«ضحايا الانتخابات» يتزايدون في لبنان عشية الاستحقاق

«المستقبل» الأول في التضحيات يليه جنبلاط.. وأخيرا «حزب الله»

TT

تخوض القوى السياسية اللبنانية «موقعة» الانتخابات النيابية وكأنها معركة وجود. فعلى نتائج هذه الانتخابات سترتسم صورة لبنان بعد مرحلة من التوترات السياسية والأمنية التي شهدها منذ اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري في فبراير (شباط) 2005 وما تلاه من تداعيات وانقسامات داخلية حادة أفرزت واقعا جديدا وتكتلات سياسية جديدة تحت عنوانين عريضين هما «8 آذار» (التاريخ الذي اجتمع فيه الموالون لسورية يودعونها بعد قرارها الانسحاب من لبنان) و«14 آذار» (التاريخ الذي اجتمع فيه معارضوها في ساحة الشهداء مطالبين بالحقيقة في جريمة اغتيال الحريري).

وتحت عنوان «انتصار واحد من التكتلين» يخوض اللبنانيون الانتخابات في 7 يونيو (حزيران) المقبل. وقد غاب المستقلون، أو أجبروا على الاقتراب من أحد الطرفين، إذ يبدو أن لا مكان للحلول الوسط في الفترة المقبلة. ولأن شعار «المعركة» يعلو فوق كل اعتبار، كان لا بد للكتل الكبرى في التجمعين من أن تقدم «تضحيات» لمصلحة حلفائها في الانتخابات، خصوصا في الجانب المسيحي حيث يحرص الجانبان على التنازل للشريك المسيحي، لأن نتائج المعركة سوف تحسم في مناطقه في ضوء ثبات القوى الإسلامية ووضوح صورة اللا معركة في مناطق وجودها.

ويُعتقد في لبنان على نطاق واسع أن معارك مثل معركة قضاء المتن الشمالي وقضاء بعبدا وقضاء زحلة سوف ترسم خريطة الأكثرية النيابية الجديدة، بالإضافة إلى قضاءَي كسروان وجبيل والدائرة الأولى في بيروت. وهي كلها مناطق ذات غالبية مسيحية. ولأن إظهار الشريك المسيحي قويا وقادرا على فرض الشروط على حلفائه قبل خصومه، كان لا بد للكتل الكبرى من تقديم تنازلات في هذا الإطار لإظهار قوة الشريك داخل التكتلين، دون أن تمر الأمور مرور الكرام داخل الصف الواحد.

ورغم أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله كان أول المتحدثين عن «التضحيات» التي ستقدم للحلفاء، فإن المضحي الأكبر هو «تيار المستقبل» الذي يرأسه النائب سعد الحريري. إذ يتوقع أن تتراجع كتلته إلى ما دون 30 نائبا بعدما لامست رقم الـ40 في البرلمان الحالي. يليه النائب وليد جنبلاط الذي تخلى عن 4 مقاعد لحلفائه ـ وخصومه ـ في الدوائر التي يمتلك فيها قوة ناخبة كبيرة.

في المقابل، يبدو أن تضحية حزب الله الوحيدة لحليفه رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، ستقتصر حتى الساعة على مقعد مسيحي في منطقة جزين يشغله النائب بيارو سرحال المتحالف مع الحزب. فيما يرفض رئيس مجلس النواب نبيه بري تقديم التنازلات إلى «حليف حليفه»، كما يحلو له أن يسمي عون. ويصر على ترشيح حليفه المسيحي القوي في قضاء جزين النائب سمير عازار، بالإضافة إلى ترشيحه شخصية شيعية في قضاء بعبدا في مواجهة مرشح للعماد عون. ورفض بري أيضا ترشيح نائب رئيس الحكومة عصام أبو جمرا في مرجعيون ـ حاصبيا، ما اضطر الأخير إلى الترشح في بيروت الأولى. وتردد أن حزب الله تعهد لبري، في اجتماع عُقد بينهما سرا الأسبوع قبل الماضي، بحل هذه المشكلة، وبأنه قد يتنازل عن مقعده في بيروت لمصلحة بري كنوع من التسوية، رغم ما يعنيه غياب مرشح حزب الله عن بيروت لأول مرة منذ عودة الحياة البرلمانية إلى لبنان.

في المقابل، نشأت مشكلة توزيع مقاعد بين الحلفاء في «14 آذار» في ضوء مطالبة بـ«تفوق المنطقي» من الحلفاء المسيحيين، أي رئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات اللبنانية» سمير جعجع، ورئيس حزب «الكتائب اللبنانية» أمين الجميل. وبعد أخذ وردّ وتوترات انتهى الأمر بـ«تيار المستقبل» إلى تقديم التضحيات الآتية: تراجع عن ترشيح النائب السابق غطاس خوري في الشوف لمصلحة مرشح «القوات اللبنانية» النائب الحالي جورج عدوان، كما تخلى عن مقعد يشغله النائب الحالي أنطوان أندراوس في قضاء عاليه (جبل لبنان) لمصلحة مرشح للكتائب اللبنانية. وفي بيروت تخلى التيار عن النائبة غنوة جلول لمصلحة وزير الثقافة الحالي تمام سلام (مستقل)، وعن مقعد يشغله النائب الحالي بهيج طبارة لمصلحة «الجماعة الإسلامية»، بالإضافة إلى تخليه عن مرشح أرمني في دائرة بيروت الثانية لمصلحة «الطاشناق»، وفقا لاتفاق جرى في الدوحة. كما أن القوات تحاول الآن الحصول على تنازل آخر في دائرة بيروت الأولى بترشيح أرمني قواتي في مواجهة مرشح «تيار المستقبل» المستمر في المعركة النائب سيرج طور سركيسيان.

