إندونيسيا تتمسك بعلمانية النشاط السياسي والناخبون يميلون إلى رفض الأحزاب الإسلامية

التقديرات الأولية تشير إلى تقدم حزب الرئيس في الانتخابات التشريعية

TT

اسمها صفية، طالبة في مدرسة إسلامية ترتدي الحجاب كدليل على الاحتشام وتصلي فروضها الخمس وتتبنى فكرة مجتمع قائم على المبادئ الإسلامية. ولكن عندما تدلى هذه الفتاة، التي تبلغ من العمر 18 عاما، بصوتها في الانتخابات البرلمانية، التي جرت أمس الخميس، فإنها لن تصوت لصالح حزب إسلامي.

وقالت معترفة بالتعددية الدينية في إندونيسيا ومشيرة إلى ضرورة أن تكون القوانين عادلة لكل الأفراد: «إن الخيار الأصوب هو حكومة لا تقوم على الشريعة الإسلامية. فالإسلام يرشدنا في حياتنا، لكن لا يجب أن يظهر في الطريقة التي نصوت بها».

وعلى غرار صفية، يتوقع أن يقوم غالبية الناخبين في هذه الدولة الإسلامية الأكبر، من حيث عدد السكان، بالتصويت لصالح الأحزاب العلمانية. وعلى الرغم من أن الإسلام السياسي يكتسب قوة كبيرة في العالم إلا أنه لم يحقق نجاحا انتخابيا كبيرا في إندونيسيا. وتظهر استطلاعات الرأي أن الإندونيسيين يصبحون أكثر التزاما من الناحية الدينية في حياتهم الخاصة، ومع ذلك تشير الإحصاءات إلى أن ذلك التحول لن يترجم إلى دعم للأحزاب الإسلامية في الانتخابات البرلمانية أمس أو الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في يوليو (تموز). وقال وزير الدفاع جوونو سودارسونو في مقابلة معه في مكتبه في العاصمة الإندونيسية، جاكرتا: «يبدي عدد متنامٍ من الشباب اهتماما متزايدا بالقضايا المعيشية، ولا تحظى الأحزاب التي تدافع عن تطبيق الشريعة أو القوانين الإسلامية بالكثير من الدعم».

وأحد تلك الأسباب هي أن الأحزاب الإسلامية فازت في الانتخابات المحلية في الماضي لكنها بدلا من أن تبني قوة لمثلها، فإن التجارب مع القوانين الإسلامية أفرزت نتائج سلبية. وفي هذه الأثناء تبنت الأحزاب الرئيسية مواقف خصومها الإسلامية. وقال آندي مالارانغنغ، المتحدث باسم الرئيس سوسيلو يودويونو، عضو الحزب الديمقراطي العلماني: «لكي تفوز، لا بد وأن تتجه إلى الوسط». وأضاف أن هذا الوسط هو الذي يصهر المثل الإسلامية ببرامج لتقديم الأسس الاقتصادية كالطعام والوظائف.

وأضاف مالارانغنغ: «الأحزاب الإسلامية موجودة وسوف تحظى بنصيب في هذه الانتخابات، لكنها لن تكون المهيمنة في ذلك».

وقد أظهرت الانتخابات الوطنية السابقة ذلك بوضوح، ففي عام 2004 لم تحصل الأحزاب الإسلامية إلا على حوالي 40% من أصوات الناحبين. لكنه يتوقع أن تحصل هذه المرة على 24% وذلك حسب الاستطلاع الذي أجراه معهد البحث الإندونيسي، ويتوقع أن تفوز الأحزاب العلمانية بـ 67% من الأصوات على الرغم من أن الاستطلاعات كانت غير ذلك في الماضي. ولا تؤيد كل الأحزاب الإسلامية تطبيق الشريعة ويبتعد العديد منها عن مثل تلك البرامج.

القسم الأكبر من التحدي الذي تواجهه الأحزاب الدينية هو التنوع فوق العادي لتلك الدولة الأرخبيلية التي تتألف من أكثر من 14 ألف جزيرة وتضم التسامح بين عناصرها الأساسية. ويشكل المسلمون 90% من هذه الدولة التي تعد رابع أكبر دول العالم من حيث عدد السكان، لكنهم يمارسون صيغة فريدة من الإسلام الجنوب شرق آسيوي. وتتضمن التقاليد دق طبلة من جلد الأبقار إلى جانب المؤذن للصلاة، وهناك اعتقاد في وجود الأرواح، وكذلك الطقوس الأخرى كأن يقوم الأب الذي رزق بابنة جديدة بارتداء ثياب امرأة.

وتنافس في انتخابات الأمس 38 حزبا وطنيا على مقاعد البرلمان الإندونيسي التي يبلغ عددها 550 مقعدا ومجلس تمثيل إقليمي ومجالس محليات ومقاطعات ومدن، ويحق للحزب أو التحالف الذي يحصل على 20% من الأصوات تقديم مرشح للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 9 يوليو.

