السعودية تطلب من الولايات المتحدة حمل إسرائيل على التجاوب مع عملية السلام

سعود الفيصل: نتمنى أن تقام انتخابات لبنانية بعيدة عن الترهيب * ميليباند: نتحاور مع حزب الله لأنه جزء من الحكومة.. وعلى الجميع إلقاء السلاح

المشاركون والمشاركات في حوار المملكتين يتوسطهم الأمير سعود الفيصل وديفيد ميليباند. (تصوير: أحمد فتحي)
TT

طلبت السعودية، أمس، من الولايات المتحدة الأميركية، حمل الحكومة الإسرائيلية الجديدة المتشددة، على التجاوب مع عملية السلام، ووقف الأنشطة الاستيطانية، في الوقت الذي طلبت فيه بريطانيا من تل أبيب والسلطة الفلسطينية، الالتزام بقرارات الحكومات السابقة فيما يخص هذا الملف. وأبدى الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، استياء بلاده من التصريحات السلبية الصادرة عن الحكومة الإسرائيلية، والتي قال إنها «لا تنبئ ببوادر إيجابية على عملية السلام». وأشار إلى أن «تجاهل الحكومة الإسرائيلية لمبدأ الحل الدولي القائم على إقامة دولتين مستقلتين وضربها عرض الحائط بخطة خارطة الطريق وتفاهمات أنابوليس وغيرها من قرارات الشرعية الدولية، كل ذلك من شأنه إعادة عملية السلام إلى نقطة الصفر». وأكد وزير خارجية السعودية، أن بلاده ترى «أهمية قيام المجتمع الدولي، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، ببذل جهودهما لحمل إسرائيل على الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، ومرجعيات عملية السلام بما في ذلك مبادرة السلام العربية». وأفاد الفيصل بأن بلاده «تؤكد على ضرورة إيقاف إسرائيل للاستيطان والالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 1860 بإنهاء سياسة العقوبات الجماعية ورفع الحصار عن الفلسطينيين». وجاء الموقف السعودي، بعد مباحثات جرت أمس بين وزيري خارجية السعودية وبريطانيا، الأمير سعود الفيصل، وديفيد ميليباند، خلال زيارة الأخير للرياض للمشاركة في «حوار المملكتين» الذي خصص نسخته الرابعة لمناقشة تداعيات الأزمة المالية العالمية. ووصف الفيصل التوجهات التي أفصحت عنها الحكومة الإسرائيلية الجديدة بـ«السلبية والخطيرة». وقال «من الواضح أن إسرائيل التي أحبطت حتى الآن جميع جهود السلام، لن تقوم بتغيير موقفها تلقائياً مما يتطلب موقفاً دولياً حازماً وصلباً، وبالأخص من قبل واشنطن لحمل إسرائيل على تغيير سياساتها التي تتعارض مع الشرعية الدولية ومتطلبات تحقيق السلام». وصارح الفيصل المشاركين في مؤتمر حوار المملكتين قائلا «ليس من المبالغة القول إن الفشل في وضع نهاية للصراع العربي الإسرائيلي المزمن، كان وراء بروز العديد من الظواهر الخطيرة التي تفشت في أنحاء كثيرة من العالم مثل الإرهاب والعنف والتطرف». واعتبر أن ما يشهده العالم من صراعات وأزمات وتوترات دولية تشكل في انعكاساتها ونتائجها «مصدر تهديد مستمر للأمن والسلم الدوليين». ويأتي ذلك، فيما طالب الوزير ميليباند، الحكومة الإسرائيلية الجديدة والأطراف الفلسطينية، بالالتزام بقرارات الحكومات السابقة المتعلقة بملف السلام في منطقة الشرق الأوسط. وجدد الوزير البريطاني، دعم بلاده لمبادرة السلام العربية، معتبراً إياها الطريقة الوحيدة لتقاسم هذه الأرض على أساس حل الدولتين، والالتزام بحدود عام 67، واعتماد القدس عاصمة لهما. وأوضح الأمير سعود رداً على سؤال حول استمرارية الإبقاء على مبادرة السلام، بقوله «المبادرة العربية ستبقى على الطاولة بسبب الإخلاص في التوجه إليها، وإذا استمرت إسرائيل في تجاهلها والرمي بها عرض الحائط فمن