مصادر قضائية: النيابة العامة تقرر حبس «تنظيم حزب الله» 15 يوماً على ذمة التحقيقات

«الشرق الأوسط» تدخل شقة المتهم الرئيسي «شهاب» في حي الدقي الراقي وإيجارها 150 جنيهاً باليوم

مدخل المبنى الذي يقيم فيه المتهم الرئيسي شهاب (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

قالت مصادر قضائية مصرية إن النيابة العامة قررت حبس 49 متهماً في قضية «تنظيم حزب الله في مصر»، على ذمة التحقيقات لمدة 15 يوماً، وإن احتساب هذه المدة يبدأ بعد أسبوعين من الآن، لـ «فك فترة الاعتقال» التي أمضاها المتهمون منذ أكثر من أربعة أشهر. وفي وقت أكدت فيه مصادر في مكتب النائب العام سلامة الإجراءات المتبعة في اعتقال المتهمين، وهم مصريون وفلسطينيون، يتزعمهم لبناني، جددت مصادر أمنية أمس قولها إن إيران قد تكون لها علاقة بالقضية، فيما قال رئيس هيئة الدفاع عن المتهمين، منتصر الزيات، إن الإجراءات القانونية التي اتبعت في سير القضية، والتلويح بإعطائها أبعاداً سياسية، تأتي لصالح المتهمين، لا ضدهم.

وبينما أجلت مصادر دبلوماسية إيرانية في القاهرة التعليق على ما أعلنته المصادر الأمنية المصرية، عن أن اثنين من المتهمين يعملان في قناة فضائية إيرانية بالقاهرة، أوضحت أنه «لا توجد لإيران أي مكاتب لقنوات فضائية في مصر». وقالت مصادر بالسفارتين اللبنانية والفلسطينية إنه لا علم للسفارتين بتفاصيل القضية، وأنهما ما زالتا تتابعانها من خلال ما ينشر في وسائل الإعلام. ودخلت «الشرق الأوسط» أمس الشقة التي كان يقيم فيها المتهم الرئيسي في القضية واسمه سامي فهمي شهاب، وتحدثت مع عدد من شهود العيان ومالك العقار، الذين أفادوا أن شهاب كان يدخن السجائر ولا يستقبل زواراً عادة في شقته، وأن عملية اعتقاله لم تحدث داخل الشقة.

ووجهت نيابة أمن الدولة لأعضاء التنظيم تهماً منها الإعداد لعمليات تخريبية داخل مصر واستهداف السفن العابرة بقناة السويس ومهاجمة الفنادق والمنشآت السياحية بشمال وجنوب سيناء والدعوة لنشر المذهب الشيعي والعمل على تهريب أسلحة عبر الحدود المصرية مع غزة. وتقع الشقة التي كان يقيم فيها شهاب، 39 عاماً، في المبنى رقم 15 بشارع هارون بضاحية الدقي الراقية بمحافظة الجيزة الملاصقة لغرب القاهرة، في مربع تقع فيه عدة مبان إدارية مهمة، وسفارات وفنادق، منها المبنى الإداري لمحافظة الجيزة، ومديرية أمن الجيزة، والسفارات السعودية واللبنانية واليمنية، وفنادق سفير وشيراتون القاهرة وبيراميزا. وتحمل الشقة رقم 26 وتقع في الطابق السادس من العمارة المكونة من سبعة طوابق، وكان إيجار الليلة الواحدة، حين استأجرها شهاب في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 150 جنيهاً.

وقال الدكتور فاروق، مالك الشقة، لـ«الشرق الأوسط» إنه لم ير شهاب شكلا، إلا أنه يتذكر أن هذه المرة التي استأجر فيها شقته، كانت هي المرة الثانية، بعد أن كان قد استأجرها قبل أربع أو خمس سنوات. وأضاف: «حين جاء يسكن عندي في المرة الأخيرة لم أكن موجوداً، وحين اتصل بي العاملون في الشقة وأخبروني أنه يريد أن يستأجر الشقة، وافقت وقلت لهم اكتبوا له العقد». وتابع أن العاملين لديه في العقار أخبروه بعد نحو خمسة أيام من سكنه هناك، أن قوات من الشرطة دخلت الشقة وقامت بتفتيشها، وأن عملية التفتيش جرت في غير وجود شهاب». وأضاف: «ظننت أنه تم القبض عليه في قضية مخدرات».

