مستشار رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو: لا ننافس أية دولة في المنطقة والتكامل الاقتصادي أساس السلام

قال لـ«الشرق الأوسط» إن بلاده ترغب بحل سلمي لكركوك لا يعتمد على طائفة أو عرق واحد

TT

شهدت السياسة الخارجية التركية تحولات ونقلات نوعية في مجالات عدة خلال السنوات الست الماضية منذ تولي رجب طيب أردوغان رئاسة الوزراء. وعلى الرغم من أن وزير الخارجية علي بابجان هو الوجه الرسمي للسياسة الخارجية في حكومة أردوغان، فإن مهندس هذه السياسة يبقى عادة خلف الكواليس. البروفيسور أحمد داود أوغلو أصبح كبير مستشاري أردوغان بناء على نظرياته الأكاديمية التي طورها في دكتوراه السياسة والعلاقات الدولية، ومن ثم في التعليم في جامعات تركية عدة. يحمل داود أوغلو ألقاباً عدة، منها دكتور وسفير، وعلى الرغم من ارتباطه بمكتب رئيس الوزراء فيقوم بمهمة الاستشارية مع الرئيس التركي عبد الله غل أيضاً ويسافر معه في زيارات حساسة، آخرها مشاركة غل في قمة حلف الشمال الأطلسي «الناتو» الأخيرة التي شهدت دوراً مهماً لتركيا في اختيار الأمين العام المقبل للحلف. كما أنه عادة ما يقوم بمهمات صعبة لتمهيد الطريق للسياسة التركية، فعلى سبيل المثال قام بزيارة العراق 6 مرات العام الماضي قبل زيارة غل بغداد الشهر الماضي.

وعلى الرغم من سمعته المعروفة بالابتعاد عن الأضواء ورفض المقابلات الصحافية، إلا أنه ودود واجتماعي، يحب النقاش والحديث في التاريخ والثقافة والاقتصاد التي يعتبرها عناصر أساسية في السياسة. طريقة كلامه تعكس مفكراً أكثر من كونه سياسي، تعتمد على النظريات العملية بدلا من ردود الفعل السريعة. وفي مقابلة نادرة تحدث داود أوغلو من اسطنبول لـ«الشرق الأوسط» شارحاً التي تعتمدها تركيا في القرن الواحد والعشرين لتصبح دولة حديثة ذات نفوذ من البلقان إلى آسيا الوسطى ومروراً بالشرق الأوسط.

وتحدث عن دور تركيا في الوساطة بين سورية واسرائيل وترحكاتها بين حماس واسرائيل خلال حرب غزة، وكذلك عن علاقات تركيا مع حزب الله. وتناول الدور المطلوب من ايران، كما نفى بشدة ان تكون تركيا تنافس الدور المصري اول تعمل لاحداث توازن بين الدول العربية وايران. وفيما يلي نص الحديث مع مهندس السياسة الخارجية التركية:

* لنبدأ بعلاقتكم مع الولايات المتحدة والدور الذي يمكن لتركيا أن تلعبه في مد الجسور بين إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي زار تركيا مؤخرا ودول مثل سورية وإيران، هل طلب منكم القيام بدور الوساطة؟

