الأفارقة البيض في جنوب أفريقيا.. يرون في زوما بصيص أمل

يشكلون 6 إلى 9 في المائة من نسبة السكان وهم من أصول أوروبية

TT

تحدث قس أبيض عن «القدر الهائل من الألم» الذي يشعر به أقرانه من مواطني جنوب أفريقيا من البيض، تجاه جنوب أفريقيا التي يسيطر عليها السود. وقد اشتكى الرجل من الكوتا العنصرية التي تبعد أبناءهم عن الفرق الرياضية في المدارس، فيما عبر آخر عن تضاؤل التعليم باللغة الأفريكانية.

وقد حل جاكوب زوما الذي وقف مبتسما كضيف شرف على أحد تجمعات الأفارقة البيض الشهر الماضي، وهو مناضل سابق لحرب العصابات وكان يقف ضد التفرقة العنصرية. وقد اعتذر عن صعوبة قدرته على تحدث الأفريكانية التي تعلمها خلال عقد من اعتقاله كمعتقل سياسي ثم ألقى كلمته التي قال فيها: «كما أفخر بأنني من الزولو، فيجب عليكم أن تفخروا بأنكم من أصول أوروبية».

وأضاف زوما، رئيس الحزب الحاكم في الدولة، الذي يتوقع أن يفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة التي ستجرى الأسبوع القادم، والذي لقي ترحيبا كبيرا من الحضور: «كنت دائما أقول بأننا بلد فريد، فلدينا قبيلة، وهي قبيلة بيضاء وهي أفريقية في كل ملامحها». بعد خمسة عشر عاما من حصول نيلسون مانديلا على السلطة من أيدي الحكومة البيضاء التي حكمت جنوب أفريقيا ما يقرب من نصف قرن عبر مجموعة من القوانين العنصرية، تناضل الأقلية الجنوب أفريقية من البيض من أجل الحصول على نفوذ سياسي. وتقول جمعيات الأفارقة البيض إن العديد منهم يشعرون بالتهميش في أرض تتراجع فيها ثقافتهم ولغتهم، بل إنها حتى موضع استياء من الأفارقة السود.

وعلى الرغم من التوقعات بعدم حصول زوما على الكثير من أصوات البيض فإن البعض يرون فيه بصيصا من الآمل. وقد عمل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذي يترأسه زوما على كسب ود منظمات البيض ـ الذين ينحدرون على الأغلب من أصول لمستوطنين هولنديين وفرنسيين حضروا إلى جنوب أفريقيا في القرن السابع عشر ـ والأقليات الأخرى. ومن المعروف أن سكان جنوب أفريقيا من البيض يشكلون نسبة تقل عن 6% من أصل 9% من السكان البيض.

ويقول المحللون إن تلك الجهود تأتي ردا على حزب المعارضة الجديد الذي يهدد هيمنة حزب المؤتمر الأفريقي عبر تشجيع الناخبين البيض الذي يعيب على النعرة العرقية للحزب. لكن البعض يقولون إنهم يعكسون قلقا حقيقيا داخل حزب المؤتمر ـ الذي يدعي أنه يمثل غالبية الجنوب أفريقيين ـ وأن الحزب تطور في ظل الرئيس تابو امبيكي إلى أشبه ما يكون بمنظمة لا ينضم إليها سوى السود. وتشير إحدى نتائج مراكز استطلاعات الرأي إلى أن السود يشكلون 96% من مناصري الحزب.

وقال كالي كريل، المدير التنفيذي لمنتدى أفريفورم، وهي جماعة مصالح من السكان البيض، الذي قال عن أعضائها إنهم لا يزالون متشككين تجاه حزب المؤتمر: «الناس يشعرون أن الحكومة لا تحكمنا أو تخدمنا، وجاكوب زوما يظهر حساسية أكبر تجاه تلك القضايا».

وقد زار زوما، الاشتراكي، معسكرا للبيض في العام الماضي، كما أرسل الشهر الماضي سفيرا إلى مدينة أورانيا، النموذج الأكثر تطرفا من الوطنية الأفريقية البيضاء، حيث يقيم الأفارقة ذوو الأصول الأوروبية مستعمرة من البيض ويطمحون إلى أن يكونوا ولاية مستقلة تحافظ على ثقافة يخشون من اندثارها.

