخام. واستشهد أوباما بعبارة لمؤسس الدولة التركية «سلام في البيت، سلام في العالم»، مشيرا إلى أن قوة تركيا اليوم تأتي من النموذج الفريد الذي تقدمه وتمثله. وشكلت زيارة أوباما، وكلمته رسالة على حسن النوايا تجاه المسلمين. وقال الرئيس الأميركي في خطابه أمام البرلمان التركي: «إن المسلمين الأميركيين أثروا الولايات المتحدة. وهناك كثير من الأميركيين الآخرين الذين لديهم مسلمون في عائلتهم، أو عاشوا في بلد فيها أغلبية مسلمة. أنا أعرف ذلك شخصيا لأنني واحد من هؤلاء». وتمسك أوباما برأيه في أعمال القتل الجماعية في حق الأرمن على يد الأتراك العثمانيين في عام 1915، ولكنه قال إنه يتوقع انفراجة في المحادثات بين تركيا وأرمينيا. وقال: «أرائي مسجلة. ولم أغيرها». وتخوض أنقرة ويريفان مفاوضات تهدف إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية كاملة بعد نحو قرن من العداوة. وربما يصل الأمر لإعادة فتح الحدود بين البلدين. وتقر تركيا بأن كثيرا من المسيحيين الأرمن قتلوا على يد العثمانيين الأتراك خلال الحرب العالمية الأولى، ولكنها تنكر أن يكون نحو 1.5 شخص توفوا نتيجة لأعمال قتل جماعي منهجية.

كما حث أوباما تركيا على تسريع إصلاحات ليبرالية تهدف لانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. وقال إن تركيا أحرزت تقدما في مجال حرية التعبير وحقوق الأقلية الكردية، لكنه أضاف أن أنقرة يجب أن تمضي قدما في الإصلاحات. وتعلقت محادثات انضمام تركيا للاتحاد بسبب مخاوف أوروبية تتعلق بحقوق الإنسان وعدم تحقيق تقدم في مجال الإصلاحات ونزاع أراض قديم مع قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي.

ومن المقرر أن يزور أوباما، اليوم متحف آيا صوفيا (القديسة صوفيا)، الذي كان في الماضي كنيسة مسيحية والمسجد الأزرق، وهما أهم موقعين للمسيحية والإسلام في اسطنبول.

ويحيط الموقعان بساحة السلطان أحمد في وسط اسطنبول، ويعكسان تنوع الإرث الحضاري لمدينة تقع على تقاطع الحضارات بين الشرق والغرب، وكانت على مر التاريخ عاصمة للإمبراطوريات الرومانية والبيزنطية والعثمانية. أما كنيسة القديسة صوفيا، فقد بنيت في القرن السادس وتحولت إلى مسجد في 1453 خلال غزو القسطنطينية، التي أطلق عليها العثمانيون اسم اسطنبول. وبعد سقوط السلطنة العثمانية وإعلان الجمهورية التركية العلمانية، تحول المسجد إلى متحف في 1935. إلا أن الموقع يعني الكثير للمسلمين كما للمسيحيين. المبنى من روائع الفن البيزنطي، وقد تم تشييده بناء على أمر من الإمبراطور جوستينيانوس (527 ـ 565)، وهو يضم قبة قائمة على أعمدة ضخمة، وجدرانا من الرخام مزينة بالفسيفساء. وسيزور أوباما أيضا المسجد الأزرق المسمى بلون حجارته، والواقع مقابل آيا صوفيا تماما. وقد شيد السلطان أحمد الأول المسجد في القرن السابع. وهو أحد أكبر المساجد في اسطنبول، التي تضم 12 مليون نسمة، وأحد المساجد النادرة في العالم الإسلامي، الذي يملك ست مآذن. وانتشر في المكان الذي يضم مواقع أثرية عدة أخرى، تعزيزات من شرطة مكافحة الشغب، التي نشرت تسعة آلاف رجل وخصوصا في البلدة القديمة، حيث تتجمع المواقع الأثرية التي يزورها السياح. وأغلقت عدة طرق رئيسية في هذه المناسبة مما زاد من الفوضى في حركة السير.

وعلى الرغم من الحفاوة العامة التي قوبل بها أوباما في أنقرة، إلا أن مظاهرات خرجت ضده من قبل أنصار الحزب الشيوعي التركي، وتنظيمات إسلامية تشعر بالغضب نتيجة الحرب الأميركية على العراق وأفغانستان. وحمل المتظاهرون لافتات كتب عليها «يانكي عد إلى بلدك» و«أميركا القاتلة».