- أولا، طريقة تعامل تركيا مع المنطقة تحددها جغرافية تركيا وتاريخها، نحن نرى المنطقة من وجهة نظر المنطقة، نحن لسنا غرباء بل جزء من هذه المنطقة وتاريخها والأراضي التركية في الجنوب والحدود مع العراق وسورية لها استمرارية طبيعية من حيث الاستمرار الديموغرافي والثقافي. وعندما تقولين السياسة الخارجية التركية للمنطقة هي ليست فقط سياسة خارجية بل سياسة داخلية للمنطقة التي نحن جزء منها. تاريخنا مماثل ومستقبلنا مماثل، لا يمكن فصل التاريخ التركي والعربي والإيراني والكردي عن بعضه البعض، السياسة والمصير والمستقبل نفسه. لدينا سياستنا الخارجية الخاصة، وفي السابق كانت هناك وجهات نظر مختلفة بيننا وبين الأوروبيين والأميركيين في طريقة التعامل مع المنطقة. على سبيل المثال العلاقات مع سورية، تركيا طورت العلاقات مع سورية خلال السنوات الست أو السبع الأخيرة بينما كانت هناك مشكلة بين سورية والولايات المتحدة وأوروبا. والأمر نفسه مع علاقة تركيا التاريخية مع إيران والعراق، على الرغم من بعض المشاكل مع الآخرين، لأنهما جيراننا. خلال الإدارة الأميركية السابقة، كانت هناك طريقة تعامل مختلفة في السياسات الإقليمية التركية والأميركية لأن الأميركيين كانوا يتبعون سياسات العزلة أو فرض الضغوط، ولكن تركيا كانت تفضل سياسات التواصل والقوة الناعمة والاعتماد الاقتصادي المتبادل، ولكن هذه الإدارة الجديدة طريقة تعاملها مشابهة لطريقة تركيا المستمرة. على سبيل المثال، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، زارت وفود أميركية سورية أكثر من الوفود التي زارتها خلال السنوات الثلاث الماضية. هذا مؤشر فقط على وجود أوجه تشابه بين تركيا والولايات المتحدة. ولكنه لا يعني انه عندما يجلس الأتراك والأميركيون أن الأميركيين يطلبون شيئا من الأتراك. نحن نتشاور ونشرح طريقة عملنا والأميركيون يستمعون ويشاركونا وجهة نظرهم. ومن هذا المنظار، الإدارة الجديدة لديها طريقة عمل متعددة الوسائل ولديها ميول أكثر للقوة الناعمة، وذلك أقرب إلى موقفنا.

* ولكن لم تجب على سؤالي حول ما إذا كان الأميركيون يرون دورا لتركيا في الوساطة مع دول في المنطقة وبعد الاقتراح التركي في الوساطة مع الإيرانيين؟

- بالطبع، هذا ما أعنيه، نحن نعمل ذلك في الوساطة التركية بين السوريين والإسرائيليين. نحن نعمل ذلك كسياسة تركية، الأميركيون الآن يعترفون بأهمية الدور التركي، وبالطبع يقولون إن الدور التركي من هذا المنظور هو دعم لاستقرار المنطقة ويعترفون بذلك. سنستمر بهذه السياسة لأنها سياستنا، ما أقوله إننا ننظر إلى المنطقة من أنقرة.

* لديك نظرية مشهورة ومرتبطة باسمك وهي «تصفير المشاكل»، هل ذلك ممكن في منطقة مثل الشرق الأوسط المليئة بالمشاكل؟