السهل أن يتم سحب العرض من الطاولة، إن إقصاءها من على طاولة المفاوضات أو إبقاءها يتوقف على استجابة إسرائيل ولا يتوقف على رغبة الدول العربية في إقصائها عن طاولة المفاوضات». وأضاف «لقد اتبعت الدول العربية سياسة الأرض مقابل السلام.. خطة السلام العربية تمثل ما يراه العرب في إمكانية تحقيقه ووضعه على طاولة المفاوضات وسيكون مهم فقط عندما نتلقى استجابة جيدة من إسرائيل». وبحث الأمير سعود الفيصل ونظيره البريطاني، في الرياض أمس، مجموعة من القضايا الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها المستجدات على الساحتين الإسرائيلية والفلسطينية. ووصف الفيصل جلسة المباحثات المشتركة التي عقدها مع ديفيد ميليباند بأنها «اتسمت كعادتها بالصراحة والشمولية» وتم التطرق خلالها إلى «العديد من القضايا الإقليمية والدولية المهمة» للبلدين، مؤكداً أن قضية الشرق الأوسط حظيت بنصيب وافر من المباحثات. واستأثر موضوع الملف النووي الإيراني بحيز من مباحثات الوزيرين السعودي والبريطاني. وأشار الأخير إلى أن بلاده تحتضن اليوم (أمس)، اجتماعاً للمدراء السياسيين في دول (3+3)؛ وهي: بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأميركا وروسيا والصين، والخاص بحل موضوع الملف النووي الإيراني بالطرق الدبلوماسية، مهدداً بأن عقوبات اقتصادية واجتماعية ستنتظر طهران إذا لم تتجاوب مع هذه الجهود، وأبرز إمكانية توسيع دائرة تكتل (3+3) ليشمل دولا خليجية. وأبدى ديفيد ميليباند، اعتقاده بأن التوجه الأميركي الأخير نحو الانفتاح على طهران، وحل موضوع ملفها النووي بشكل سلمي سيشكل احتمالا للوصول إلى تهدئة شاملة في المنطقة، معتبراً أن برنامج طهران النووي تهديد خطير ويجب أخذه بالاعتبار. وبهذا الصدد، رحبت السعودية بالتوجه الإيجابي للحكومة الأميركية بالرغبة في معالجة أزمة الملف النووي الإيراني دبلوماسياً عبر الحوار. وأمل الفيصل أن تستجيب الحكومة الإيرانية لجهود واشنطن لحل الأزمة بالشكل الذي ينأى بمنطقة الخليج العربي والشرق الأوسط عن مخاطر انتشار الأسلحة النووية ويكفل حق كافة دول المنطقة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية وفق معايير وإجراءات الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وأشار إلى أن بلاده ترى بأن «الحل الوحيد يكمن في تبنى سياسة جامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية الهادفة إلى جعل منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي خالية من أسلحة الدمار الشامل بما في ذلك إسرائيل». وتوقف الوزير البريطاني، عند ما وصفه بالنشاطات الإيرانية في بعض الدول المجاورة لها، والتي قال إنها باتت سبباً في عدم استقرار منطقة الشرق الأوسط. ووجد أنه من المهم جداً أن تكون هناك جبهة موحدة تجمع ما بين دول أوروبا وأميركا وروسيا والصين من جهة، ودول الخليج من جهة أخرى، لمواجهة مجموعة المواضيع التي تنبع من النظام الإيراني. ولم يخف الأمير سعود الفيصل، صدمة واستنكار بلاده الشديدين، «لأحداث التفجيرات الأخيرة في العراق وما خلفته من ضحايا وتدمير كبيرين خاصة بعد أن استبشرنا خيراً بالتحسن الأمني في العراق». وأبدى أمله في أن تكلل جهود الحكومة العراقية بالنجاح في ملاحقة مرتكبي هذه الأعمال الإرهابية وتحقيق الأمن والاستقرار في ربوع العراق». وأولت المباحثات السعودية البريطانية، القضية اللبنانية، اهتماماً بالغاً، إذ ناقشت طبقاً للفيصل «استقرار لبنان وأمنه وسلامة إقليمه»، وأجمعا على أهمية موضوع الشأن