تحديات المعارضة اللبنانية ساهمت في «إقناع» السنيورة بخوض الانتخابات

ترشيحه يخفض «سقف» التحالف مع «الجماعة الإسلامية» إلى مرشح واحد

رئيس الجمهورية اللبنانية، ميشال سليمان، ورئيس البرلمان، نبيه بري، ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة، يتفحصون ليل أول من أمس نماذج من صناديق الاقتراع موضوعة في وزارة الداخلية في بيروت. (تصوير: دالاتي ونهرا)
TT

انتهت منتصف ليل الثلاثاء ـ الأربعاء، مهلة تقديم طلبات الترشيح للانتخابات النيابية اللبنانية على 702، مرشحين لـ128 مقعدا، أبرزهم رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي تريث حتى اليوم الأخير لإعلان موقفه من المشاركة في الانتخابات التي ستجري في 7 يونيو(حزيران) المقبل.

ولم يكن تريث السنيورة تكتيكا انتخابيا على ما يبدو، فالرجل لم يحسم موقفه منها إلا بتأثير من موعد إقفال باب الترشيح. وقال قريبون منه لـ«الشرق الأوسط» إنه لم يكن «متحمسا» لاتخاذ قرار المشاركة وكان يفضل الابتعاد عن هذا الموقع تماشيا مع رغبته التي أبداها سابقا بـ«تسليم الأمانة» أي رئاسة الحكومة، التي يقول القريبون إن ترشيح النائب سعد الحريري لتأليفها إذا فازت قوى 14أذار في الانتخابات هو «أمر طبيعي». وأكدت مصادر قريبة من السنيورة لـ«الشرق الأوسط» أنه «لم يكن متحمسا على الصعيد الشخصي لاتخاذ قرار المشاركة في الانتخابات». لكنها أشارت إلى أن عنصرين أساسيين جعلاه يتخذ قرار المشاركة. الأول هو مطالبة أكثر من طرف من المحيطين به ومن حلفائه بأن يكون له دور في المستقبل ووجود أساسي في مجلس النواب نظرا للتجربة الكبيرة التي يحملها. مشيرة (المصادر) إلى أن القضايا الأساسية التي عاشها لبنان خلال تولي السنيورة مهامه الحكومية لم تختف وأن التعامل معها يختلف، لكنها باقية. أما العامل الثاني، فكان ـ بحسب المصادر نفسها ـ تصريحات التحدي التي أطلقها خصومه في السياسة، وخصوصا من حركة أمل التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري وحزب الله في الهجوم على مسألة ترشحه قبل أن يعلن موقفه النهائي. وتشير المصادر، في هذا الإطار، إلى الكلام الذي أطلقه الرئيس بري عن «ضرب التنوع» في مدينة صيدا، بالإضافة إلى وصف ترشح السنيورة بأنه تحدٍ، مما جعل الأخير يميل إلى الترشح كي لا يفسر موقفه بأنه تراجع أو خوف.

وجاء قرار السنيورة بالترشح ليؤثر على مفاوضات التحالف الدائرة بين الجماعة الإسلامية وتيار المستقبل الذي يرأسه النائب سعد الحريري. وقال مصدر في «المستقبل» لـ«الشرق الأوسط» إن المفاوضات مع «الجماعة» قبل ترشح السنيورة كانت تتمحور حول تقديم مرشحين لها، أحدهما في صيدا والآخر في بيروت، مشيرا إلى أن هذه المفاوضات تحولت الآن إلى عرض مقعد وحيد للجماعة في بيروت ـ الدائرة الثالثة. وأفاد أن «هذه المفاوضات إيجابية. والجماعة الإسلامية تسير بهذا الاتفاق مبدئيا، لكن شيئا نهائيا لم يحصل بعد».

