الجفاف يضرب مجددا أهوار العراق ويهدد معيشة سكانها

صياد سمك: فقدنا كل شيء وأصبح موقفنا مثيرا للشفقة

صياد سمك وقاربه وسط ما كان هور الحمار في جنوب العراق ( أ. ب)
TT

تلوح في الأفق بوادر جفاف شديد يهدد أهوار الجنوب العراقي في الوقت الذي بدأت فيه المنطقة تتعافى من تجفيف صدام حسين المنطقة لمعاقبة معارضيه الذين وجدوا فيها ملاذا ومنطلقا لعمليات ضد نظامه. وبدأ الجفاف يزحف على الأهوار من جديد تاركا مساحات شاسعة من الأراضي القاحلة المتشققة بعد أن كانت الحياة قد دبت فيها قبل بضع سنوات ماضية بمساعدة الأمم المتحدة. وحسب تقرير لوكالة «اسوشييتد برس» أصبح سكان هذه المنطقة المقدر عددهم بالآلاف ـ والمعروفون بعرب الأهوار ـ ضحية للجفاف المصيب الموهن والذي عم الخراب في الكثير من دول الجوار العراقي خلال العامين المنصرمين. ويقول الصياد ياسر رزق: «ليس لدي عمل، لقد ماتت مواشينا، وترك أبناؤنا المدرسة لأننا ليس لدينا المال لشراء الملابس لهم». وكان رزق يتحدث أمام قاربه الخشبي الراسي في قاع بحيرة جافة داخل بحيرة حور الحمار بالقرب من الناصرية، على بعد 200 ميل جنوب بغداد. وأضاف رزق: «قبل ذلك عندما كنا نصيد، كان باستطاعتنا الحصول على الأموال من أجل ملابس الأطفال، أما الآن، فقد فقدنا كل شيء، وأصبح موقفنا مثيرا للشفقة». تجدر الإشارة إلى أن حضارة عرب الأهوار وجدت قبل أكثر من 5000 عام على امتداد 8000 ميل مربع من المستنقعات التي يغذيها نهرا دجلة والفرات بالمياه. واشتهرت تلك الأهوار بانتشار مئات الأنواع من الطيور والأسماك بها، كما أدى الفيضان المتكرر بها إلى تكوين الأراضي الزراعية الخصبة. وبعد حرب الخليج الأولى عام 1991، أصبحت تلك الأهوار ضحية السياسة حيث اعتبر صدام حسين أغلب سكان الأهوار من الخائنين، وكانت البداية خلال الحرب الإيرانية ـ العراقية خلال حقبة الثمانينات، وزاد الأمر سوءا بعد ثورة الجنوب العراقي في وجه النظام بعدما طردت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الجيش العراقي من الكويت. وفي تلك الأثناء، لاذ الكثير من المسلحين الشيعة واختبأوا بين عرب الأهوار في غابات الأعشاب الكثة النامية في المستنقعات، والبحيرات الوافرة. ولمعاقبتهم على ما اقترفوه، بنى صدام حسين شبكة مهولة من السدود لتحويل مجرى المياه عن الأهوار حتى يصيبها الجفاف. وكان أثر ذلك مدمرا، فمع الإطاحة بصدام حسين عام 2003، تقلصت مساحة تلك الأهوار والمستنقعات بنحو 90% عن حجمها الطبيعي خلال فترة السبعينات، إذ كانت تغطي مساحة 3500 ميل مربع من الأراضي، أي ما يزيد على مساحة ديلاوير. وتوقع الكثير من الخبراء تلاشي تلك البحيرات تماما بحلول عام 2008. وقد دشنت الأمم المتحدة مشروعا بتكلفة 11 مليون دولار لاستعادة تلك البحيرات والمستنقعات من جديد، بما فيها إزالة بعض السدود التي تمنع تدفق المياه إلى المنطقة. وبحلول عام 2006، غُمر أكثر من نصف تلك المستنقعات الأصلية بالمياه من جديد. ويقول عبد اللطيف جمال رشيد ـ وزير الموارد المائية العراقي: «كانت وزارتنا على صواب من البداية.. فقد بدأنا دراسة استعادة منطقة المستنقعات لتكون على قمة أولوياتنا»، مضيفا أن هذه الجهود كُللت بالنجاح. وتعتمد برامج استعادة الأهوار على التدفق الكافي من المياه القادمة من نهري دجلة والفرات ـ وهما النهران اللذان وهبا العراق مسماه القديم ببلاد الرافدين. إلا أن حالة الجفاف الأخيرة أدت إلى انخفاض مستويات النهرين. وفي الشهر الماضي، أعلنت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة والحكومة العراقية عن برنامج جديد تبلغ تكلفته 47 مليون دولار في الشهر الماضي لاستعادة الأهوار من جديد، وألقت بدائرة الضوء على المحافظات الجنوبية ميسان، وذي قار، والبصرة. بيد أن الدكتور فضل الزبيع ـ مدير البرنامج بالعراق ـ عبر عن شكوكه بإمكانية استعادة الأهوار كلية دون إنهاء الجفاف. وأضاف أن ثمة حاجة إلى اتفاقيات جديدة لاقتسام المياه بين دول المنطقة بما فيها سوريا وإيران تسمح للعراق بالوصول إلى المزيد من المياه. وصرح قائلاً: «إن هناك القليل من المياه الآتية من دول الجوار، وبناء عليه فإن حجم المياه النازحة إلى المستنقعات سيقل». وتابع أن البرنامج سيساعد الأفراد في المنطقة على استعادة العجز الحالي في مواشيهم، خاصة الخراف وجاموس المياه. وأشار إلى: «ان الهدف الأساسي يتمثل في استعادة الحد الأقصى الذي يمكنك الوصول إليه خلال الخمس سنوات المقبلة، وتمكين سكان الأهوار من استئناف الزراعة، وإنتاج الماشية وما شابه». وحتى مع انتشار الجفاف، يبدو المشهد العام في الأهوار أفضل حالاً عما كان عليه قبل عقد من الزمان. ومع ذلك، فإن هذا يعني القليل بالنسبة للكثير من عرب الأهوار، حيث يقول صياد لم يرغب إلا في الكشف عن اسمه الأول فقط (محمد) لأنه يخشى انتقاد الحكومة على الملأ: «أملنا في أن تقوم الحكومة الجديدة بشيء ما، إلا أن الوضع لا يزال كما هو. فهذه هي المرة الثانية التي تجف فيها المياه».