- أولا، يجب فهم الأراضي التركية لفهم هذه السياسة. كل أراضينا، التي أسميها الأراضي المرنة، هناك استمرارية للأراضي التركية، داخل البلاد أو خارجها، ما عدا الحدود التركية ـ الإيرانية التي تعود إلى 1639، عمرها 350 عاما. ولكن الأراضي التركية ـ اليونانية، هناك أقلية تركية في الأراضي اليونانية والأمر نفسه في بلغاريا، وفي جورجيا هناك أقارب للأتراك وقسمت القرى عند رسم الحدود، الأمر نفسه في العراق وسورية، ولكن بسبب الحرب الباردة أصبحت منفصلة عن بعضها البعض. والآن نسعى الى تصفير المشاكل، أي من دون أية مشاكل، فمع هذه الأراضي المرنة، إما توجد توترات عالية، إذ لا توجد طريقة عمل بناءة، أو تجعل الأراضي أراضي سلام واعتماد متبادل. خلال الحرب الباردة، كانت هناك مشاكل مع جيراننا بسبب الأنظمة السياسية المختلفة مثل الوضع في سورية وبلغاريا، وبعد الحرب الباردة كانت هناك توترات مختلفة بسبب عدم الاستقرار في المنطقة. عندما تشكلت الحكومة عام 2002، أعلنا موقف تصفير المشاكل مع جيراننا، وخلال السنوات الست الماضية باتت علاقتنا مع سورية ممتازة، وعلاقتنا مع اليونان جيدة جدا، بعدما كانت هناك توترات في التسعينات من القرن الماضي ورؤساء الوزراء أصبحوا أصدقاء مقربين، علاقتنا مع بلغاريا جيدة جدا بعد توتر في الثمانينات من القرن الماضي، وعلاقتنا مع جورجيا جيدة إلى درجة أن شركة طيراننا تستخدم مطار باتومي كأنها شركة طيران محلية. الاعتماد الاقتصادي المتبادل عال جدا، وهناك مشاريع مهمة مع جورجيا. كما أن علاقتنا مع العراق وإيران جيدة جدا، اليوم لا أحد يتوقع أية توترات حتى لو قليلة بين تركيا وأي من جيرانها. الآن ما نحاول فعله مع دول الجوار هو القفز من عدم وجود المشاكل إلى درجات التعاون الأقصى أو حتى التكامل معهم. العام الماضي وقعنا اتفاقا استراتيجيا مع العراق وأسسنا لجنة عليا للتنسيق تضم وزارات مهمة عدة ويقودها رئيس الوزراء. وهنا اعتمدنا نظرية مهمة، إذ استخدمنا كلمة التكامل الاقتصادي بدلا من التعاون الاقتصادي، إذ نريد تكامل اقتصاداتنا من أجل جعل المصالح المتبادلة أكبر حد ممكن، كانت هذه رؤيتنا وهي ناجحة. ولكن العامل الناقص هو أرمينيا وقبرص. حاولنا عام 2004 التوصل إلى حل ولكن اليونانيين رفضوا. مع أرمينيا، هناك عملية مستمرة ونأمل حلها. أما أذربيجان، فهناك علاقات جيدة أيضا، إذ نقول إننا وطن واحد في دولتين، إننا متقاربان جدا. وإذا افترضنا أن روسيا جارتنا من خلال البحر الأسود، علاقتنا جيدة، إذ تعتبر الأولى أو الثانية، حسب كيفية قياس التصنيف، في التجارة، إذ حجم التجارة 38 مليار دولار. وكانت نسبة دول الجوار في حجم التجارة التركية عام 2002 ثمانية في المائة، الآن حوالى 32 في المائة.

* أثرت نقاطا كثيرة يجب تسليط الضوء عليها، لنبدأ مع العراق. تركيا كانت من الدول المعارضة للحرب ولكن في الوقت نفسه تدعمون الحكومة الحالية، إلى أية درجة تشعرون أن هناك تعاونا مع العراق وخاصة في قضية حزب العمال الكردستاني؟

