ضباط سابقون في الذكرى السادسة لسقوط بغداد: لم نتخاذل لكن الحسابات كانت خاطئة

عزوا في أحاديث لـ «الشرق الأوسط» سقوط العاصمة السريع إلى التفوق التكنولوجي وضعف خطة حمايتها

إسقاط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس يوم 9 أبريل (نيسان) 2003 (أ.ب)
TT

أجمع عدد من كبار الضباط السابقين ومن صنوف مختلفة في الجيش العراقي، على أن القوات المسلحة العراقية لم تتراجع أو تتخاذل في قتالها مع القوات الأميركية في معارك احتلال بغداد، عشية يوم التاسع من ابريل (نيسان) 2003، مشيرين في أحاديث لـ«الشرق الأوسط» أجريت معهم أمس في أماكن إقامتهم في عمان ودمشق، إلى أن الغلبة كانت للتفوق التكنولوجي الذي تتمتع به القوات الأميركية، وهذا التفوق هو الذي حسم الأمور لصالح الأميركيين، إضافة إلى ضعف خطة الدفاع عن بغداد، التي كانت مسؤولية قصي النجل الأصغر للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.

وقال اللواء الركن طلال القيسي، الذي كان يشغل منصب رئيس هيئة الدراسات الاستراتيجية في جامعة البكر للدراسات العسكرية، وكانت أهم أكاديمية من نوعها في العراق، انه« لا يمكن المقارنة بين كفاءة القوات العراقية والأميركية، فالقوات العراقية خرجت متعبة من الحرب العراقية الإيرانية، التي امتدت ثماني سنوات، وجاءت بعدها حرب الكويت التي أثرت كثيرا على القوات العراقية، ثم فرض الحصار على العراق، إذ لم يتم تحديث الأسلحة ولم يعاد تنظيم قواتنا»، منوها إلى أن «القوات العراقية قاتلت القوات الأميركية عام 2003 بأسلحة أنتجت بعد الحرب العالمية الثانية في الخمسينات والستينات، ولم تتوفر قواتنا إلا على بعض المنظومات الحديثة، وهي الأخرى لم تجار تقنيات القوات الأميركية، التي جاءت ضمن تحالف كوني كبير».

وكشف اللواء القيسي، عن أن «القيادة العسكرية العراقية كانت تعرف مدى التطور التكنولوجي، الذي تتمتع به القوات الأميركية، وان القوات الأميركية سوف تفرض سيطرتها الجوية الكاملة، وتشل كل منظومات الاتصالات لقواتنا، وكان هناك اعتقاد لدى قيادتنا بأنه لن تحدث مواجهة عسكرية مع القوات الأميركية، لكن ضباطنا في الميدان وفي جبهات القتال أكدوا ومنذ وقت مبكر أن القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها لم تأت لتبقى عند الحدود العراقية الكويتية، بل جاءت لتهاجم وتدخل الحرب». وأوضح أن «القيادة العراقية (صدام حسين) كانت قد راهنت على (عدالة القضية التي نقاتل من اجلها)، وان الجيش والشعب سيقاتلان من اجل عدالة القضية، من دون أن تحسب جانب الانهيار النفسي، الذي كان يعاني منه الجيش والشعب العراقي جراء الحصار»، وأشار إلى نقطة مهمة، هي أن «خطة الدفاع عن بغداد لم تكن بيد الجيش العراقي، بل مسؤولية الحرس الجمهوري وبقيادة قصي(صدام حسين)، من غير أن تكون هناك تهيئة مناسبة للدفاع عن العاصمة».

واعترف القيسي بأن «الجيش العراقي لم يشارك في القتال، فالحرب لم تكن تقليدية مثلما كانت عليه الحرب العراقية الإيرانية، وقطعاتنا كلها كانت مفتوحة، ووقعت مواجهات بين قواتنا والقوات الأميركية في الجنوب، لكن القوات الأميركية كانت تتخطى حتى الفرق وبسرعة، وأمام اندفاعهم السريع باتجاه العاصمة، قال وزير الدفاع إنهم سيصلون إلى بغداد خلال أسبوع، كما أن الجيش العراقي لم يكن مهيئا ومسلحا، وعندما شاهدنا الدبابات الأميركية عن قرب، أدركنا أن دباباتنا لا تستطيع الصمود أمام الأميركية»، منوها إلى أن الخلل أيضا «كان بسبب فقدان القيادة والسيطرة، فالعراق كله كان مسرح عمليات، وهناك ضباط اعترفوا بأن أحدا لم يتصل بهم ولم يبلغهم أية أوامر، لهذا تحولوا إلى مشروع إبادة جماعية، فقرروا الانسحاب إلى بيوتهم، وهناك جزء كبير من الجيش العراقي قد حل نفسه بنفسه، ولا أقول انه هرب أو تراجع عن مهمته، بدليل أن الجيش الذي انسحب من ساحة المعركة هو الذي يقود المقاومة اليوم ضد الوجود الأميركي».

