بحارة السفينة الأميركية يروون كيف خدعوا القراصنة الصوماليين

القرصان الذي سقط رهينة أخذ يبكي بعدما اقتاده رضا عبر ممرات ضيقة لينقض عليه البحارة ويأسروه

TT

اتجهوا إلى البحر جميعا لأسباب متباينة، ومنهم من سعى وراء أفكار رومانسية حالمة بالهروب والمغامرة تحولت بمرور الأيام إلى وظائف تدور حول إصلاح المحركات وجذب الحبال وتولي المراقبة لساعات طويلة. من بين هؤلاء بحار يبلغ من العمر 70 عاما طلب الاكتفاء بالإشارة إليه باسم جون، وقد اضطر للخروج من تقاعده في فلوريدا من جراء الأزمة المالية. أما أندرو برزيزنسكي، 62 عاما، فقد تحدى رغبة والده في أن يمتهن الطب كي يتمكن من أن «يجوب العالم». وهناك أيضا إيه. تي. إم. رضا، مهندس السفينة، وريتشارد فيليبس، الكابتن، الذي وصفه أحد البحارة بأنه رجل عنيد «ذو قدرة عظيمة على الثبات». الأربعاء الماضي، دخل 20 من الأميركيين يشكلون طاقم سفينة الشحن مايرسك ألاباما في مواجهة مع أربعة قراصنة صوماليين مسلحين بمسدسات. وكانت هذه المواجهة بمثابة اختبار للتدريب الذي تلقاه البحارة ومدى عزيمتهم وقدرتهم على تحمل البقاء داخل غرفة آمنة خانقة وصلت درجة الحرارة بها إلى 130 درجة لمدة 10 ساعات. وخلال حصولهما على قسط من الراحة على شاطئ البحر هنا يوم الثلاثاء ـ قبل يوم من الالتقاء بفيليبس مجددا، الذي احتجزه القراصنة وتم إنقاذه عبر عملية عسكرية يوم الأحد سرد اثنان من البحارة على نحو تفصيلي وقائع المحنة، مضيفين معلومات جديدة إلى الشهادات التي أدلى بها مسبقا أفراد آخرون من الطاقم وعدد من المسؤولين العسكريين. قال جون، الذي سبق له التقاعد، إنه يعرض قصته على أمل أن تبذل الولايات المتحدة مزيدا من الجهود لمكافحة القرصنة المستشرية على امتداد السواحل الصومالية الطويلة. جدير بالذكر أن القراصنة اختطفوا في تحد سافر يوم الثلاثاء أربعة سفن أخرى و60 رهينة على الأقل، طبقا لما صرح به مسؤولو البحرية الأميركية. كما وردت تقارير إخبارية حول وقوع محاولة هجوم فاشلة ضد سفينة شحن تحمل العلم الأميركي محملة بمساعدات إنسانية. وأكد جون أنه: «يجب أن ندفع أعضاء مجلس الشيوخ والكونغرس على الخروج من مكاتبهم المكيفة وتقديم العون لنا». ونوه جون بأن القراصنة عكفوا على اقتفاء أثر مايرسك ألاباما لعدة أيام، لكنهم واجهوا أمواجا عاتية. واستطرد قائلا إنه في صباح يوم الهجوم، «كان البحر هادئا حتى بدا أشبه بسطح زجاجي». دوت صفارات الإنذار في السفينة قبيل الساعة السابعة والربع صباحا، وجاء الدوي على نحو خاص لينبئ البحارة بوجود قراصنة على مقربة منهم. وسرعان ما شرع رجال الطاقم على تنفيذ التوجيهات التي سبق أن وجهها لهم فيليبس على مدار عمليات التدريب القاسية التي أكسبته احترامهم، وكذلك اعتقادهم بأنه صعب المراس. عمد أحد أفراد الطاقم إلى وقف المحركات، وبقي عدد قليل على ظهر السفينة ومواقع أخرى. ومع صعود القراصنة على سطح السفينة، بعد قرابة 15 دقيقة من دوي صفارات الإنذار، كان باقي أفراد الطاقم في جزء سفلي عميق من السفينة، حيث عمدوا إلى حبس أنفسهم داخل غرفة آمنة. ومع توقف المحركات عن العمل، ساد الظلام والهدوء، وأخذت درجات الحرارة تتزايد على نحو مستمر. عن هذا الأمر، قال برزيزنسكي: «بعد خمس ساعات، لم يعد بمقدوري التنفس بصورة طبيعية. وشعرت وكأن كل نفس أشبه بنيران ملتهبة». حرص الرجال على التحلي بالهدوء، خوفا من أن يكتشف القراصنة وجودهم. وظلوا واقفين، وعندما اشتدت حرارة الغرفة، تمددوا على أرض الغرفة. أما جون فتلا صلاة قصيرة. ثم سمع الرجال صوت أقدام وأصوات على سطح السفينة أعلى الغرفة التي