واشنطن تدرس استهداف المتطرفين الصوماليين بعد احتجاز أميركي

مسؤولون: 20 شابا أميركيا من أصول صومالية التحقوا بشباب المجاهدين

TT

يتباحث مسؤولو إدارة أوباما حاليا في كيفية مواجهة التهديد الإرهابي المحتمل الموجه إلى المصالح الأميركية من قبل جماعة صومالية متطرفة، وتبين أن البعض داخل المؤسسة العسكرية الأميركية يناصرون فكرة شن هجمات جوية على معسكرات التدريب الخاصة بها. إلا أن الكثير من المسؤولين يصرون على أن الشك وعدم اليقين اللذين يكتنفان نوايا تنظيم شباب المجاهدين يمليان عليهم نهجا غير عسكري وأكثر صبرا. وحسبما أفاد مسؤولون بارزون في الأمن القومي لم يرغبوا في الكشف عن أسمائهم ملقين بدائرة الضوء على محادثات الحكومة، فإن تنظيم «شباب المجاهدين» الذي قاتل محاربوه المحتلين الإثيوبيين، والحكومة الصومالية الهشة، يفرض تهديدا أشبه بالكارثة على الإدارة الأميركية. وأثار التوسع السريع للتنظيم، والروابط الكامنة بين قادته وتنظيم القاعدة، ووجود الأميركيين والأوروبيين في معسكراته، تساؤلا حول ما إذا كان قد تم بالفعل اتخاذ قرار بشأن توجيه ضربة وقائية إلى المعسكر أم لا. ومع ذلك، فما زالت أهداف الجماعة داخلية إلى حد بعيد حتى الآن. وعلاوة على ذلك، يشير المسؤولون إلى أن الاستخبارات الأميركية ليس لديها أدنى دليل إزاء تخطيط الجماعة لشن هجمات خارج الصومال. ومنذ الأربعاء الماضي، يحتجز مسلحون سفينة الشحن مايرسك الاباما التي تبلغ حمولتها 17 ألف طن، ونجح الطاقم الأميركي المؤلف من 20 فردا من استعادة السيطرة على السفينة، بعد مواجهة وقعت على مسافة بعيدة في منطقة اختطف فيها القراصنة 5 سفن أخرى في أسبوع، إلا أن القراصنة الصوماليين تمكنوا من احتجاز قبطان السفينة ريتشارد فيليبس رهينة في زورق إنقاذ بالمحيط الهندي في أول حادث من نوعه لاحتجاز مواطن أميركي. وأرسل أوباما سفن البحرية الأميركية لحماية سفينة الشحن الدنماركية التي ترفع علم الولايات المتحدة.

ومن شأن شن أي هجوم أميركي على معسكرات تنظيم الشباب جنوب الصومال أن يكون أول ضربة عسكرية موجهة من الإدارة خارج الميادين الحربية العراقية والأفغانية والباكستانية. وسلطت نقاشات البيت الأبيض دائرة الضوء على التحديات التي تواجه فريق أوباما في الوقت الذي تحاول فيه أن تنأى بنفسها عن سياسة إدارة بوش، التي شنت في السابق 5 هجمات عسكرية على الأقل في الصومال. ويشعر بعض المسؤولين بوزارة الدفاع بالإحباط مما ينظرون إليه على أنه إخفاق حيال التصرف. ومن جانبهم يوضح الكثير من مسؤولي الأمن القومي الآخرين أن أي ضربة عسكرية غير معد لها جيدا سيكون لها عواقب سياسية ودبلوماسية سلبية ستتجاوز في مداها القرن الأفريقي. ومن الخيارات الأخرى المطروحة للدراسة، زيادة الضغوط المالية والنشاط الدبلوماسي، بالإضافة إلى مضاعفة الجهود الرامية إلى حل الاضطراب السياسي الكبير في الصومال.