اللواء الركن الطيار شاكر الكرطاني، كان رئيسا لأركان الدفاع الجوي، أبرز بداية «التفوق التكنولوجي كأبرز سبب للاحتلال السريع لبغداد من قبل القوات الأميركية»، وقال إن« قوات الدفاع الجوي استهلكت، فهي كانت في قتال مستمر منذ 1991 وحتى 2003 ضد الطيران الأميركي، الذي كان يشن غارات مستمرة ضد العراق، علما بأن أسلحتنا كانت متخلفة، صناعة الستينات من القرن الماضي، بينما كانوا يستخدمون تقنيات متطورة أنتجت عام 2003، غير هذا فالحصار استنزف أسلحتنا ومعنويات مقاتلينا، وأسلحتنا لم يتم تحديثها بل كانت تجري عمليات إصلاح محلي لها لإدامة عملها وليس لتطويرها فنيا»، مشيرا إلى أن هناك «جانبا مهما للغاية وهو الخروج المبكر، بل عدم اشتراك القوة الجوية العراقية في المعركة، إذ لم تكن لدينا سوى 15 طائرة وبقية الطائرات في إيران، ثم إن طائراتنا أصلا كانت قديمة قياسا إلى الطائرات الأميركية المتطورة، وعندما شنوا أول غارة جوية استخدموا مئات الطائرات المقاتلة، فما نفع عشر طائرات عراقية أمام مئات الطائرات الأميركية، كما غابت الحرب الالكترونية في قتالنا، واعني السيطرة الرادارية والاتصالات، لهذا كانت دفاعاتنا الجوية ترمي نيرانها حتى من غير أن ترى الطائرة المعادية».

وأوضح رئيس أركان الدفاع الجوي، قائلا «إن دفاعاتنا الجوية تكون فعالة عندما يكون الطيران المعادي منخفضا، لكنهم قاتلوا من ارتفاعات خارج مديات دفاعاتنا الجوية، بل ومن أماكن بعيدة عن نقاط وجودنا، كما شنوا غارات بمئات الصواريخ الموجهة التي أسقطنا الكثير منها، لكن قسما كبيرا منها أصاب أهدافه». واعترف اللواء الكرطاني بوجود «أخطاء كبيرة في خطة الدفاع عن بغداد، والتي قضت الخطة بالدفاع عنها من داخلها وليس من خارجها، وهذا عامل خطر وهو احتكاك العسكر بالمدنيين، فإذا انكسرت معنويات أي منهم اثر على معنويات الآخر، وهذا ما حدث بالفعل».

وكشف أن «القيادة العسكرية العراقية، واعني الرئيس صدام حسين لم يكن أمامه أي اختيار سوى المعركة، بل إن القوات الأميركية لم تترك أمامه أي خيار سوى خوض المعركة، وان القوات الأميركية كانت ستدخل العراق وتحتل بغداد، حتى لو كان صدام حسين قد ترك العراق، وهذا ما أوضحه صدام حسين وبصورة غير مباشرة في آخر اجتماع لنا معه قبيل الحرب بعشرين يوما، عندما قال أنا مستعد لعمل أي شيء لمنع هذه الحرب».

وتحدث رئيس أركان الدفاع الجوي السابق عن «معركة المطار التي تكبدت بها القوات الأميركية خسائر كبيرة، وكان صدام حسين يقود المعركة عن قرب، إذ كان في محيط المطار ولم تسيطر القوات الأميركية على المطار إلا باستخدامها الأسلحة المحرمة والقنابل الفراغية التي تحرق كل شيء».

وعن سر الطائرة الأميركية التي حطت وأقلعت من مطار بغداد في حمأة القتال، قال اللواء الكرطاني «كنت قد اكتشفت أمر هذا الطائرة عندما استرقنا اتصالا من قائد الطائرة وهو يطلب الإذن بالإقلاع، وكانت طائرة نقل كبيرة، حدث ذلك يوم السابع من ابريل(نيسان) وبعد انتهاء المعارك البرية في المطار استمر القصف الجوي، وقد حصل قائد الطائرة على إذن التحليق وغادرت الطائرة باتجاه جنوب غربي العراق»، نافيا أن تكون هذه الطائرة قد نقلت كبار ضباط الحرس الجمهوري وعائلاتهم، ذلك أن جميع الأسماء من ضباط الحرس الجمهوري، التي قيل عنها أنها تعاونت مع القوات الأميركية موجودون إما في سجن أبو غريب أو في معتقل المطار، وأننا على يقين بان أي ضابط سواء كان في الحرس الجمهوري أو خارجه لم يخن العراق ولم يتعامل مع القوات الأميركية».

اللواء الركن مؤيد ضامن، كان قائدا لفرقة المشاة 16، يقول «فرقتي قاتلت ضمن ثلاثة قواطع، الأول في الموصل، وضمن قاطع مسؤولية الفرقة، ثم تحركنا إلى الحلة، بعدها صرنا ضمن مسؤولية حماية بغداد»، مشيرا إلى أن «القوات العراقية كانت تتوقع حدوث الحرب، وكنا قد تهيئنا من حيث التدريب لمواجهة القوات الأميركية فنحن قاتلنا عشر سنوات من غير أن نشعر بالتعب، ثم انه لم يكن أمامنا أي خيار سوى القتال، والاستسلام لم يكن حلا مع أننا كنا على اطلاع على تفوق القوات الأميركية تكنولوجيا من حيث الأسلحة ومستلزمات القتال».

ويكشف اللواء ضامن عن أن « الاتصالات كانت ضعيفة خلال المعركة وان الأوامر كانت تصلنا، لكن الأسلحة التي كان قد استخدمتها القوات الأميركية خارج تصور قيادتنا من جهة، وهي أسلحة موغلة في وحشيتها، من جهة أخرى»، منوها إلى أن السيطرة على القوات لم تكن موحدة».

ونفى قائد الفرقة 16، أن «يكون أي ضابط عراقي قد تعاون مع القوات الأميركية ضد الجيش العراقي، وما قيل في هذا الجانب فيه الكثير من الإساءة لقواتنا، بدليل أن معركة المطار أظهرت رغم كل شيء قوة المقاتل العراقي، حيث كانت القوات الأميركية قد انسحبت ثلاث مرات من ارض المعركة وعادت إليها».