وقد بقي قرار السنيورة بالترشح في صيدا، إضافة إلى ترشح عميد حزب الكتلة الوطنية كارلوس إده في دائرة كسروان ـ الفتوح، أبرز علامات الترشيحات. فترشح السنيورة من شأنه جعل «المعركة الصيداوية» تحتدم، لأن النائب الحالي أسامة سعد المتحالف مع بري وحزب الله سيكون في موقع المهدد. وسيكون اسم السنيورة أكثر «جاذبية» في المعركة من مرشح الجماعة الإسلامية الدكتور علي الشيخ عمار الذي قدم ترشيحه عن أحد المقعدين في صيدا بانتظار انتهاء المفاوضات. هذا، واستغرب رئيس التنظيم الشعبي الناصري، النائب أسامة سعد، ما جاء في بيان ترشح السنيورة من أنه «يعمل دائما للدفاع عن الاستقلال والسيادة والحرية»، معتبرا أن «من استعاد السيادة في معظم المناطق اللبنانية بدءا من بيروت إلى جبل لبنان وصيدا وصور والنبطية ومرجعيون وحاصبيا، وإلى آخر نقطة من أرضنا، هي المقاومة إن كانت وطنية أو إسلامية». وسأل: «من قال له (السنيورة) إن سيادة صيدا منقوصة؟ نحن في صيدا استعدنا سيادة المدينة من الاحتلال الصهيوني بالمقاومة وليس بأي شيء آخر». أما ترشح إده فقد جاء ليفتح «معركة سياسية» في مواجهة زعيم تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون المرشح في كسروان أيضا. ويعتقد أركان 14 آذار أن ترشح إده يزخِّم المعركة ويرفعها إلى مستوى التحدي ويقدم عنوانا سياسيا بارزا يمكن أن يصار من خلاله إلى تحقيق نتائج. ومعروف عن إده، الذي ينتمي جغرافيا إلى قضاء جبيل المجاور لكسروان، مواقفه المتصلبة حيال عون وحزب الله، وهو ما تراهن عليه الأكثرية لتغيير قواعد لعبة عام 2005 التي ربحها عون.

وزار إده أمس البطريرك الماروني نصر الله صفير على رأس وفد من مجلس قيادة حزب الكتلة الوطنية. وقال انه أطلعه على الأسباب التي دعته للترشح. وأعلن عقب اللقاء: «لست جديدا على المنطقة بحيث ترشحت فيها عام 2005. ثم إن الكتلة الوطنية لديها وجود كبير مع الكثير من العائلات والشخصيات التي كان لها مكان بارز في الكتلة الوطنية ومن بينها الشيخ كسروان الخازن مع إميل إده ونهاد بويز. إن ترشحي ليس لأخذ موقع أحد، إنما سأضم صوتي إلى الأصوات العديدة الموجودة هنا في محاولة لإيجاد منافسة وحوار بين خطين سياسيين لنعطي أكبر خيار لأهالي كسروان كي يختاروا تمثيلهم الحر في المجلس النيابي. هناك مكان لخمسة نواب في المنطقة. وآمل أن أكون واحدا ممن يختارهم أبناء كسروان».

وأوضح أنه لم يشكل لائحة حتى الآن، مشيرا إلى أن المفاوضات مع الأكثرية «ستكون طبيعية». وقال: «أفكاري تنسجم مع أفكار قوى 14 آذار. وحفاظا على هذه الثوابت تركت قيادة 14 آذار، لكنني لا أزال في الخط نفسه».

واعتبر نائب رئيس حركة التجدد الديمقراطي النائب السابق كميل زيادة «أن ترشح إده لأحد مقاعد كسروان ـ الفتوح هو تطور مهم، لأنه يعطي الانتخابات في منطقتنا جرعة سياسية قوية فيرفع من مستواها». وقال: «هذا الترشح يعطي المعركة بعدا ديمقراطيا ومنحى إيجابيا. ويسمح لنا بخوضها ضمن خيارات وطنية معروفة ناضلنا وما زلنا نناضل من أجلها، دفاعا عن الخط السيادي وثورة الأرز».

إلى ذلك، رأى عضو اللقاء الديمقراطي النائب نعمة طعمة «أن البعض يذهب في اجتهاداته وتحليلاته بعيدا حيال مواقف رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط وتحديدا حول الثوابت الوطنية والقومية وكأنها مرحلة عابرة أو مستجدة». وقال أمس: «تاريخ المختارة (مقر جنبلاط) واضح لا يحتاج إلى أي قراءات بشأن ما يقوله النائب جنبلاط، في القضايا العربية والعروبة ولا سيما القضية الفلسطينية، فكل هذه العناوين هي من الثوابت والمسلمات الثابتة والراسخة لتاريخ المختارة الوطني والعربي من الشهيد كمال جنبلاط إلى رئيس اللقاء الديمقراطي». وأكد أن «التحالفات السياسية والانتخابية للنائب جنبلاط هي في صلب قوى 14 آذار، لكن هذا اللقاء متنوع. وهنا من الطبيعي أن تكون هناك تباينات وآراء سياسية حيال هذه المسألة أو تلك». واعتبر «أن زعامة النائب جنبلاط وتاريخه السياسي يعطيانه هامشا للتحرك السياسي، وبالتالي تمسكه باللاءات التاريخية للمختارة وخصوصا القضية المركزية أي القضية الفلسطينية».