- نعم، تعاملنا مع الحرب في العراق بطريقة قلقة لأننا لم نرغب بتدمير العراق.. لم نرد التأثير السلبي على العراق بسبب الحرب. ولكن بعد الحرب كنا نشطين جدا في دعم العملية السياسية في العراق واستقراره. وأقمنا علاقات جيدة مع كل الأطراف العراقية، ففي المنطقة ترى بعض الدول مناصرة للشيعة أو السنة أو الأكراد أو العرب، ولكن لدى تركيا علاقات جيدة مع الأطراف السنية. وفي عام 2005، بدأت تركيا عملية لإدخال المجموعات السنية إلى العملية السياسية. ولدينا علاقات جيدة مع كل المجموعات الشيعية. وبالطبع لدينا علاقات تاريخية مع المجموعات الكردية، فخلال التسعينات من القرن الماضي كان لدى الأكراد مأوى من خلال تركيا وكانت هناك بالطبع علاقات تجارية معهم. ولدينا علاقات جيدة مع الأطراف الأخرى مثل التركمان والمسيحيين والشبك واليزيديين. والهدف من هذه العلاقات مثل ما قلت مثل علاقاتنا الخارجية مع المنطقة. وعلاقاتنا مع المنطقة مبنية على أربعة أسس، أولا الأمن للجميع، ففي منطقتنا نريد منطقة أمان والأمر نفسه في العراق. أمن الشيعة والسنة والأكراد والتركمان نفس الأمن، أذى أي منهم نشعر به، لأنهم كلهم أقاربنا. الأساس الثاني هو حل الخلافات في المنطقة من خلال الحوار وليس من خلال التوتر. إذا كان هناك مشكلة بين طرفين يجب ألا يكون السلاح الآلية الأولى لحلها، يجب أن نتحدث أولا. والأمر نفسه في العراق، تركيا لم تدعم أي طرف من خلال الأسلحة بل ندعمه من خلال العملية السياسية. وتركيا دعمت عملية حوار دول الجوار حول العراق، كنا نريد إبقاء دول الجوار في الموقف نفسه تجاه العراق وصيانة أراضيه. الأساس الثالث هو الاعتماد الاقتصادي المتبادل، في المنطقة والعراق. يجب ألا نسمح بالتنافس الاقتصادي، يجب ألا تكون المصادر الطبيعية سببا لمحاربة بعضنا البعض، بل يجب أن تكون المصادر الاقتصادية أساسا للتعاون ويمكن تحقيق ذلك فقط من خلال الاعتماد المتبادل. فهذه الآلة الأساسية للسلام، ولذلك طورنا علاقاتنا الاقتصادية مع العراق وسورية وعلى الرغم من كل المشاكل وبعض النشاطات الإرهابية لم نقطع علاقاتنا الاقتصادية مع المجموعات الكردية، بل طورناها. الأساس الرابع هو التعايش الثقافي المتعدد. ففي منطقتنا وخلال كل تاريخنا كانت كل المدن متعددة الثقافات ويجب ألا نحاول جعل المدن ذات طائفة أو دين أو عرق واحد، بل على العكس، يجب أن تبقى مدننا ذات أديان وأطياف وأعراق مختلفة. ففي العراق، يجب أن تكون البصرة متعددة الطوائف ويجب أن تكون كركوك متعددة الأطياف والأعراق. يجب أن تكون كل المدن متنوعة، في تاريخنا عشنا سويا وفي المستقبل سنبقى متعايشين، يجب ألا تكون سياستنا التحريض الطائفي أو العرقي في المنطقة أو في العراق أو كركوك.

* ولكن الكثيرين يرون الدور التركي في كركوك داعما للتركمان وهناك تساؤلات حول هذا الدور؟

- لا يمكن لأحد أن يقول طريقة تعاملنا مع العراق مبنية فقط على التعاون مع التركمان. لا، لدينا علاقات مع الجميع ولكن بالطبع التركمان كغيرهم أقرباؤنا وسلامتهم مهمة مثل أهمية سلامة آخرين، فعندما هاجم (الرئيس العراقي السابق) صدام (حسين) الأكراد، تركيا حمتهم. وإذا هناك سؤال حول أمن التركمان أو المسيحيين أو السنة أو الشيعة سنحميهم أيضا. يجب ألا ينظر أحد لنا بأننا نتبع سياسة مبنية على الطائفية. عندما كان هناك هجوم إرهابي في أربيل أرسلنا المساعدات واستقبلنا الجرحى والأمر نفسه عندما تم استهداف اليزيديين. نحن نبحث عن نظام إقليمي. بالنسبة لنا كركوك مهمة لأن كركوك هي عراق مصغر، والعراق هو شرق أوسط مصغر. وهذه الأسس الأربعة تطبق على كركوك أيضا، الأمن للجميع يجب أن تكون كركوك آمنة للجميع، يجب التوصل إلى حل فيها من خلال الحوار ويجب ألا يفرض أحد وجهة نظره عليها ويجب أن يكون هناك حكم مشترك لأن هوية كركوك متنوعة. ويجب أن يكون هناك اعتماد اقتصادي متبادل، فكركوك غنية بالنفط ولكن يجب ألا يكون ذلك مصدر خلاف. إذا تعاملنا مع كركوك بطريقة ملائمة كمكان سلام وتعايش بين الثقافات والأعراق سيكون ذلك حلا جيدا للعراق. ولكن إذا جعلنا كركوك مكانا للصراع، كل العراق سيتأثر سلبا.