وعما إذا كان قد تمت مصادرة جهاز كمبيوتر من شقة المتهم، أو أن شهاب كان لديه جهاز كمبيوتر، كما أفادت مصادر أمنية لـ «الشرق الأوسط» قال الدكتور فاروق، وشهود عيان آخرون إنه ليس لديهم علم بهذا الأمر، وأنهم لم يروا أية أجهزة كمبيوتر مع شهاب أو في شقته، حتى يوم اختفائه، قائلين إن واقعة القبض لم تتم في الشقة ولكن في مكان آخر لا يعرفونه. وقال جيران لشهاب «إن المتهم الرئيسي، اللبناني، كان متوسط القامة والوزن، وأنه حليق الذقن، ويدخن التبغ (السجاير)، وأنه أمضى أقل من أسبوع في هذه الشقة، وأن قوات الأمن اقتحمت الشقة في الساعة الثانية عشرة ليلا يوم 16 نوفمبر (تشرين الثاني)، ولم يكن المتهم متواجداً بها، وقامت بتفتيشها وقلبتها رأساً على عقب». وأضاف شهود العيان أن رجال الأمن لم يعثروا في الشقة على أي مضبوطات، وأن شهاب اختفى بعد ذلك، دون أن يعرفوا سبب عدم عودته للشقة، إلى أن اتصل شقيقه من بيروت للاطمئنان عليه. ورجح شهود عيان أن يكون شهاب من صغار التجار الذين ينقلون الملابس والحاجيات، مع تجار مصريين آخرين، من القاهرة إلى مدينة رفح المصرية الواقعة على الحدود مع غزة، مروراً بمدن أخرى شرق مصر، منها العريش وبورسعيد التي يعود إليها متهمون مصريون آخرون في القضية نفسها.. لكن خادماً في المبنى قال لـ «الشرق الأوسط»: «شهاب كان في حاله.. يأتي وحده ويمضي وحده، لكنه أحياناً كان يغادر في الليل، ولا يعود إلا في اليوم الثاني.. هو لم يقم في هذه الشقة طويلا.. حوالي أسبوع.. أنا رأيته قبل سنوات، حين كان يستأجر نفس الشقة.. ورأيته بعد ذلك لكن لم تكن الشقة خالية، كما لم يكن لدينا أي شقق خالية في العقار، وأعتقد أنه استأجر شقة في مكان آخر قريب من هنا بداية العام الماضي». وتتكون الشقة التي كان يستأجرها «شهاب» من ثلاث غرف ذات أثاث بسيط، وبها هاتف أرضي، وتلفاز صغير. وقال أحد العاملين في العقار إن الشرطة لم تضع «شمعاً أحمر» على شقة المتهم، أو تحظر التعامل عليها، وأنه جرى تأجيرها لعدة أيام لآخرين في الشهرين الماضيين.

وفي أول تعليق له على تحريات مباحث أمن الدولة المصرية في شأن القضية، اعتبر رئيس هيئة الدفاع عن المتهمين، منتصر الزيات، أن القضية «مفتعلة»، وأضاف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أمس أنه لم يطلع بعد على التحقيقات حتى الآن.. «ولديّ من واقع الخبرة شعور كبير بأن الفضية مفتعلة، والمسألة فيها نواحٍ سياسية مختلفة.. هذا يفسر سبب احتجاز المتهمين هذه المدة الطويلة التي تصل تقريباً لنحو 6 أشهر أو 5 أشهر أو أربعة أشهر.. المهم أن فترة الاحتجاز هذه غير مبررة».

وعن ملابسات القضية، أوضح الزيات أن «بداية الخيط كانت في القبض على اللبناني شهاب، يوم 16 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.. هذا يعني أن هناك محاولة لاصطناع الأدلة.. صاحب البيت الذي كان يقيم فيه شهاب قال إن قوات الأمن حين دخلت الشقة أخذت منها جهاز كمبيوتر فقط (على عكس إفادة مالك الشقة والشهود، لـ «الشرق الأوسط» أمس).

