كرة القدم همزة وصل بين فلسطينيي الضفة.. والحياة الطبيعية

جبريل الرجوب: للمرة الأولى منذ سنوات نحظى بدوري من الألف إلى الياء

TT

خلال مباراة لكرة القدم بين أطفال في السادسة، وقف عمر أبو حمد، مدرب فريق وادي النيص، المشهور بالنسور الزرقاء، والذي يتبع اتحاد كرة القدم الفلسطيني، يستكشف أرض الملعب بحثاً عن الجيل القادم من اللاعبين ـ بما في ذلك اثنان من أبناء نجومه الحاليين. وأكد أبو حمد أنه إذا ما سارت الأمور على نحو طيب، فإن هذه القرية الواقعة بالضفة الغربية المحتلة، ويبلغ عدد سكانها 800 نسمة، ستمضي قدماً في إنجاب لاعبين مهرة في مجال كرة القدم، بإمكانهم الإسهام في فريق وطني فلسطيني جدير بالمنافسة على الساحة الدولية. وفي حديثه عن الأطفال، قال أبو حمد: «إن موهبتهم تضعهم على الطريق الصحيح. وإن السمعة أمر مهم للغاية بالنسبة لنا، فنحن نسعى إلى بناء فريقنا».

في الخريف الماضي، أنجز اتحاد كرة القدم موسماً رياضياً كاملا تضمن 21 مباراة. ورغم أن ذلك ربما لا يبدو خطوة كبرى نحو الأمام، فإنه يبقى العنصر الذي منح مشجعي أندية كرة القدم في 22 مدينة وقرية نفحة من الحياة الطبيعية، وفرصة للتلويح بالأعلام في إطار مغاير للصدامات باستخدام الحجارة أو الغازات المسيلة للدموع.

جدير بالذكر أن المباريات أرجئت لسنوات بسبب الانتفاضة الفلسطينية العنيفة التي اندلعت عام 2000. لكن يبدو أن الاهتمام بالرياضة في تحسن مستمر في ظل توجيه جبريل الرجوب، المعروف باسم اللواء والذي تولى إدارة واحد من الكيانين الرئيسيين المعنيين بالخدمات الأمنية في عهد رئاسة القائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. ورغم استمراره في نشاطه السياسي، يتولى الرجوب حالياً رئاسة اتحاد كرة القدم الفلسطيني، وعمد إلى استغلال هذا المنصب لتعزيز نمط مشروعات بناء الأمة التي غالباً ما تعرضت للتجاهل في أعقاب توقيع اتفاقات أوسلو.

وقد تكلف تجديد استاد الحسيني في رام الله ليصل إلى مستوى المعايير الدولية قرابة 3 ملايين دولار من التبرعات الخارجية، إلى جانب بعض التمويل المحلي. وفي الخريف الماضي، لعب الفريق الوطني الفلسطيني أول مباراة له على الإطلاق يقرها الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) أمام نظيره الأردني، وانتهت بالتعادل الإيجابي: 1-1. ومن التطورات المهمة أيضاً حصول نادي وادي النيص على مكافأة قدرها 25 ألف دولار عن جهوده خلال الموسم الماضي، الأمر الذي سيمكن النسور الزرقاء من الاستثمار بشراء أحذية ومعدات جديدة، بل ربما الشروع في بناء ملعب خاص بهم. يذكر أن الفريق يتدرب حالياً على نفس الملعب سالف الذكر الذي كان يلعب عليه الأطفال والذي تم تمهيده باستخدام الزفت. وقد حصل اتحاد الكرة الفلسطيني هذا العام على أول مكافأة تنموية على الإطلاق من جانب الفيفا. من جهته، قال الرجوب: «للمرة الأولى منذ سنوات نحظى بدوري من الألف إلى الياء. وللمرة الأولى في تاريخ فلسطين يصبح لدينا دوري للنساء. ولدينا ملعب. إن ذلك لم يحدث من قبل قط. أما إحدى المشكلات التي نواجهها فتتمثل في كيفية إقناع المجتمع الدولي بأننا جديرين بالاستقلال. كما أن تمثيل الشعب الفلسطيني عبر الرياضة يعد تطورا مهما ـ لإقناع العالم بأننا طبيعيون». ومن المؤكد أن كرة القدم تحولت إلى أمر بالغ الأهمية بالنسبة لوادي النيص. يذكر أن القرية تقع على جانب أحد التلال جنوب بيت لحم، بالقرب من مستوطنة عفرات الإسرائيلية. من جهته، قال سالم أبو حمد، مدير فريق كرة القدم بالقرية، إن المنطقة لم تشهد وقوع صدامات خطيرة خلال الانتفاضة. ويعمل الكثير من رجال القرية في تقطيع الأحجار بأحد المحاجر القريبة المملوكة لفلسطينيين. وبوجه عام، تتميز الحياة في القرية بالهدوء، ويرتبط الجميع، إما بصلات قرابة الدم أو المصاهرة، بعشيرة أبو حمد. وعليه، أصبحت كرة القدم، مثل كافة القضايا الأخرى بالقرية، شأناً عائلياً. بل إن فريق كرة القدم ذاته مؤلف في معظمه من أشقاء وأبناء عمومة، لكنهم استعانوا بلاعب أو اثنين من خارج وادي النيص. ورغم أن هذه القرابة قد تثير المشكلات ـ خاصة عندما يتعلق الأمر بانتقاد أسلوب لعب شقيق أو قريب ـ فإن سالم أبو حمد يؤكد أن الجميع يثقون في حكمه.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»