* عندما زار الرئيس التركي عبد الله غل العراق التقى برئيس وزراء إقليم كردستان نجيرفان بارزاني. ما أهمية هذا اللقاء وتطوير العلاقات مع الأكراد؟

- هناك سوء تصور، فالإشارة إلى تطوير العلاقات تعني أنه لم تكن هناك علاقة بيننا، ولكن خلال التسعينات من القرن الماضي تركيا حمت إقليم الأكراد وطور بمساعدة اقتصادية ـ تركية وما زالت بيننا علاقات اقتصادية قوية. وعندما كان لدى (الرئيس العراقي جلال) طالباني و(رئيس إقليم كردستان مسعود) بارزاني مشاكل في العراق، كانا يحملان جوازات سفر تركية. يجب ألا يتصور أحد أن العلاقات تبدأ من الصفر. ولكن المشكلة كانت بعد الحرب، ووجود حزب العمال الكردستاني «بي كي كي» في شمال العراق ولم يكن لمقدورنا السماح بذلك. فكانت هذه المجموعة الإرهابية تهاجم تركيا، كما أن سلامة الأراضي العراقية مهمة بالنسبة لنا. سلامة أراضي كل الدول مهمة، يجب ألا نسمح بظرف يغير خريطة المنطقة أو يحاول تغييرها. لا أقول إن الأكراد يحاولون تغيير الأراضي، وقد قالوا إنهم أوفياء لسلامة الأراضي العراقية ولكن المشكلة كانت وجود الـ«بي كي كي». ولكن في 1 مايو (أيار) العام الماضي، ذهبت إلى العراق والتقيت بنجيرفان بارزاني وأجرينا اتصالات جيدة وأخيرا عندما ذهب الرئيس غل التقى بنجيرفان بارزاني وهذه الاتصالات ستستمر كلما رأينا توجها إيجابيا في مكافحة الإرهاب. إنني متأكد من تطوير العلاقات.

* هل تعتقدون أن القيادة الكردية تقوم بما يكفي تجاه حزب العمال؟

- على الأقل هناك تنسيق بين تركيا والحكومة العراقية المركزية وإدارة الإقليم.

* لننتقل إلى عملية السلام في المنطقة، هل يمكن مواصلة جهود تركيا للتوسط بين إسرائيل وسورية بعد حرب غزة وانتخاب بنيامين نتنياهو رئيسا للوزراء وتشكيل حكومة يمينية؟

- سنواصل هذه المهمة لأننا نرى أن الطريقة الوحيدة للسلام هي من خلال الحوار وحل النزاعات، لا تصعيد التوترات. بالنسبة إلى تركيا، القضية الفلسطينية تحمل مسؤولية تاريخية. إذا سقط ضحايا آخرون في المنطقة سنعلي صوتنا. وسندعم كل الجهود تجاه السلام وننتقد كل الأفعال العنيفة ضد أية مجموعة في المنطقة. وعلت تركيا صوتها في ما يخص الهجمات في غزة وهذه مسألة مبدئية، الوساطة هي وسيلة للتوصل إلى السلام ولكن يجب ألا تخيم على الشعور بالعدالة. إذا كانت هناك حاجة للوساطة التركية سنتعاون دائما، ونحن نتبع دبلوماسية نشطة، أي كلما نشعر ان هناك أزمة قادمة، نحن لا نتبع سياسة ننتظر ونرى بل نعمل على الفور. ولذلك اليوم لدينا صورة جديدة في المنطقة، عندما تكون هناك أزمة الناس تنتظر المساهمة التركية لأن الجميع يعرف أن ليس لدى تركيا أجندة ثانية أو أجندة مخفية وتركيا تساعد. أنا متأكد من مواصلة كل جهود الوساطة.

* بعد الحادثة بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الإسرائيلي شيمعون بريس في منتدى دافوس، كيف تصفون العلاقات مع إسرائيل؟

- بالطبع علاقتنا في فلسطين مبنية على المبادئ، وكلما حدث شيء مماثل ستكون سياستنا مماثلة. ولكن في الوقت نفسه، من أجل التوصل إلى الاستقرار ومساعدة عملية السلام يجب أن تكون لدينا علاقات مع جميع الأطراف، حتى خلال حرب غزة، كانت لدينا اتصالات مع حماس وإسرائيل من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار والسلام. واليوم، لدينا علاقات مع إسرائيل وإذا كانت هناك حاجة مستقبلا، سنعيد دور الوساطة.

