بوتفليقة يتجه للفوز بولاية ثالثة.. ومحاولات لعرقلة الاقتراع في معاقل المسلحين

انقسام في الشارع حول الانتخابات.. وحديث عن «تجاوزات» وانفجار يخلف جريحين

امرأة مسنة تستعد لمغادرة مركز اقتراع بعد الإدلاء بصوتها في العاصمة الجزائرية أمس (إ.ب.أ)
TT

أدلى الجزائريون بأصواتهم أمس لاختيار رئيس لبلادهم من بين ستة مرشحين، فيما حاول دعاة مقاطعة الاقتراع عرقلة العملية الانتخابية في شرق العاصمة. والتحق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الأوفر حظاً بالفوز، رفقه أصغر أشقائه السعيد، وأوسطهم عبد الرحيم أمين عام وزارة التكوين المهني، بمركز انتخاب «البشير الإبراهيمي» الموجود على بعد 200 متر من مقر إقامته الرئاسية بحي الأبيار الراقي. وبعد أن وضع ورقة التصويت في الصندوق، دعي الرئيس من طرف صحافية إلى إعطاء رأيه في «مستوى الأداء الديمقراطي بالجزائر»، لكنه رفض وابتسم، ثم وقف أمام عدسات كاميرات المصورين وركب سيارة فاخرة انطلقت به بسرعة نحو قصر الرئاسة.

ورفض المرشح فوزي رباعين التصريح أيضا بعد الإدلاء بصوته في مركز اقتراع بالعاصمة. أما المرشح محمد السعيد فصوَت رفقة ابنتيه في حي حيدرة بالعاصمة، وقد فوجئ بمنع إحداهما من الانتخاب لأن اسمها غير مسجل في قائمة الناخبين. واحتجت المرشحة لويزة حنون بعد التصويت بوسط العاصمة ضد «تجاوزات تعرض لها مناضلونا في بعض مكاتب التصويت»، من دون توضيح المناطق التي وقعت فيها «التجاوزات» ولا طبيعتها.

ودعا المرشح الإسلامي جهيد يونسي الجزائريين إلى «التصويت بكثافة»، في لقاء مع صحافيين بمركز تصويت بمدينة قالمة (500 كلم شرق العاصمة) التي أقام بها في وقت مضى. وفي ولاية المدية (100 كلم جنوب) التي يتحدر منها، دعا المرشح موسى تواتي إلى «إتاحة الفرصة لتداول حقيقي على السلطة».

من جانبه قال الوزير الأول (رئيس الوزراء) أحمد أويحيى بعد الإدلاء بصوته في وسط العاصمة إنه يعتقد أن نسبة المشاركة «ستكون كبيرة». وأضاف، إن «الشعب هو الذي يقرر الآن»، لكن «نوعية الحملة الانتخابية تبشر بتعزيز تدريجي ودائم للديمقراطية في بلادنا». وأكد اويحيى أن الاقتراع «يخضع للمعايير الديمقراطية»، معلقا على حضور المراقبين الأجانب بدعوة من الحكومة بالقول «إن ثقافة الشك لا تزال قائمة في بلادنا، حيث الديمقراطية لم تتجاوز عشرين سنة».

وتباينت مواقف الجزائريين حيال علمية الاقتراع، بين من يعتبرها مصيرية لمستقبل البلاد، وآخرين رأوا أن الانتخاب لم يعد يشكل بالنسبة إليهم أداة لتحسين مستواهم المعيشي. فقد ذكر مراد، وهو شاب عاطل عن العمل صادفته الـ«الشرق الأوسط» بالقرب من مكتب تصويت بمدينة الحراش شرقي العاصمة: «لقد شاركت في انتخابات 2004 لأن السلطات وعدت البطالين حينها بحصولهم على مناصب شغل، لكن هذه المرة لن تنطلي عليَ هذه الحيلة». لكن امرأة في سن والدته، كانت تستعد لدخول المكتب لم توافقه الرأي وقالت له: «إن بلدك يا ابني في حاجة إليك.. هيا معي لتختار من يمثَلك».

أما حسان، وهو رب أسرة تتكون من ستة أشخاص فقال في مركز للتصويت في براقي بالضاحية الجنوبية للعاصمة: «أدرك جيدا أن حالتي الاجتماعية المتردية لن تتحسن مباشرة بعد الانتخابات، لكني أتساءل إن كان العزوف عن الصندوق هو الحل لمشكلات الجزائر». وذكر سائق سيارة في شركة عمومية، ببئر توتة بالضاحية الجنوبية حول العملية الانتخابية: «ليقل هؤلاء المرشحون ما يريدون حول ما يسمونه تارة واجبا وتارة أخرى حقا في التصويت، المهم عندي أن خزائن الدولة مملوءة بأموال البترول، بينما أنا وملايين الجزائريين أمثالي لا ينتفعون منها. انطلاقا من هذه الحقيقة لا أرى فائدة أجنيها من وراء وضع ورقة في الصندوق».