ويرتفع عدد التضحيات شمالا لدى «تيار المستقبل» إذ سيؤدي التحالف مع الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي إلى التخلي عن نائبين في المدينة وآخر من قضاء المنية (مرشح ميقاتي محمد علم الدين بدلا من النائب الحالي هاشم علم الدين). وبناء عليه اضطُر التيار إلى سحب ترشيح النائب مصطفى علوش من طرابلس لمصلحة ميقاتي. كما يمكن أن يتخلى عن حليفه الوثيق النائب مصباح الأحدب (اتصالات تجري لوضعه على اللائحة بدلا من كرامي على أن يعوض ميقاتي في قضاء آخر)، بالإضافة إلى النائب الماروني الذي جرى تجييره لمصلحة مرشح «الكتائب اللبنانية» لفض الخلاف بين «القوات» و«الكتائب» في دائرة البترون. وسيتخلى «تيار المستقبل» أيضا عن ثلاثة مرشحين سُنّة في عكار سيتم استبدال حلفاء كالنائب السابق خالد الضاهر بهم، بالإضافة إلى مرشح أرثوذكسي بدلا من النائب عبد الله حنا قد يكون مرشح «القوات اللبنانية» العميد المتقاعد وهبي قاطيشا.

أما النائب جنبلاط فقد تخلى عن مقعد حليفه الماروني نبيل البستاني لمصلحة رئيس حزب «الوطنيين الأحرار» دوري شمعون في الشوف. كما تخلى عن عضو كتلته فيصل الصايغ لمصلحة «خصمه السياسي وحليفه الميداني» الوزير طلال أرسلان، بالإضافة إلى تخليه عن ترشيح النائب عبد الله فرحات في بعبدا لمصلحة مرشح «الكتائب اللبنانية». ويرى جنبلاط أن تشكيل اللوائح في بعض المناطق كالشوف حكمته الظروف. ويقول: «صنعت مع النائب سعد الحريري شراكة. وفي بعض المناطق كانت على حسابنا. والشريك المسيحي لم يفرض علينا أسماء، ولكن تم ذلك كي لا يقال إن سعد الحريري يستأثر بالقرار المسيحي داخل (14 آذار)».

ويتوقع النائب مصطفى علوش أن تخسر كتلة «تيار المستقبل» التي يبلغ عدد أعضائها الآن 35 نائبا، ما لا يقل عن 7 أو 8 نواب لمصلحة حلفائها والمستقلين. وشدد على أن «الذين تنحّوا أو طُلب منهم التنحي لم يكن ذلك بسبب فشلهم أو تقاعسهم، إنما بسبب التطلع إلى مصلحة قوى (14 آذار) قبل المصلحة الفردية»، معتبرا أن «هذه التضحيات تمت بناء على قناعة تيار المستقبل بأن فوز قوى (14 آذار) مسألة مصيرية بكل ما للكلمة من معنى». وأشار إلى أن القوى الحليفة «مارست نوعا من الدلال على (المستقبل)، بدءا من قانون الانتخاب الذي لا يمثل ما يتطلع إليه، وصولا إلى المطالبة بالتخلي عن مقاعد نيابية هي حق لتيار (المستقبل) نظريا، لأنه مقتنع بأن فوز (14 آذار) أهم من فوز التيار».

وقال: «أنا لا اعتبر نفسي ضحية. لقد قمت بالتزاماتي على رغم عدم قناعتي بالتحالف الذي يجري الإعداد له في طرابلس». وأضاف: «أنا أفهم وأقدر أن يتم تقديم التضحيات لمصلحة الحلفاء. لكن التضحية لمن هم خارج هذا التحالف شيء يصعب تفهمه»، مشيرا، في المقابل، إلى أنه يتفهم دوافع رئيس كتلته للسير في التسوية في طرابلس.

وتحدث علوش عن وجود «تململ كبير داخل كوادر وقواعد التيار بسبب هذه التضحيات»، مشيرا إلى «وجود خطورة في التركيبة الحالية تتمثل في المقعد الماروني في مدينة طرابلس الذي رشح له الكتائبي سامر سعادة». وقال: «لو كان الخيار بدلا من جان عبيد (الذي تردد اسمه بقوة لهذا المقعد) هو النائب سمير فرنجية لكان الأمر مقبولا، لأنه معروف للناس». لكنه أبدى تفهمه لقرار الحريري «لأن المقعد الماروني في طرابلس هو للمنطقة أكثر منه للمدينة»، معتبرا أن «طلب الحلفاء التضحيات من تيار (المستقبل) هو لعدم رغبتهم في التضحية».

أما مكمن الخطورة الثاني ـ في رأي علوش ـ فهو قضية التغاضي عن ترشيح النائب مصباح الأحدب لمصلحة المرشح أحمد كرامي (حليف الرئيس نجيب ميقاتي) لأنه «لا شعبية حقيقية لكرامي في المدينة، فهو لم تكن له مواقف فعالة مقابل النائب الأحدب الذي شكل حالة مميزة خلال الدورات النيابية الماضية»، مشددا على ضرورة إعادة النظر في هذه المسألة.