جدل حول فتوى شلتوت بشأن جواز التعبد على المذهب الجعفري

الشيخ العسال: مبدأ عصمة الأئمة عند الشيعة لا يجوز شرعا لأن الله تبارك وتعالى هو وحده المعصوم

د. يوسف القرضاوي
TT

أثير جدل أمس حول فتوى للشيخ محمود شلتوت، شيخ الأزهر الأسبق، تبيح التعبد على المذهب الجعفري، بين الباحث المصري عصام تليمة المقيم في قطر والشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي أكد في موقعه الإلكتروني أنه لا توجد فتوى بهذا الشكل. وخلال لقاء بين الشيخ القرضاوي وشباب حاضرين في دورة «علماء المستقبل»، التي ينظمها اتحاد العلماء في القاهرة، الأسبوع الماضي، وعقب إلقائه محاضرة عن «الفتاوى الشاذة» في الفقه الإسلامي، سأله أحد الصحافيين الحاضرين «إذا ما كان فضيلة الشيخ محمود شلتوت ـ رحمه الله ـ قد أصدر فتواه بجواز التعبد على المذاهب الإسلامية الثابتة والمعروفة والمتبعة، ومنها مذهب الشيعة الإمامية الجعفري»، فبادره الشيخ بالإجابة: «أنا أقول لك: هات لي الفتوى دي (هذه) في أي كتاب من كتبه.. أنا لم أرَ هذه الفتوى.. أي واحد منكم فليقُل إني (أي السائل) شفتها في كتاب كذا أو مجلة كذا»، مضيفا: «أنا عايشت الشيخ شلتوت عدة سنوات، وكنت من أقرب الناس إليه، ما رأيته قال هذا.. أين كتبها؟ وفي أي كتاب من كتبه؟ أنا أخرجت كتب الشيخ شلتوت الأربعة الأساسية.. كتاب (الإسلام عقيدة وشريعة)، وكتاب (فتاوى الشيخ شلتوت)، والأجزاء العشرة الأولى في كتاب التفسير، وكتاب (من توجيهات الإسلام)، وكانت هذه ضائعة في الصحف والمجلات والإذاعة، فجمعت هذه الأشياء أنا وزميلي الأخ أحمد العسال». والشيخ العسال من المفكرين البارزين في العالم الإسلامي، وهو مستشار رئيس الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام أباد. واستطرد قائلا: «تراث الشيخ شلتوت أنا أعلم الناس به.. ما رأيت هذه (الفتوى).. أين هذه الفتوى؟».

وفي تطور لاحق أول من أمس أكد الباحث المصري عصام تليمة في موقع «إسلام أون لاين» إصدار إمام الأزهر الراحل الشيخ محمود شلتوت فتوى تجيز التعبد على المذهب الشيعي ردا على تشكيك الشيخ يوسف القرضاوي في وجود فتوى من هذا النوع. وكان القرضاوي شكك قبل أيام في إصدار الراحل شلتوت فتوى تجيز التعبد على المذهب الشيعي وفقا لموقع «إسلام أونلاين». وفي استجابة لما ذكره القرضاوي على ما يبدو قال الباحث الشرعي المصري عصام تليمة: «لقد صدرت عن شلتوت فعلا فتوى بهذا الأمر» في إشارة إلى فتوى جواز التعبد على المذهب الشيعي. وجاء ذلك في مقالة للباحث نشرها موقع «إسلام أونلاين» بعنوان «نعم.. أفتى شلتوت بجواز التعبد على المذهب الجعفري». ورفض الشيخ القرضاوي أمس التعليق على ما نسب إليه بخصوص فتوى الشيخ شلتوت في أكثر من اتصال هاتفي أجرته «الشرق الأوسط» أمس مع سكرتيره الخاص.

ونصت فتوى الشيخ شلتوت على أن «مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الإثنا عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعا كسائر مذاهب أهل السنة». وحول التشكيك في أصل الفتوى «استنادا إلى أن القرضاوي جمع الكتب الأربعة الأساسية للشيخ شلتوت ولم يجد فيها إشارة إلى تلك الفتوى»، قال الباحث تليمة: «إن كتب شلتوت طبعت قبل صدور هذه الفتوى». وأوضح أن تراث شلتوت لم يُجمع كاملا رغم محاولة الأزهر المتمثلة في تكليف القرضاوي والعسال جمع ما أنتجه شلتوت من مقالات وبحوث في كتب».

وفي مسألة أخرى قال الشيخ القرضاوي ردا على سؤال حول وجوب ارتداء النقاب من عدمه: «النقاب أمر أوجبه بعض العلماء وأجازه بعض العلماء.. وأنا لا أرى أنه واجب.. وإنما من أرادت أن تنتقب فلها حريتها في هذا.. وإن كنت أنا في عصرنا هذا أرى أن الأولى بالمسلمة أن لا تنتقب حتى تستطيع أن تختلط بالمتكشفات وأن تقترب منهن».

ورجع الشيخ ذلك إلى أن «المحجبة قريبة قليلا (من المتكشفة)»، متسائلا: «أما المنتقبة فكيف تستطيع أن تدعو المتكشفة وبينها وبينها مراحل ومراحل؟»، وأضاف: «لي رسالة اسمها (النقاب) بين القول بفرضيته والقول ببدعيته.. هناك أناس يقولون إن النقاب بدعة، وأناس يقولون إن النقاب فرض، وأنا لا أوافق هؤلاء ولا هؤلاء». وأوضح: «النقاب ليس بدعة.. (هناك) قول في مذهب الحنابلة وقول في بعض المذاهب، وإن كان جمهور الفقهاء يرون أن وجه المرأة ليس بعورة، حتى الإمام ابن قدامة شيخ الحنابلة يقول في (كتاب) (المغني): والمذهب أن الوجه ليس بعورة».

وردا على سؤال آخر من أحد الحضور جاء فيه: «بعض الناس يطعن في عقيدة الأزهر الشريف، فما رد فضيلتكم على هذا الكلام؟»، قال الشيخ القرضاوي بنبرة استفهام ساخرة: «عقيدة الأزهر الشريف؟».

ورأى أن من يقول ذلك «فهو يطعن في الأشعرية»، وتابع: «ليس الأزهر وحده أشعريا.. الأمة الإسلامية أشعرية.. الأزهر أشعري والزيتونة أشعري والديوباندي (بالهند) أشعري وندوة العلماء أشعرية ومدارس باكستان أشعرية.. وكل العالم الإسلامي أشعرية». وأضاف: «فإذا أخذنا بالأغلبية، فإن أغلبية الأمة أشعرية.. هذه كلها اجتهادات في فروع العقيدة، والكل متفق على شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمد رسول الله وعلى النبوة في الإيمان بالله وكتبه ورسله وفي اليوم الآخر». وشدد على أن «هذه الاختلافات لا ينبغي أن نكفّر بها أحدا».

وقال الشيخ القرضاوي مازحا مع طلاب العلم الذين ينتظمون في الدورة التدريبية: «أنا سلفي على صوفي على أشعري»، وروى أن «أحدهم كان يقول لي: ما مذهبك؟ فقلت له أنا دخلت الأزهر حنفيا، إنما إلى الآن أنا حنفشعي (حنفي شافعي)»، فضحك كل من في القاعة بمزاح الشيخ الذي أكمل حديثه مبينا سبب دخوله الأزهر معتنقا المذهب الحنفي.