وقال فرانسوا دي فو، الذي يبلغ من العمر 63 عاما، الذي يعمل مزارعا في أورانيا التي يتوقع أن يزورها زوما قريبا: «لقد اعترف زوما بأن هناك مكانا للأفارقة من البيض، وهو يؤمن بثقافة زولو واضحة، وعندما يتحدث عن ثقافة الأفارقة من الأصول الأوروبية فإنه يتفهم ذلك جيدا». غير أنه في الوقت الذي تتجه فيه جنوب أفريقيا نحو الانتخابات الديمقراطية العامة الرابعة، لم يعد من الضروري أن نشير إلى الأفارقة البيض، فالهوية الثقافية القوية زيفت من قبل دولة الفصل العنصري التي حكمت البلاد بالحديد والنار، والتي أجبرت الجنوب أفريقيين السود على تعلم لغتهم. لكن في الوقت الذي يقول فيه المدافعون إن غالبية الأفريقيين من البيض قبلوا ذلك الانقلاب المفاجئ لحظوظهم السياسية في عام 1994، فإن البعض قالوا إن الدولة التي تغيرت تسببت في ضياع الهوية.

وتلقي بعض جماعات الأفارقة البيض باللائمة على حكومة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، التي قامت بإغلاق المدارس التي تدرس بلغة الأفارقة البيض أو جعلت 90% من المدارس التابعة للأفارقة البيض ثنائية اللغة، كما غيرت أسماء الشوارع والمدن التي أطلقت تكريما للأفارقة البيض. وقد تسببت القوانين الصارمة في خفض فرص العمل بالنسبة للأفارقة البيض وحتى أن فريق الركبي الشهير ـ رياضة تمارس كنوع من العبادة لدى الأفريقيين البيض ـ تعرض لهجوم قاس من الفصل العنصري كرمز على فترة الفصل العنصري.

يقول المحللون السياسيون إن الكثيرين منهم لن يصوتوا، أما غالبية الذين يصوتون فسيعطون أصواتهم لحزب التحالف الديمقراطي، حزب المعارضة الرئيسي في البلاد الذي حصل على غالبية مناصريه من البيض، فيما هاجر آخرون، وتشير بعض الأبحاث إلى أن مليون أفريقي من أصل أوروبي غادر جنوب أفريقيا منذ عام 1995.

من بين هؤلاء، جون روسو، البالغ من العمر 38 عاما، والفيلسوف الذي قاد منظمة ثقافية للأفارقة البيض حتى العام الماضي عندما غادر لنيل درجة الدكتوراه العام الماضي من أستراليا. وقال إن الكثيرين من زملائه في الثانوية قد غادروا جنوب أفريقيا لأنهم شعروا «بأنهم غير مرغوب فيهم في وطنهم، ولا تزال أعدادهم في تناقص، وتعتبر الاستهلاكية هي الكنيسة الجديدة للأفارقة التقليديين المسيحيين البيض، وقد أصبحت علامات ما أراه انقراضا، مؤلمة جدا». ولقد أصبحت الشكاوى مثيرة للشجون وحتى الحزن لبعض المراقبين الذي يقولون إن الأعداد الصغيرة للأفارقة البيض جعلت من تهميشهم أمرا حتميا. وأشار النقاد إلى أنه برغم ازدياد نسبة الفقر بين الأفارقة البيض الذين ربما كانوا قد عملوا في وظائف حكومية من قبل، فإن الغالبية تظل ثرية في بلد به نسبة كبيرة من الفقراء الأفارقة السود.

وقال تيم دو بلسي، محرر صحيفة «ذا بليد»، الصادرة باللغة الأفريكانية «إن الأفارقة من ذوي الأصول الأوروبية، وبيض جنوب أفريقيا سيفقدون امتيازاتهم، لكنهم لن يفقدوا حقوقهم»، وأضاف إنه مع عدم وجود حكومة فصل عنصري تتعامل مع الثقافة الأفريكانية، يجب على الأفارقة البيض أن «ينهضوا ليعملوا بجد من أجل ذلك».

ولا تكاد ثقافة الأفارقة البيض بالنسبة للمراقبين تظهر أي علامات على الاحتضار، فمباريات الركبي التي يقوم فيها الأفارقة البيض بأكل لحم الخنزير أو النقانق تلقى شعبية كبيرة، كما أن أدب الأفارقة البيض يباع بصورة جيدة أيضا، والعروض التلفزيونية التي تذاع بلغتهم هي العامة أيضا.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»