واتسمت الحملة الانتخابية بالقوة على مدار أسابيع شملت مسيرات للناشطين وهم يلوحون بالأعلام والمنشدين للشعارات الحزبية في شوارع جاكرتا ليل نهار، وكان الإندونيسيون الذين يحضرون تلك المسيرات يحصلون على هدايا كقمصان أو وجبات غداء أو حتى ورقة نقدية بمبلغ 20 ألف روبية (ما يعادل دولارين). ويشير الإندونيسيون إلى أن الفساد أكبر المشكلات المتعلقة بالحكومة، حيث كان جزء من المآخذ على الأحزاب الإسلامية التي ينظر إليها في المعتاد على أنها طاهرة اليد. لكن منذ ذلك الحين ارتبط عدد قليل من ممثلي الأحزاب الإسلامية بفضائح الفساد. ويقول بعض الإندونيسيين إنهم غير مهتمين بالانتخابات هذه المرة ومن ثم فإنهم لن يشاركوا فيها. يذكر أنه خلال الحكم الدكتاتوري للرئيس سوهارتو الذي امتد على مدار 32 عاما وانتهى في عام 1998، كان يلقى دعما من المؤسسات الإسلامية التي ساعدت الحكومة في الإجهاز على المعارضين المشتبه بهم. وقد سمح سوهارتو بمقدار من الحرية للجماعات الإسلامية أكبر مقارنة بما حظيت به الجماعات السياسية الأخرى، وخلال عامه الأخير في السلطة ساهم في إعداد جيل من الناشطين الإسلاميين، حسب ما يقوله زولكي فليمنسياه، عضو البرلمان عن حزب العدالة والرفاهية ذي التوجهات الإسلامية.

في عام 2004، سمح قانون بإجراء انتخابات محلية وانتخب مسؤولون حاولوا تطبيق الشريعة الإسلامية بدءا من مطالبة النساء بارتداء غطاء الرأس عند العمل في مكاتب الحكومة ومنع النساء من الخروج بمفردهن خلال الليل.

لكن عندما طبقت هذه القوانين شهدت ردة فعل من الإندونيسيين الذين أبدوا خيبة أملهم من القبض على عدد من النساء كن ينتظرن الحافلات لركوبها إلى العمل قبل النوبة المسائية في المصانع، أو الغارات على غرف الفنادق للقبض على الأشخاص غير المتزوجين، وبدأت الأحزاب الإسلامية في التراجع عن الحديث عن الشريعة الإسلامية. وقال جيمس كاسل، محلل الشؤون السياسية والاقتصادية الإندونيسية: «إن الحديث عن القانون الإسلامي لا يساعد في اجتذاب الأصوات». لكن يرى البعض انقساما في الأجيال بين الشباب الإندونيسي المستعد لصهر القيم الإسلامية مع الديمقراطية، والإندونيسيين الأكبر سنا الذين قضوا القسم الأكبر من حياتهم في ظل حكم سوهارتو ويسعون الآن لتطبيق الشريعة الإسلامية. وقال زولكي فليمنسياه: «إذا لم نتحدث عن الشريعة الإسلامية فسوف نخسر قاعدتنا». ويأمل لإندونيسيا أن تصبح دولة «ديمقراطية في نظامها السياسي وإسلامية في قانونها الأخلاقي».

وقد اتخذ السياسيون من الحزب الحاكم بعض المواقف في محاولة لجذب الناخبين المتدينين مثل دعم قانون حظر الصور الإباحية التي قدمتها الأحزاب الإسلامية. ويقول المحللون إن إندونيسيا تتقاسم بعض السمات مع تركيا حيث عانى الحزب ذو الجذور الإسلامية الذي تولى السلطة، من بعض الهزائم في الانتخابات المحلية الأخيرة، ومن الممكن أن تأخذ إندونيسيا دور الريادة من ماليزيا التي لم يكن أداء الأحزاب الإسلامية فيها جيدا في العامين الماضيين.

وبحسب تقديرات أولية نشرها مركز للاستطلاعات فإن الحزب الديمقراطي للرئيس الاندونيسي سوسيلو بامبانغ يودويونو يتقدم في الانتخابات التشريعية.

وقال معهد «إل إس آي» الخاص إن الحزب الديمقراطي نال 18.6 في المائة من الأصوات متقدما على غولكار، حزب الديكتاتور السابق سوهارتو (15.9 في المائة) وحزب النضال الديمقراطي بزعامة الرئيسة السابقة ميغاواتي سوكارنو بوتري (15.39 في المائة). وصدرت هذه التقديرات استنادا إلى فرز للأصوات في 2100 مكتب اقتراع من بين 520 ألفا في إندونيسيا. ولن تعلن النتائج الرسمية قبل أيام عدة. وعلى الصعيد السياسي تشكل هذه الانتخابات اختبارا مهما للرئيس سوسيلو بامبانغ يودويونو قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الرئاسة في الثامن من يوليو.

ويعتبر هذا الجنرال السابق البالغ التاسعة والخمسين ويعتمد منذ 2004 سياسة وسطية وتوافقية، الأوفر حظا للفوز بولاية جديدة من خمس سنوات على رأس أكبر دولة إسلامية في العالم من حيث عدد السكان.

ولتسهيل مهمته يراهن على أداء جيد للحزب الديمقراطي الذي يتزعمه خلال الانتخابات التشريعية التي يتنافس فيها 38 حزبا.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»