يتخفون بها، حيث كان الصوماليون، الذين تحدث بعضهم الإنجليزية على نحو ركيك، يصدرون أوامر. وسمع أفراد الطاقم صوت عيار ناري علموا فيما بعد أن أحد القراصنة أطلقه بجانب رأس أحد أفراد الطاقم المتبقين على السطح. وأوضح جون أن هذا البحار كان رضا الذي رفض إبلاغ القراصنة عن مكان اختفاء أقرانه من أفراد الطاقم. ولبضع مرات، صدر صوت قائد السفينة عبر الميكروفون الداخلي يأمر أفراد الطاقم بالخروج. في هذا الصدد، أوضح برزيزنسكي أن: «الكابتن دعانا عدة مرات ـ قائلا: على كل أفراد الطاقم التوجه فورا إلى منصة الربان». إلا أن الشك ساور أعضاء الطاقم حيال هذا الأمر. وأضاف برزيزنسكي: «بعد ذلك، شرعوا في البحث عنا». مع تصويب سلاح كلاشينكوف باتجاهه، قاد أحد أفراد الطاقم واحدا من القراصنة إلى أسفل سطح السفينة، لكن عبر ممر دائري يتجنب مكان اختباء زملائه. وعند المرور بالغرفة الهندسية، قفز رضا وعدد من أفراد الطاقم الآخرين على القرصان. وعن رضا، قال جون: «إن جسده نحيل للغاية، إنه آخر شخص يمكن أن تتوقع تحوله إلى بطل حقيقي». وقام الرجال بتقييد الشاب الصومالي، ووضعوا عصابة على عينيه وسدوا فمه. وعندما حاول الفرار، وضع أحد البحارة قدمه على رقبته. ثم اقتادوه إلى الغرفة الآمنة. وأشار جون متحدثا عن الشاب الصومالي أنه: «كان يبكي». ويتوقع جون أن هذا الشاب كان «بمثابة روبين هود» بالنسبة لأصدقائه وأقاربه في وطنه. بعد فترة، شرع فيليبس، الذي كان لا يزال على سطح السفينة مع وجود سلاح مصوب إلى ظهره طيلة الوقت تقريبا، في التفاوض مع القراصنة. في نهاية الأمر، نجح في إقناع القراصنة بالرحيل عن السفينة باستخدام قارب نجاة. وكان الاتفاق أن ينزل الكابتن إلى قارب النجاة كي يساعد القراصنة على إنزاله ودفعه للتحرك، وأن يسلم أفراد الطاقم القرصان الرهينة، ثم يطلق القراصنة سراح الكابتن. إلا أنه بمجرد نزول الرهينة إلى قارب النجاة، بدأ القراصنة في تشغيل المحرك وانطلقوا بالقارب ومعهم الكابتن، حسبما قال برزيزنسكي. كان بحوزة فيليبس جهاز راديو واتصل به شين ميرفي، أحد مسؤولي السفينة، عدة مرات. رغم صدور أوامر من القراصنة تطالب بأن تتبعهم السفينة حتى السواحل الصومالية، عمد أفراد الطاقم بدلا من ذلك إلى تطويق قارب النجاة. وبعد بضع ساعات، نفد الوقود في القارب. بحلول منتصف الليل تقريبا، وصلت المدمرة الأميركية باينبريدج. ثم خلد برزيزنسكي إلى النوم،. وعندما أفاق، كانت مايرسك ألاباما في طريقها إلى مومباسا، بعد صدور تعليمات من المؤسسة العسكرية الأميركية تقضي بذلك. ورست السفينة هناك مساء السبت. ووصف برزيزنسكي الشعور العام بين أفراد الطاقم بقوله: «انتاب الجميع شعور بالغضب». وبعد تأزم الموقف على امتداد خمسة أيام، أطلق سراح فيليبس يوم الأحد. بحلول الثلاثاء، خرج أفراد الطاقم من مايرسك ألاباما، حيث جرى احتجاز البحارة لأسباب أمنية. وقضى أفراد الطاقم معظم اليوم في التنزه على الشاطئ تحت أشجار النخيل والتسوق. كان بعضهم على معرفة ببعض لخوضهم وظائف أخرى معا، لكن معظمهم لم يكونوا غرباء قبل هذه الرحلة. في هذا الصدد، قال جون: «إننا نعلم بعضنا عبر الثقة أكثر من أي شيء آخر». من جهته، قال برزيزنسكي إنه ربما سيعمل لحساب سفينة أخرى بعد انتهاء العطلة التي يقضيها بمنزله في مدينة بروكتون بماساشوسيتس. وقال إنه سيفكر مليا قبل أن يقبل المرور بالقرب من المياه الإقليمية الصومالية مجددا. أما جون فقال إنه يفكر في امتهان عمل آخر، ربما تعليم الشباب في مسقط رأسه كيفية إصلاح أجهزة تكييف الهواء.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»