مسؤول أميركي لـ«الشرق الأوسط»: دبلوماسيتنا نحو إيران متعددة المسارات.. وروس في المنطقة خلال أيام

هيلاري كلينتون: لم نحذف شرط وقف التخصيب للحوار مع طهران * نجاد: سنعرض أفكارا جديدة في الملف النووي

طالب من مؤيدي أحمدي نجاد، محاطا بطلبة من التيار الإصلاحي، خلال محاولته مقاطعة كلمة يلقيها المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي في جامعة «شمران» بمدينة الأهواز، بينما تشتد سخونة الانتخابات الإيرانية (أ.ب)
TT

فيما قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إن الولايات المتحدة ترحب بالحوار مع إيران وإنها لم تتخل عن مطلب وقف التخصيب و«لم تحذف أو تضف شيئا» إلى الشروط التي وضعتها للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران, قالت مصادر أميركية أن سياسة واشنطن نحو إيران ستسير في «مسارات متعددة»، موضحة أن المراجعة التي تجريها إدارة الرئيس باراك أوباما لم تنتهِ تماما بعد، وأن هناك احتمالا أن يزور دنيس روس مستشار وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون غرب أسيا وإيران، منطقة الشرق الأوسط والخليج خلال أيام لبحث الملامح العريضة للسياسة الأميركية مع قادة ومسؤولي المنطقة. وقال مسؤول بالخارجية الإيرانية لـ«الشرق الأوسط» إن واشنطن تعتقد أن أمام طهران حقيقة فرصة لإعادة بناء ثقة المجتمع الدولي فيها، وإن على الإيرانيين اغتنام هذه الفرصة. وأوضح المسؤول الأميركي: «الدبلوماسية الأميركية حيال إيران ستسير على أكثر من مسار أو ستكون متعددة المسارات. الجديد الذي نقترحه هو أن تشارك أميركا في حوار مباشر مع الإيرانيين دون شروط مسبقة»». غير أن المسؤول الأميركي أوضح أن ذلك لا يعني التخلي عن وقف تخصيب اليورانيوم. وتابع: «حدث الكثير من الخلط حول هذا. وقف التخصيب هو الهدف النهائي للمباحثات مع إيران، وبالتالي فإن المباحثات يمكن أن تبدأ الآن دون أن تقف طهران التخصيب. لكن هدف التفاوض هو وقف التخصيب»، مشددا على أن «هناك اتفاقا كاملا مع شركائنا على أن هذا هو الهدف الاستراتيجي لتحركنا». ورفض المسؤول الأميركي الخوض في تفاصيل اللقاء المرتقب، والذي لم يحدد له موعدا أو مكانا بعد، بين دول 5 زائد واحد وإيران، غير أنه أوضح: «نحث إيران على أن تستفيد من هذه الفرصة، وأن تتواصل بجدية وتحل المسائل محل القلق وتعيد بناء ثقة المجتمع الدولي فيها.. دعوتنا إلى الحوار مع إيران مفتوحة وبانتظار ردها الرسمي». وحول «المسارات المتعددة» للحوار مع إيران وما إذا كان ذلك يعني أن الأميركيين سيجلسون مع إيران لمناقشة كل القضايا معا، المسألة النووية وأفغانستان وباكستان ولبنان وحماس والأمن في الخليج (وهو المطلب الإيراني)، أوضح المسؤول الأميركي: «بين كل هذه القضايا علاقة، لكن الحوار لن يكون على أساس: طاولة واحدة مفتوحة لكل القضايا. للحوار طاولات متعددة. نحن دعونا إيران إلى الحوار حول أفغانستان في مؤتمر لاهاي، وقد ندعوها مستقبلا إلى حوارات أخرى. لكن مناقشة كل القضايا معا في هذه المرحلة المبكرة أمر مستبعد تماما». إلى ذلك قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إن إيران «مستعدة لنسيان الماضي وبناء علاقات جديدة مع أميركا»، مضيفا أنه يعد «سلة أفكار جديدة» تهدف إلى حل الخلافات مع الغرب حول الملف النووي الإيراني ردا على اقتراح دول خمس زائد واحد فتح حوار مباشر مع الجمهورية الإيرانية بخصوص برنامجها النووي، وذلك بحسب ما ذكرت وكالة فارس الإيرانية للأنباء أمس.

