الأفغانيات يتظاهرن اعتراضا على قانون جديد للأسرة

أقلية هزارة تمتعت بفترة ازدهار بعد سقوط طالبان

افغانيات يتظاهرن ضد قانون الاسرة الجديد في كابل («نيويورك تايمز»)
TT

نزلت مجموعة من الشابات من إحدى الحافلات وتحركن باتجاه مسيرة بدأت للتو على الجانب الآخر من الشارع، وفجأة لمحهن حشد من الرجال صرخوا بوجوههن: «ارحلن عن هنا».

ومع تحرك الرجال باتجاههن، بدأت صفوف النساء تتفرق. وصرخت إحداهن: «نود الحصول على حقوقنا، نرغب في المساواة».

وسارعت النسوة بالدخول إلى الحافلة التي سرعان ما بدأت في التحرك بينما عمد الرجال إلى تحطيم مصابيحها الخلفية، وهم يطرقون بشدة على جوانبها.

ورغم ذلك، استمرت التظاهرة النسوية، حيث جاب ما يقرب من 300 امرأة أفغانية شوارع العاصمة يوم الأربعاء، وواجهن في طريقهن حشدا غاضبا يفوق عددهن بمقدار ثلاثة أضعاف. وجاءت التظاهرة لمطالبة البرلمان بإلغاء قانون جديد أقر مجموعة من القيود على المرأة على غرار ما سبق وأن فعلته جماعة طالبان، ويجيز العديد من الأشياء، بينها أن يأتي الرجل زوجته دون إرادتها. كان مشهد المظاهرة فريدا بكافة المقاييس، بالنظر إلى أن الأمية تسود أوساط النساء داخل هذه الدولة الفقيرة. وعلاوة على أن هامش الحرية الذي يتمتعن به لا يقارن إطلاقا بالحرية التي يتمتع بها الرجال. وبالرغم من ذلك، خرجت نسوة في هذا التظاهرة، معظمهن شابات، وارتدت الكثير منهن الجينز، في تحد واضح للحشود الغاضبة، وعمدن إلى ترديد شعارات بها الكثير من المعاني الكبرى. ومن ناحيتها، عمدت الشرطة إلى محاصرة التظاهرة، التي تحركت بالرغم من ذلك على امتداد ميلين صوب مقر البرلمان، حيث قدمن التماسا يدعو لإلغاء القانون. ومن جانبها، قالت فاطمة حسيني (26 عاما) إحدى المشاركات في المسيرة: «في أي وقت تراود الرجال الرغبة في المعاشرة، لا نملك الرفض. ما يعني أن المرأة أصبحت جزءا من الممتلكات يستغلها الرجل كيفما يحلو له». جدير بالذكر أن القانون، الذي وافق عليه البرلمان بغرفتيه ووقعه الرئيس حميد كرزاي، يسري على الأقلية الشيعية فحسب. والملاحظ أن النساء الأفغانيات وحكومات أجنبية وجماعات حقوقية تركزت اعتراضاتهم فيما يخص القانون الجديد على ثلاثة مواد.

تجرم إحدى المواد الثلاث رفض امرأة رغبة زوجها في المعاشرة، أما الثانية فتستوجب موافقة الزوج على عمل الزوجة خارج المنزل أو ارتياد المدرسة. بينما تجرم المادة الثالثة رفض المرأة «التزين» حال رغبة زوجها في ذلك. وانطوى تمرير هذا القانون على مفارقة تاريخية واضحة، ذلك أن الشيعة، الذين يشكلون ما يقارب 20% من السكان، عانوا على نحو مروع في ظل حكم طالبان، الذين اعتبروهم مرتدين. ومنذ عام 2001، تمتع الشيعة، خاصة أقلية هزارة، بفترة ازدهار. وقد تعرض الرئيس كرزاي، الذي يعتمد على دعم كبير من قبل الولايات المتحدة وحكومات غربية أخرى في بقائه في السلطة، لانتقادات دولية حادة لتوقيعه على مشروع القانون ليتحول بذلك إلى قانون. وتراود الشكوك الكثيرين هنا بأنه اتخذ هذه الخطوة انطلاقا من رغبته في كسب ود رجال الدين الشيعة، خاصة مع استعداده لانتخابات في وقت لاحق من هذا العام للفوز بإعادة انتخابه. يذكر أن الحكومات الأفغانية السابقة، وخلال الحقبة السوفياتية وقبل وصول طالبان لسدة الحكم، لم تفرض مثل هذه القوانين المقيدة للحريات، بالرغم من أنه على الصعيد العملي تعرضت حريات النساء داخل الكثير من المناطق القروية لقيود شديدة منذ أمد بعيد. ويرى النشطاء الحقوقيون أن القانون المرتبط بالشيعة يمكن أن يؤثر على مقترح خاص بالسنة ومسودة قانون يناهض العنف ضد المرأة. واستجابة لصيحات التنديد بالقانون الجديد، شرع كرزاي في البحث عن سبيل للتخلص من أكثر المواد إثارة للجدل داخل القانون الجديد. وفي لقاء عقد معه يوم الأربعاء، قال المتحدث الرسمي باسمه، هومايون حميد زاده، إن التشريع لم يتحول إلى قانون بعد، نظرا لعدم نشره في السجل الرسمي الحكومي. وأضاف أن هذا يعني أنه ما زال من الممكن تغييره. وبالفعل، طلب كرزاي من وزير العدل النظر بهذا الأمر. وقال حميد زاده: «نحن على ثقة من أن أي نتيجة ستتمخض عنها هذه العملية ستأتي متوافقة مع الحقوق المنصوص عليها في الدستور ـ المساواة وحماية المرأة». ومن ناحية أخرى، بدأت النساء اللائي شاركن بتظاهرة الأربعاء مسيرتهن بما بدا وكأنه عمل استفزازي، حيث احتشدن خارج مدرسة خاتم المرسلين، التي يتولى إدارتها آية الله آصف محسني، أقوى رجل دين على مستوى البلاد، اضطلع مع رفقته من العلماء بدور مهم في صياغة بنود القانون الجديد. وصاحت سيدة عبر مكبر للصوت قائلة: «نحن هنا للمطالبة بحقوقنا». ثم رفع النساء اللافتات وشرعن في ترديد الهتافات. وجاء رد الفعل فوريا، حيث تدفق مئات الطلاب من المدرسة، التي ينتمي معظم طلابها، لكن ليس جميعهم، إلى الرجال، إلى الشارع لمواجهة المتظاهرات. وصاحت حشود التظاهرة المقابلة: «الموت لأعداء الإسلام!» بينما أخذوا يطوقون المتظاهرات. ومضت المتظاهرات قدما في مسيرتهن، في الوقت الذي حرصت قوات الشرطة، بعض أفرادها من النساء، على الفصل بين الجانبين.

* خدمة «نيويورك تايمز»