التأخير في منح التأشيرات يهدد بإخراج العلماء وذوي الخبرات العالية من الاقتصاد الأميركي

هل لا تزال أميركا ترغب في علمائها الأجانب؟

TT

عندما تلقى سيروجيت ساركار اتصالا هاتفيا يعلمه بأن والده يعاني من شلل مفاجئ، حزم حقيبته الصغيرة وودع زوجته وابنته البالغة من العمر عشرة أشهر، وأسرع إلى مطار أتلانتا ليستقل الطائرة إلى الهند، حيث كان الابن الوحيد يرغب في البقاء إلى جوار والده تحسبا للأسوأ.

ظن ساركار أنه سيمكث في نيودلهي لعدة أسابيع، لكن أكثر من ثلاثة شهور انقضت ولا يزال ساركار حتى الآن عالقا في الهند، بسبب تأشيرة العمل الأميركية؛ إذ إن موظفي القنصلية رفضوا تجديد طلب التأشيرة لأسباب أمنية.

وساركار واحد من بين آلاف العلماء والأساتذة والمتخصصين التكنولوجيين ذوي الخبرات العالية، ممن قدموا من دول شتى، بداية من بكين إلى بيلاروسيا، الذين علقوا في بلادهم في الشهور الأخيرة مما أثار الفوضى في حياتهم وأعمالهم ومدارس أبنائهم. وتساءل العديد منهم عما إذا كانت الولايات المتحدة لا تزال ترغب في علمائها الأجانب.

وقال ساركار، البالغ من العمر 36 عاما، وهو العالم الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة ويجري أبحاثه على لقاحات مرض إتش آي في (الإيدز) في كلية الطب بجامعة إيموري: «عندما قلت لهم إنني أحمل شهادة الدكتوراه وأعمل في مجال اللقاحات، أوقف مسؤول التأشيرات ما كان يقوم به، واعتقد أنني نطقت بكلمة تشكل تهديدا أمنيا. وأنا أفهم تماما أهمية التدقيق في أوراق طالبي التأشيرات لحماية الدولة، لكني أرغب في العودة إلى عائلتي وأبحاثي. إنني لم أشهد أولى خطوات ابنتي وأول عيد ميلاد لها». وساركار مهاجر شرعي كان يدفع الضرائب لأكثر من عقد كامل. وقال ديفيد دوناهيو، مساعد وزيرة الخارجية لخدمات التأشيرات «تزايد معدل التأخير في منح تأشيرات دخول الولايات المتحدة نتيجة لازدياد الطلب عليها عبر العالم».

وأضاف دوناهيو أن ارتفاع مستوى معيشة الطبقات المتوسطة في كل من الصين والهند والمكسيك والبرازيل أدى إلى زيادة قدرة الأفراد على السفر للدراسة بالخارج، وقد ارتفع معدل انتظار الحصول على تأشيرة الولايات المتحدة إلى حوالي ثلاثة أشهر، وأشار إلى أن مكتبه لا ينشر عدد طالبي التأشيرة لأسباب أمنية، لكن عدة آلاف انضموا إلى جماعات الدعم على الفيس بوك بشأن تلك القضية. وقال دوناهيو في المقابلة التي أجريت معه عبر الهاتف «لقد استأجرنا موظفين إضافيين وسوف يتضاءل معدل وقت الانتظار بالنسبة للقضايا التي تتطلب معالجة سريعة لتنخفض إلى ما بين أربعة إلى ستة أسابيع بنهاية الصيف، لكننا نتفهم تلك المخاوف. كما أننا نتفهم الصعوبة عندما يكون لديك أسرة ووظيفة وعائلة وإيجار».

بدأت مشكلة العلماء من أمثال ساركار عندما قامت الولايات المتحدة بتطبيق إجراءات أمنية في أعقاب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، خاصة بالنسبة للعاملين في المجال العلمي والتكنولوجي الذي تعتبره الحكومة «بالغ الحساسية».

وأشار أمان كبور، من منظمة إميغريشن فويس دوت كوم (صوت الاغتراب) غير الربحية، إلى أن الزيادة في أوقات الانتظار تجعل من الصعوبة بمكان بالنسبة لبعض أذكى العقول في العالم وأفضل العلماء العمل في الولايات المتحدة.

وقال أمان: «هؤلاء هم خيرة العلماء والمهندسين، لن تؤثر تلك التأخيرات في نهاية الأمر إلا على الاقتصاد الأميركي».

وتحوي الملفات الضخمة الوثائق القانونية لأكثر من 25 عالما ومتخصصا في مجال التكنولوجيا منعوا من الحصول على التأشيرات وتجمعوا لكي يرووا قصصهم؛ حيث حصل بعضهم على إجازة دون راتب والبعض الآخر يفتقد العلاج الطبي وبعضهم فاتته اجتماعات العمل.

وقد فقد ابن ديبيكا موهان، البالغ من العمر 11 عاما، الكثير من العام الدراسي في انتظار التأشيرة، وهو ما سيفوت عليه العام الدراسي. وتعمل موهان خارج بوسطن في اختراع آلة تشخيص طبية.

وقالت بصوت حزين: «ظل ابني عالقا لمدة أربعة شهور». وقد حصلت موهان وعائلتها على التأشيرات مؤخرا، لكن ابنها الذي لم يسجل اسمه في المدارس الهندية لم يحصل على التأشيرة لأن العائلة لم تكن تعلم المدة التي ستتأخر فيها التأشيرة، وهو الأمر الذي أضاع العام الدراسي عليه.

وعلى الرغم من أن أصحاب أعمال هؤلاء العلماء يتوقون لعودتهم إلى العمل، فإن ساركار وآخرين قالوا إنهم لن ينتظروا إلى الأبد، خاصة في ظل هذا المناخ الاقتصادي الصعب. وقال: «لقد عشت غالبية حياتي في الولايات المتحدة وهي الآن كمنزل بالنسبة لي. وأنا أشعر بأنني عالق هنا دون رخصة قيادة أو حسابي البنكي، وإذا ما خسرت وظيفتي فإن منزلي سيضاف إلى قائمة المنازل حبيسة الرهن».

* خدمة «واشنطن بوست» خاصة بـ«الشرق الأوسط»