فيما يتعلق بالمدة الطويلة لاحتجاز المتهمين قبل إعلان القضية رسمياً، وإحالتها للنائب العام، وعما إذا كان قانون الطوارئ يخول ذلك للسلطات، أضاف الزيات أن «قانون الطوارئ المصري يعطي للسلطات الأمنية الحق في الاحتجاز والاعتقال، لكنه يُمكِّن المتهم من الاستعانة بمحامٍ والاتصال بذوي المحتجزين أو المعتقلين، والتظلم من قرار الاحتجاز أو الاعتقال بعد 30 يوماً من اعتقاله.. ما حدث مع هؤلاء المتهمين، ليس قانونياً». وقال إن المتهم الرئيسي اعتقل منذ نحو 5 أشهر، أما باقي المتهمين فقد اعتقلوا تباعاً، خلال نوفمبر وديسمبر ويناير (تشرين الثاني وكانون الأول وكانون الثاني) الماضية. وعما إذا كان ما ذكرته مصادر أمنية مصرية من «تورط موظفيْن يعملان في مكتب قناة فضائية إيرانية في القاهرة في هذا المخطط مما يُظهر ضلوع السلطات الإيرانية‏» في القضية، قال الزيات: «إذا كان الموضوع (القضية) سياسياً، فأنا لا أستبعد أي شيء». وكان الزيات قد أصدر بياناً أمس، رداً على ما جاء في بيان النائب العام المصري المستشار عبد المجيد محمود.. «بخصوص البلاغ الذي تلقاه من مباحث أمن الدولة واشتمل على مزاعم رددتها أجهزة الأمن بحق المتهمين في الوقت الذي أغفل فيه سيادته إفادات المتهمين واعترافاتهم من عدمه».

وأضاف الزيات في بيانه الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه أمس: «كنا نود من سيادة النائب العام أن يفصح عن أسباب احتجاز المتهمين قرابة أربعة أشهر في مكان احتجاز غير قانوني وعن سبب مباشرة نيابة أمن الدولة تحقيقاتها مع المتهمين في فترات ليلية». وتابع قائلا: «مع كامل تقديرنا واحترامنا العميق للنائب العام، إلا أننا نرى أنه جاوزه الصواب فيما قرره أن النيابة لم تتلق كتابة أو شفاهة طلب أي محام لحضور جلسات التحقيق مع المتهمين، وربما يكون قد تلقى معلومات غير دقيقة، فالثابت أننا تقدمنا في غضون شهر يناير (كانون الثاني) الماضي بطلب إلى نيابة أمن الدولة أحطناها علماً بوكالتنا عن بعض المتهمين، وأرفقنا صوراً من بعض التوكيلات التي حررت لنا من أسر المتهمين وذويهم. وقال في بيانه أيضاً: «ولا غرو أن عدم اتباع نيابة أمن الدولة إجراءات سليمة في شأن تلقي مثل هذه الطلبات يفسر لصالح المتهمين وليس ضدهم». وقالت مصادر قضائية في مكتب النائب العام المصري لـ«الشرق الأوسط» إن تفاصيل القضية ستتكشف بالكامل، وإتاحة تفاصيلها للرأي العام، بعد الانتهاء من باقي التحقيقات مع المتهمين، مشيرة إلى أن «جميع الإجراءات التي قامت بها مباحث أمن الدولة، والنائب العام، سارت، وتسير وفقاً للقانون». وأمرت نيابة أمن الدولة العليا بحبس المتهمين بالترويج لحزب الله في مصر لمدة 15 يوماً، لكن المصدر القضائي أوضح أن هذه المدة سوف تحسب من بعد أسبوعين من الآن، لأن هذين الأسبوعين يطلق عليهما «فترة فك الاعتقال.. أي فترة تحول المتهمين من معاملتهم كمعتقلين، إلى معاملتهم كمتهمين، يتم تجديد حبسهم بقرار من القاضي المختص». وقال إنه في حال ثبات التهم على المتهمين فإن العقوبة بحقهم قد تصل إلى 25 سنة.