اللبناني في استقرار المنطقة. ودعا الفيصل وميليباند «جميع الفرقاء اللبنانيين إلى الابتعاد عن لغة التوتر والتصعيد وتهيئة الأجواء الملائمة لإجراء الانتخابات النيابية المقبلة بشكل سلمي وفق أحكام الدستور اللبناني واتفاق الطائف بعيداً عن ممارسة أي ضغوط أو ترهيب». من جهته، برر وزير الخارجية البريطاني، فتح بلاده قناة حوار مع حزب الله اللبناني، بالرغم من وروده على لائحة الإرهاب العالمي، بأن الحزب جزء ممثل بالحكومة اللبنانية، وداعم لعملية السلام. وشدد على ضرورة التزام كافة الأطراف اللبنانية بالقرار رقم 1701 الخاص بلبنان والذي ينص على إلقاء جميع الأطراف اللبنانية سلاحها، والذي ينطبق على حزب الله وجميع الفرقاء. وأضاف «مقابلة أعضاء الحكومة اللبنانية التابعين لحزب الله، تأتي لنرسل لهم رسالة موحدة من جميع العالم أنه لا بد من السماح للانتخابات اللبنانية بأن تحدث في سلام وفي نزاهة واستقلالية واحترام استقلال هذا البلد». وفي الشأن الأفغاني قال الفيصل إن بلاده «تابعت الاستراتيجية الجديدة التي أقرتها قمة حلف شمال الأطلسي في اجتماعه الأخير في ستراسبورغ بما في ذلك توسيع مهامه لتشمل الجهود المدنية التي تؤكد المملكة على أهميتها لتحقيق التنمية الاجتماعية للشعب الأفغاني بما يسهم في دعم جهود إعادة الأمن والاستقرار في أفغانستان». وحمل وزير خارجية بريطانيا، الحكومة الأفغانية الحالية مسؤولية تحقيق المصالحة بين الفرقاء الأفغان، وقال إن القوات البريطانية المتمركزة على الأراضي الأفغانية ستبقى حتى إحلال الأمن والاستقرار لذلك البلد، ولكنها لا تفكر في إقامة مستعمرة على تلك الأراضي. ورحبت السعودية من جهتها، بما اشتملت عليه الاستراتيجية في العمل على دعم الاستقرار في دولة باكستان المجاورة. في الوقت الذي أكدت فيه بريطانيا اهتمامها بالتنمية في كل من باكستان وأفغانستان، وقال وزير خارجيتها إن حكومتي البلدين مطالبتان باستمرارية مشاركتهما مع المجتمع الدولي. وفيما يتصل بالأزمة المالية العالمية، أشاد الأمير سعود الفيصل باستضافة بريطانيا لقمة مجموعة العشرين الأخيرة، وأعرب عن تطلع بلاده إلى أن تشكل القرارات الصادرة عنها حافزاً لاستعادة الثقة في الاقتصاد العالمي وتحقيق تنميته وإصلاح النظام المالي الدولي خاصة في ظل الدعم غير المسبوق الذي أقرته القمة. وأوضح الفيصل أن السعودية أصبحت أكبر شريك تجاري للمملكة المتحدة في الشرق الأوسط، إذ تنامى حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال السنوات الأخيرة ليبلغ ضعف ما كان عليه في بداية هذا العقد، لافتاً إلى أن السلع غير البترولية أخذت مكان الريادة بحلول عام 2006 وبحصة تقارب 60 في المائة من إجمالي صادرات المملكة العربية السعودية إلى المملكة المتحدة بدلا من البترول الذي كان يستأثر بقرابة 75 في المائة من تلك الصادرات في عام 1984. وقال «إن هناك أكثر من 150 مشروعاً مشتركاً سعودياً بريطانياً وبقيمة إجمالية تتجاوز 55 مليار ريال وإن ما نشهده من مشاركة واسعة لرجال الأعمال البريطانيين في هذا المنتدى يبشر بأن هذا التقدم سيستمر مستقبلا». وأضاف وزير الخارجية السعودي «إننا نعتبر أن التزام المملكة العربية السعودية بالاستمرار في تمويل وتنفيذ برنامجها التنموي الوطني الطموح يشكل إسهاماً مؤثراً منها في تحفيز الاقتصاد العالمي، ولا شك في أن الشركات البريطانية مدعوة لانتهاز ما يوفره هذا البرنامج الضخم من فرص، كما أن السعودية تدرس الخيارات المتاحة للمساهمة في برامج إصلاح الاقتصاد العالمي».