وتأتي تصريحات أحمدي نجاد الناعمة وغير المعتادة حول أميركا، بينما أعلن مستشاره الرئيسي مجتبي ثمرة هاشمي استقالته من منصبه من أجل التجهيز لحملة نجاد الانتخابية استعدادا للانتخابات الرئاسية يونيو (حزيران) المقبل. ومن غير الواضح ما إذا كانت تصريحات الرئيس الإيراني ردا على اللهجة الناعمة التي انتهجتها أميركا خلال الفترة الماضية والتي كان من بينها رسالة الرئيس الأميركي باراك أوباما للإيرانيين بمناسبة عيد النيروز أو رأس السنة الفارسية الجديدة، ودعوة واشنطن طهران لحضور مؤتمر أفغانستان في لاهاي، وعرضها فتح حوار مباشر مع الإيرانيين حول الملف النووي، أم أن لهجة أحمدي نجاد جاءت لإسكات معارضيه داخليا الذين انتقدوا خصوصا سياسته الخارجية، ومن بينهم المرشح الإصلاحي للرئاسة مير حسين موسوي الذي قال قبل أيام إن السياسة الخارجية لأحمدي نجاد متطرفة، وإنها آذت إيران. وفيما لم يسمِّ مير حسين موسوى سياسات بعينها للرئيس الإيراني، فإن الكثير من الإصلاحيين في إيران انتقدوا خصوصا تصريحات بعض المقربين من الرئيس حول سيادة البحرين، وتطورات العلاقات مع مصر، وتراجع علاقات إيران مع الخليج، وتردد روسيا في تسليم طهران صواريخ أرض ـ جو «إس ـ 300»، كما كان مقررا لحماية مواقع إيرانية حساسة، بحسب ما أكد مسؤول روسي أمس. وأوضح أحمدي نجاد في كلمة ألقاها في كرمان بجنوب إيران: «الأمة الإيرانية أمة كريمة. ويمكن أن تنسى الماضي وتبدأ حقبة جديدة. لكن أي دولة تتكلم مع إيران على أساس الأنانية (في المصالح)، فسوف تنال من طهران نفس الرد الذي ناله السيد بوش». وتابع: «نحن نعد رزمة جديدة سنعرضها على مجموعة 5+1 (الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، وروسيا، والصين، والمانيا)، وسنناقش على أساسها عندما ننتهي من إعدادها»، مؤكدا أن المقترحات الجديدة «ستضمن السلام والعدل في العالم». وهذه المرة الثانية حيث تقدم إيران والدول الست اقتراحات متواجهة. وأضاف نجاد: «تغير الوضع مذ ذاك وشهد العام المنصرم تطورات جديدة». ولم يوضح نجاد ما الذي يقصده بأن الوضع تغير، وما إذا كان يشير إلى انتخاب إدارة ديمقراطية في البيت الأبيض، أم يشير إلى الخطوات التي تقول إيران إنها خطتها في برنامجها النووي. وتقول إيران إنها باتت تمتلك «دورة الوقود النووي كاملة» بمراحلها الثلاث، أي استخراج اليورانيوم الخام وتخصيبه وإنتاج الوقود النووي. ولم يُبدِ أحمدي نجاد أمس استعدادا لتنازلات على غرار تعليق تخصيب اليورانيوم الذي تطالب به الست. وقال في تصريحاته أمس: «حاليا، يدور 7000 جهاز طرد مركزي في نطنز (وسط) ساخرة» من القوى العظمى. كما ذكر أحمدي نجاد شعار التغيير الذي حمله أوباما في حملته الانتخابية. وأضاف: «من يُرِد التغيير عليه إغلاق قواعده العسكرية حول العالم وتدمير قواعده النووية». وتابع نجاد موجها كلامه إلى واشنطن: «نحن نعرف جيدا أنكم اليوم تعانون من الضعف. ليس لديكم خيارات. لا يمكن أن تحرزوا أي تقدم عبر سياسات التخويف. أنصحكم بأن تتغيروا، وتعدلوا طريقة كلامكم وتحترموا حقوق الشعوب الأخرى». وفي أول رد فعل لها على إعلان نجاد التجهيز لمقترحات جديدة، قالت واشنطن أمس إنها ستدرس أي مقترحات تتقدم بها طهران. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية روبرت وورد للصحافيين: «إذا تقدموا ببعض المقترحات الجديدة في ما يتعلق ببرنامجهم النووي فعلينا أن ننظر فيها ونرى فحواها. ونأمل أن تتصدى لكل بواعث قلق الولايات المتحدة وغيرها من البلدان بخصوص أنشطة إيران النووية». وفي باريس أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أمس أن العرض الذي قدم لإيران عام 2007 لبدء مفاوضات معها بشأن نشاطاتها النووية لا يزال قائما، مؤكدة أن الهدف يبقى تعليق النشاطات «الحساسة». وقال المتحدث باسم الخارجية رومان نادال إن «الدول الست (الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والصين وبريطانيا وألمانيا) عرضت منذ عام 2007 على الإيرانيين التمهيد لتعليق النشاطات الحساسة وبدء مفاوضات بشكل متزامن، بفترة قصيرة من المفاوضات». وتابع أنه خلال هذه الفترة «يتوقف الإيرانيون عن تطوير نشاطاتهم النووية الحساسة وتتوقف الدول الست عن السعي لاستصدار عقوبات جديدة في مجلس الأمن (وفق مبدأ التجميد المزدوج)»، مشيرا إلى أن إيران لم تردّ على هذا العرض. وقال إنه في عرض تعاون جديد قُدم إلى إيران عام 2008 «جددت الدول الست هذا العرض للإعداد لبدء مفاوضات وتعليق النشاطات الحساسة. ويأتي ذلك فيما قدم المستشار السياسي للرئيس الإيراني استقالته بهدف المشاركة في حملته للانتخابات الرئاسية المرتقبة في 12 يونيو (حزيران)، كما أفادت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية. وفي رسالة مقتضبة قدم مجتبى ثمرة هاشمي استقالته من منصب «مستشار كبير للرئيس»، مؤكدا أنه يستقيل «لكي يقوم بمهام أخرى». وذكرت الوكالة أن هاشمي استقال لكي يتمكن من المشاركة «في الحملة الشعبية لدعم ترشيح الرئيس أحمدي نجاد وتجنب أي لَبس يتعلق باستخدام إمكانات عامة وإمكانات الدولة» في هذه الحملة. وهاشمي الذي يُعتبر من المقربين من الرئيس الإيراني كان أول مستشار له حين كان أحمدي نجاد رئيسا لبلدية طهران (2003 ـ 2005) قبل أن يتبعه بعد انتخابه رئيسا في يونيو (حزيران) 2005. ولم يعلن الرئيس أحمدي نجاد بعد ما إذا كان يعتزم الترشح، لكن أحد مستشاريه المقربين أكد أنه سيترشح لولاية جديدة من أربع سنوات. يشار إلى أن العديد من أعضاء حكومة أحمدي نجاد قدموا استقالاتهم في السنوات الماضية بسبب خلافات مع الرئيس الإيراني، الذي يُتوقع أن يخوض سباقا رئاسيا محموما مع مير حسين موسوي بسبب تدهور التأييد الشعبي له على أثر المشكلات الاقتصادية التي مرت بها إيران خلال العامين الماضيين. ولم يحمل يوم أمس أنباء سعيدة لأحمدي نجاد في هذا المجال، إذ أن وزير العمل الإيراني محمد جهرومي أعلن أمس أن نسبة البطالة في إيران بلغت 12,5% في الشتاء، ما يشكل ارتفاعا مقارنة بالموسم نفسه في عام 2008 (11,9%)، على ما نقلت وكالة الأنباء الطلابية الإيرانية أسنا. وقال جهرومي: «بلغت نسبة البطالة 12,5% في الشتاء».

وكان الوزير صرح في أكتوبر 2008 أن 10,2% من الشريحة العاملة من السكان في إيران عاطلون عن العمل. واعتبر محللون اقتصاديون إيرانيون أن نسبة البطالة أعلى من ذلك في الواقع.

وأكدت حكومة نجاد أن سياساتها التي تعطي أفضلية للشركات الصغيرة والمتوسطة، عبر تقديم تسهيلات مصرفية، أسهمت في الحد من البطالة. لكن هذه السياسة تلقى معارضة الكثير من المحللين الاقتصاديين الذين يعتبرونها غير مثمرة على المدى الطويل ويرون أنها مسؤولة جزئيا عن التضخم. وأشارت تقديرات غير رسمية إلى وجود نحو ثلاثة ملايين عاطل عن العمل من أصل 70 مليونا هم سكان إيران. ونصف عدد السكان دون الثلاثين من العمر.