وترفض سيدة التقتها الـ«الشرق الأوسط» في نفس المنطقة، ما أسمته «التهم الجاهزة» الموجهة ضد دعاة العزوف عن الانتخاب، وقالت: «لقد رمى الوزير الأول (أحمد أويحيى) الأشخاص الذين يروجون لدعوة المقاطعة بالخيانة، وهذا شيء لا يليق لأن المقاطعة موقف مثل المشاركة وكل واحد حر في التصرف وفق ما تمليه عليه قناعته، أما أنا فقد قررت التصويت لصالح السيدة لويزة حنون».

وشهد مركز اقتراع في منطقة بومرداس (50 كلم الى شرق الجزائر العاصمة) انفجار قنبلة خلفت جريحين من الشرطة. وأفاد شهود عيان أن الحادث وقع بالقرب من الناصرية عندما انفجرت قنبلتان كانتا مزروعتين بالقرب من مركز الاقتراع. واضافوا أن قوات الامن فككت عبوتين أخريين في هذه المنطقة التي تعتبر معقلا لتنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي» الذي دعا الى مقاطعة الانتخابات الرئاسية. وأعلن وزير الداخلية ان مسلحين حاولوا القيام بعملية في الناصرية لكنه لم يعط إيضاحات إضافية.

وعلى صعيد سير العملية الانتخابية، أعلن وزير الداخلية نور الدين زرهوني انتشارا امنيا لمراقبة 46577 مركز اقتراع مؤكدا أن نسبة المشاركة بلغت 49 في المائة على الساعة الرابعة والنصف مساء.

وكشف زرهوني للتلفزيون الحكومي أن سلطات ولاية البويرة (100 كلم شرق)، أغلقت مكتبين انتخابيين «بسبب التشويش عليه من طرف أشخاص مكلفين بعرقلة الانتخابات» في إشارة إلى دعاة المقاطعة ينتمون لحزبي «جبهة القوى الاشتراكية» و«التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية». وقال زرهوني «حاولت مجموعة من عشرة إلى 15 شخصا منع الاقتراع في اثنين من مراكز رافور، فحطموا صناديق الاقتراع ما اضطرنا إلى إغلاق المركزين». وهوّن وزير الداخلية من أهمية الحادثة وقال إن عدد الناخبين المسجلين في المكتبين، لا يتعدى 6 آلاف. وتحدث وزير الداخلية أيضاً عن محاولة قام بها مسلحون في الناصرية قرب بومرداس (50 كلم شرق العاصمة)، من دون مزيد من التفاصيل. وتوقع زرهوني معدل مشاركة قياسياً عند غلق مكاتب التصويت في الساعة السابعة مساء. وقال إن نسبة المشاركة بلغت في حدود الواحدة بعد الظهر، 30 بالمائة «وهي نتيجة مشجعة للغاية». وأشار تقديرات موظفين بوزارة الداخلية مسبقاً، إلى أن النسبة قد تتجاوز 70 بالمائة. وسيعلن زرهوني اليوم صباحا عن تفاصيل العملية الانتخابية التي يعتقد على نطاق واسع أن بوتفليقة سيحقق فوزا كاسحا فيها.

واستفاد بوتفليقة من دعم كبير من الأحزاب والمنظمات والجمعيات التي تؤيد فوزه بولاية ثالثة في حملة ركز خلالها على حصيلة السنوات العشر التي قضاها في السلطة. وقد وعد بوتفليقة بخطة تنمية جديدة قيمتها حوالي 150 مليار دولار خلال خمس سنوات، وبناء مليون مسكن وتوفير ثلاثة ملايين وظيفة، كما أعرب أيضا عن عزمه على مواصلة سياسة المصالحة الوطنية. وأدت تلك السياسة التي بدأها منذ 1999 بعد «عشر سنوات سوداء» تخللتها أعمال عنف خلفت 150 ألف قتيل بين اغتيالات واعتداءات ومجازر جماعية، من خلال استفتاءين إلى إنهاء أعمال العنف واستسلام آلاف المسلحين الإسلاميين.

وتحدث بوتفليقة خلال حملته عن استفتاء لإقرار عفو محتمل عن المسلحين الذين لا يزالون يقاتلون في معاقل بعض المناطق باسم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، شرط أن يلقوا السلاح نهائيا. لكن الجزائريين الذين استفادوا فعلا من تحسن الوضع الأمني بدوا عشية الاقتراع منشغلين أكثر بالمشاكل الاجتماعية، لا سيما ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية. ومن الرباط، أدانت نقابة الصحافيين المغاربة، اعتقال صحافيين مغربيين كانا يغطيان الانتخابات الجزائرية، وقالت في بيان ان هشام المضراوي، ومحفوظ آيت صالح من جريدة «الصحراء الأسبوعية»، اعتقلا من طرف السلطات الامنية، ولم يخل سبيلهما إلا بعد مرور وقت طويل من الاحتجاز. وأضافت النقابة أنها «تدين هذه الممارسات» و«تجدد رفضها لأي شكل من أشكال التضييق على حرية الصحافة».