* ولكن هذه الوساطة مجمدة الآن؟

- بسبب أحداث غزة، جمدت سورية هذه العملية، وفي إسرائيل الحكومة كانت معطلة. وسنرى ما هي طريقة تعامل الحكومة الجديدة مع هذه العملية.

* في ما يخص الوساطة التركية في النزاع الفلسطيني والسياسة التركية النشطة، كارأى البعض انكم تحاولون منفاسة مصر في دورها التقليدي. كيف ترد على ذلك؟

- خلال أزمة غزة، عملنا عن كثب مع المصريين. نحن لا نرى هذه الجهود كبديل لأية دولة، لا مصر أو أي دولة أخرى. علاقتنا مع مصر تطورت بشكل جيد خلال السنوات الست الماضية، علاقتنا الاقتصادية جيدة ولدينا استثمارات هناك. نحن لا نتنافس مع أية دولة في المنطقة. ومثلما قلت، عملنا عن قرب مع مصر خلال أزمة غزة لأن المساهمة المصرية ضرورية من أجل الوصول إلى غزة. وسنواصل العمل مع مصر لأننا لا نرى علاقة تنافس بل علاقة تعاون.

* كيف تصف علاقتكم مع حماس، هل هناك طريقة للتقريب بين حماس ومطالب الرباعية الدولية؟

- بالطبع، عندما كانت هناك انتخابات في فلسطين، زار قادة حماس تركيا. وعلاقتنا مع حماس مبنية على احترام الخيار الفلسطيني. إذا كانت هناك انتخابات والشعب الفلسطيني يختار حزبا يجب أن نحترمه، احترام خيارهم هو احترام للشعب. إذا لا تحترم النتائج، لا داعي لإجراء الانتخابات. ولكن في الوقت نفسه، وخلال اتصالاتنا بحماس، دائما نحاول إعطاء حماس المشورة لتكون في العملية السياسية. المشاركة في الحكومة والعملية السياسية تقتضي دبلوماسية فعالة وإدارة سياسية فعالة. بالنسبة لنا، من دون مصالحة وطنية لا يمكن التوصل إلى السلام أو وضع مستقر في فلسطين، لهذا ندعم كل الجهود بذلك الاتجاه. لدينا علاقات جيدة مع حماس وفتح وسنعمل معهم للتوصل إلى مصالحة وطنية إذا كانوا يريدون دعمنا.

* ماذا عن علاقتكم مع إيران، كيف يمكن التقليل من التوتر في المنطقة؟

- مثلما قلت علاقتنا مع إيران تاريخية وحدودنا لم تتغير منذ أكثر من 350 عاما ولم تكن هناك حرب بيننا منذ ذلك الوقت. وبسبب العلاقة القوية، نريد أن تكون إيران جزءا من النظام الإقليمي والدولي ويجب أن تكون إيران لاعبا نشطا في كل جهود السلام وألا تعزل. ولكن في نفس الوقت، هناك حاجة لتعاون إيران في كل المناطق التي تلعب فيها دورا، إذا كان في العراق أو أفغانستان أو الشرق الأوسط، ولدينا آلية تشاور قوية مع إيران مثل غيرها من دول الجوار. وطريقة تطور علاقة إيران والولايات المتحدة مهمة لنا لأن لدينا علاقات مع الطرفين وسنحاول تحسين هذه العلاقات. فكلما تحسنت، سيكون هناك استقرار في المنطقة وهو من مصلحتنا. وكان الرئيس أوباما عبر في خطابه في البرلمان التركي عن تقديره لإيران وتاريخها الثقافي واتخاذ خطوات تجاه إيران. هذه كلها تطورات إيجابية، نأمل أن تجلب فترة علاقات سلمية.