وجرت آخر النقاشات المتعلقة بهذه القضية طليعة هذا الأسبوع، وذلك قبل استيلاء القراصنة الصوماليين على باخرة تجارية أميركية في المحيط الهندي، واحتجاز قبطانها الأميركي بعيدا عن الباخرة سعيا للحصول على الفدية. ولم تستبعد الإدارة الأميركية إمكانية توجيه هجمات صاروخية يتم إطلاقها من طائرة موجهة من دون طيار، مثل تلك التي تتم في باكستان، مستهدفة ما تقول الاستخبارات الأميركية عنهم إنهم كبار أعضاء تنظيم القاعدة. إلا أن الغموض يحول دون وجود أي دليل صريح تجاه تنظيم الشباب الصومالي إلى حد بعيد، كما أن أي رأي يؤيد شن هجوم على أهدافهم، يقوم في المقام الرئيسي على مدى التهديد المحتمل الذي تفرضه الجماعة على المصالح الأميركية. وأفاد مسؤول أميركي مختص بمكافحة الإرهاب بأن «ثمة قلقا متزايدا مما يمكن أن يصنعه الإرهابيون العاملون في الصومال». وطبقا للمسؤولين البارزين الآخرين، فإن هذه المعسكرات قد أفرزت مئات المقاتلين. وأوضح مسؤولون استخباراتيون في مكتب التحقيق الفيدرالي أن 20 شابا أميركيا من أصول صومالية غادروا البلاد قاصدين الصومال خلال السنوات الأخيرة للتدريب ومحاربة الحكومة الصومالية والقوات العسكرية الإثيوبية المحتلة ضمن صفوف الشباب. وفي شهر فبراير (شباط)، فجر شيروا أحمد ـ الحاصل على الجنسية الأميركية والقاطن في مينابوليس، والبالغ من العمر 27 عاما ـ نفسه في تفجير انتحاري في الصومال قُضي فيه هو وكثير آخرون. وأوضح فيليب مود ـ الرجل الثاني في فرع الأمن القومي بمكتب التحقيقات الفيدرالي ـ أمام الكونغرس الشهر الماضي، أنه في الوقت الراهن يتم استخدام المحاربين الأميركيين والكنديين والأوروبيين في معسكرات الشباب التدريبية بصورة رئيسة كفدائيين في الحروب الداخلية الفوضوية بالصومال. واستفاض: «ليس لدينا كيان جدير بالثقة حتى الآن يمكنه أن يقدم إلينا التقارير التي تقودنا إلى الاقتناع بما إذا كان هؤلاء المجندون الأميركيون يتم تدريبهم في الوقت الحالي للعودة إلى الولايات المتحدة لتنفيذ أعمال إرهابية أم لا. ومع ذلك، فإن القلق ما زال يعترينا حيال ذلك، ونراقب الوضع عن كثب». ويشير بعض المسؤولين إلى أن هؤلاء المدربين في تلك المعسكرات يمكنهم أن يغادروا الصومال، ويشقون طريقهم عبر الدول قاصدين اليمن، حيث الوجود الكبير للقاعدة هناك. إلا أن هناك مسؤولين آخرين أفادوا بأن الانتقال خارج الصومال ضئيل للغاية.

جدير بالذكر أن حركة «شباب المجاهدين» تأسست من البقية الباقية من الحكومة الأصولية، التي أطاح بها الغزو الإثيوبي المدعوم من الولايات المتحدة عام 2006. وانضم الكثير من مجنديها إلى قتال الإثيوبيين الذين انسحبوا في الوقت الحالي إلى حد كبير، وأوضح المسؤولون أن الاستخبارات الأميركية ترى أن أغلب مقاتلي الشباب انجذبوا إلى التنظيم لدوافع قومية أكثر من كونها اهتماما بالإرهاب العالمي. وباتت هذه الجماعة هي القوى الأعظم داخل الصومال، كما أنها تسيطر على رقعة كبيرة من الأراضي الصومالية جنوب البلاد، وتخوض صراعا محتدما مع الحكومة الحالية التي تتولى السلطة في البلاد. الى ذلك عقد شبان إسلاميون مطلع أبريل (نيسان) مؤتمرا صحافيا نقل على الإنترنت في محاولة لتجنيد أميركيين صوماليين آخرين لإرسالهم إلى بلدهم الأصلي من أجل الاستعداد لـ«الجهاد»، كما أعلنت مجموعة مراقبة للمواقع الالكترونية المتطرفة أول من أمس. وأوضحت المجموعة الأميركية المتخصصة في مراقبة المواقع الالكترونية الإسلامية المتطرفة ان «أميركيين اثنين» تحدثا أثناء مؤتمر صحافي نقل على الانترنت عن «العديد» من الاميركيين الصوماليين «الموجودين في كل مكان في الصومال للالتحاق بالجهاد».

وقال الشابان إنهما صوماليان آتيان من الولايات المتحدة وموجودان قرب مرفأ كيسمايو بجنوب هذا البلد الذي تجتاحه الحرب الأهلية والذي أصبحت سواحله عرضة للقرصنة البحرية. وقال أحدهما أثناء هذا المؤتمر وقد ترجم عباراته عمر جمال مدير مركز «صومالي دجاستيس ادفوكايسي» في سانت بول في ولاية مينيسوتا (شمال) «إن البعض منا يواصلون التدريب وآخرون أصبحوا في الخط الأمامي للجهاد. وآخرون قتلوا إثر هجوم انتحاري». وأضاف «نحن جئنا إلى هنا للقتال إلى جانب أشقائنا الشباب» المجموعة الإسلامية المتطرفة المتهمة بالارتباط بتنظيم القاعدة التي تخوض تمردا داميا منذ عام 2006. وتعد الجالية الصومالية في الولايات المتحدة ما بين 150 ألف و200 ألف شخص، نصفهم يقيمون في منيابوليس (منيسوتا). وقد هاجر معظمهم مطلع التسعينات هربا من العنف الذي يدمي بلادهم. وفي 11 مارس (آذار) أكد المسؤول في الشرطة الفدرالية الأميركية فيليب ماد أمام مجلس الشيوخ أن مسألة تجنيد شبان اميركيين ـ صوماليين أرسلوا إلى الصومال للقيام بأنشطة إرهابية يشكل إحدى أولويات «اف بي آي». وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2008 نفذ أميركي صومالي في السابعة والعشرين من العمر ويدعى شروا أحمد من منيابوليس اعتداء انتحاريا في الصومال، وقد يكون أول مواطن أميركي يرتكب مثل هذا العمل.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»