* البعض في المنطقة يتخوف من النفوذ الإيراني والقوة المتصاعدة لإيران. هل ترون تهديدا من إيران أو إحداث عدم توازن في المنطقة يمكن لتركيا تعديله؟

- كما قلت، تركيا لا ترى نفسها متنافسة مع أية دولة في المنطقة، ونحن لسنا هنا لنحدث توازنا مع إيران أو مصر. تركيا بنفسها مركز لاستقرار المنطقة وأنا متأكد أنه خلال السنوات الماضية رأينا مواجهات بين أطراف مختلفة في المنطقة ولكن لديها علاقات جيدة. لا أريد إعطاء تفاصيل كثيرة ولكن في لبنان الطرفان لديهما علاقات جيدة مع تركيا بينما دول أخرى لديها علاقة مع مجموعة دون الأخرى، أو في العراق أو غيرها. وتركيا ستبقي هذا الموقف، سيكون لدينا علاقات جيدة مع الدول العربية ولدينا آلية استراتيجية للتعاون مع الجامعة العربية وقد وقعنا اتفاقا مع مجلس التعاون الخليجي وعلاقتنا مع دول الخليج تتحسن وتتطور وفي الوقت نفسه علاقتنا مع إيران تتحسن وتتطور. نحن لا نرى فاصلا بين كل طرف أو طرف ضد طرف. إذا كانت دول الجوار غنية يجب أن نفرح، لأن الدول الغنية تريد جيرانا أغنياء، يجب أن نطور التعاون بدلا من التنافس. وبدلا من تصور التهديد، يجب أن نتصور الصداقة والتضامن في المنطقة.

* هل ترون أن تصور وجود تهديد إيراني أمر خاطئ؟

- لا أستطيع أن أقيم ذلك بالنيابة عن أحد، ولكن إذا الدول تحترم بعضها البعض وتحترم سيادة الأراضي وتحاول إنشاء مناطق تجارة مشتركة، ستقل التوترات. ويجب أن تتعاون كل الأطراف. ما أحاول قوله هو ضرورة أن نتخلص من التهديد المصور، حتى إن كان موجودا. على سبيل المثال، قبل عشر سنوات ربما كان لدى السوريين تصور بوجود تهديد من تركيا وربما الأتراك كانت لديهم مشاعر مماثلة، والآن الدولتان متقاربتان لأننا تخلصنا من سيكولوجية التهديد. اليوم إذا سألتِ الأتراك، سيقولون إن أفضل صديق لتركيا سورية وأفضل صديق لسورية الأتراك. ففي أيام سورية الصعبة كنا أصدقاءهم وفي أيامنا الصعبة كانوا معنا. ونحن اكتشفنا أنه لا يوجد تهديد متبادل، وهذا أمر صحي. العلاقات العالية المستوى والمباشرة اختبار لنا جميعا وعلينا تحقيقها، بدلا من تراكم التوتر، من الأفضل تراكم الصداقة.

* كيف تصفون علاقتكم بحزب الله في لبنان؟

- خلال الأزمة اللبنانية، كانت لدينا علاقات جيدة مع كل المجموعات، بما فيها حزب الله. وبالنسبة لنا، في السياسة اللبنانية، حزب الله لاعب مهم جدا وسنبقي علاقات جيدة مع كل الدول والمجموعات في المنطقة.

* ولكن وجود أطراف غير حكومية ذات نفوذ في دول المنطقة، كيف تؤثر على استقرار المنطقة؟

- تاريخيا، في مرحلة التغيير والأزمات، هذا النوع من اللاعبين غير الحكوميين يصعدون. فعلى سبيل المثال العراق، العراق يعيش فترة انتقال وأزمة، والناس يرون هويتهم في مجموعات منغلقة بدلا من هوية وطنية لحماية أنفسهم. وفي الحرب اللبنانية، الهوية اللبنانية دمرت والكثير التفتوا إلى هويتهم الطائفية أو العرقية. هذه ظاهرة طبيعية في وقت الأزمات ولكن يجب أن تتغير ولكن بطريقة انتقالية من اجل الاستقرار والسلام ومن خلال إعادة الاندماج. تركيا تشجع ذلك ولا تدعم طرفا غير حكومي ضد آخر. ونحاول التعامل مع الجميع بطريقة جيدة، سواء كان 14 آذار أو حركة أمل أو حزب الله، العلاقات الجيدة تعمل على إعادة تأسيس الهوية اللبنانية.

* لقد اجتمع الرئيسان الأفغاني حامد كرزاي والباكستاني اصف زرداري في تركيا مؤخرا، كما أن هناك تقارير عن علاقات لكم مع بعض عناصر طالبان، ما تفصيل الدور التركي في أفغانستان؟

- أفغانستان وباكستان أقرب صديقين استراتيجيين للوطن التركي، من القرن الـ16 لليوم، دائما الباكستانيون والأفغان والهنود يدعمون العثمانيين والأتراك، وتركيا دعمتهم. وهم يعرفون جيدا أنه ليس لدى تركيا أية مصلحة لدعم طرف ضد الآخر. كل من يأتي إلى السلطة في باكستان أولا يتوجه لرئيس تركيا، وفي تركيا هناك تقليد أن الحكومة الجديدة في تركيا تتوجه إلى باكستان وأذربيجان. هذا أمر ليس جديدا، هناك عمق تاريخي للعلاقات. والآن لدينا عملية أنقرة، للمرة الثالثة التقى قادة باكستان وأفغانستان في تركيا وهذه المرة معهم رؤساء الجيش ومؤسسات أخرى. وسنواصل هذه العملية. مثل العراق، أفغانستان تمثل نموذجا مصغرا لآسيا الوسطى وفيها كل شعوب المنطقة وكلهم أقاربنا وسنواصل مساعدتنا لهم. ويذكر ان اكبر برنامج مساعدة مالية في تاريخ تركيا كان لأفغانستان، هناك 30 ألف طفل أفغاني في مدارس بنتها تركيا وأكثر من مليون مريض عولجوا في مستشفيات دعمناها هناك. الأمن في أفغانستان جزء من استقرارنا.

*ماذا عن طالبان؟

- سنساعد في عملية المصالحة الوطنية وسنواصل عملنا على هذه العملية في كل الدول الشقيقة.

* هل سنسمع أخبارا حول ذلك قريبا؟

- نعم.

* هل كان قرار تقوية علاقات تركيا الإقليمية ودورها الإقليمي ردا على صعوبة انضمامكم للاتحاد الأوروبي؟ هل تتصورون أن تقوية دوركم الإقليمي سيمهد للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟

- خلال الحرب الباردة، كان هناك منطق لتقسيم المناطق، إذا كنت جزءا من جبهة، يجب أن تكون ضد الجبهة الأخرى. فإذا كنت عضوا في الناتو، من الطبيعي انك ضد روسيا، أو إذا كنت جزءا من حلف وارسو معناه انك ضد الناتو. ولكن بعد الحرب الباردة، هذا ليس الحال. نحن لا نعيش ظروف الحرب الباردة. بالنسبة لنا، كل هذه العلاقات متكاملة. أن يكون المرء أوروبيا لا يعني انه ضد الشرق الأوسط أو العالم الإسلامي، أو التمتع بدور قيادي في المنطقة لا يعني تجاهل أوروبا. الكثير من دول المنطقة يدعمون انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي لأن ذلك يعني أنهم سيكونون جيراناً الاتحاد الأوروبي. وفي الوقت نفسه، سابقا كان بعض الأوروبيين خائفين إذا قبلوا بتركيا ستكون هناك بيئة خطرة ولكن رأوا أن لدى تركيا علاقات جيدة مع كل الجيران ولا تجلب أية مخاطر. الآن يرون موقع تركيا الجديد في المنطقة دعما. ويمكن رؤية الجهود التركية في الشرق الأوسط خلال السنوات الست الماضية أكثر من الدول الـ27 الأوروبية. نحن نعيش في هذه المنطقة ومصيرنا مرتبط بالشرق الأوسط والقوقاز والبلقان، لا يمكن تجاهل ذلك. هذا ليس تحركا تكتيكيا بل خيارا استراتيجيا.