فسيفساء المرشحين إلى الانتخابات اللبنانية: الصراع من أجل المقعد

نائب لشهر ولا مواطن لدهر.. شعار مرفوع.. وامتيازات المنصب رغم تكاليفه أحد الدوافع

TT

«نائب لشهر ولا مواطن لدهر»، شعار يرفعه كل لبناني ذاق «طعم الكرسي النيابي»، ولم يعد يستطيع أن «يفطم» طموحه عنه، باستثناء قلة لا يرتبط حضورهم السياسي بلقب «سعادة النائب».

وهم عادة يضيفون إلى المركز الذي يتبوأونه ولا يحتاجون إليه ليثبتوا وجودهم، ومنهم على سبيل المثال نائب رئيس مجلس الوزراء السابق عصام فارس، والنائب الحالي سمير فرنجية، والنائب والوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون، الذين يفضلون خوض غمار المعارك الانتخابية الناضجة، حيث يجب ووفق معطيات منطقية. ولكن إذا عرضنا لوائح المرشحين للمجلس العتيد لأحصينا فيها حوالي ستين نائبا سابقا من دون السهو والخطأ.

وفي حين يأتي إقدام بعض النواب السابقين على الترشح طبيعيا نظرا إلى مكانتهم وقماشتهم السياسية، ومنهم الرئيسان نجيب ميقاتي، وعمر كرامي، والوزير نسيب لحود، نجد أن علاقة البعض بالكرسي أشبه بالإدمان، وكأن لا حياة خارج قبة البرلمان. أحد النواب السابقين يصف هذه الحالة، فيقول: «عندما يخرج المرء من الندوة البرلمانية يغرق في النسيان. يصمت هاتفه، ويفرغ منزله من أصحاب الحاجة، الذين كانوا لا يسمحون له بالراحة. يعود مغمورا وينفرط عقد أصدقائه الموسميين». معظم هؤلاء لا يملكون فكرا سياسيا أو مشروعا وطنيا، ولا يحسبون على أي من القوى السياسية الرئيسية في لبنان. وبالتالي فإن خسارتهم مقعدهم تعني زوالهم من الذاكرة. نائب حالي أكد أنه لا يستطيع أن يفكر بوضعه إذا لم يفز في الانتخابات. فهو تعود منذ السبعينات على الحصانة والامتيازات. لا يتصور نفسه من دون سائق، جالسا في سيارة عادية لا «تزينها» اللوحة الزرقاء (الخاصة بالنواب)، عالقا في زحمة السير كأي مواطن عادي. ربما هذه الامتيازات هي التي تشجع البعض على التحول إلى مرشحين دائمين، وكأنهم مصابون بمرض مزمن، مع العلم أن تكاليف الترشح تبلغ عشرة ملايين ليرة لبنانية، أي حوالي 6800 دولار. ناهيك عن تكاليف الحملات الدعائية ومصاريف الجولات والاستقبالات وما إلى هناك. لكن (الغالي يرخص) في سبيل الوصول إلى الندوة البرلمانية، لا سيما عندما يجد المرشح من يغذي طموحه ويصور له المعركة مضمونة النتائج. وهذه الوسيلة راجت إلى حدودها القصوى في زمن الوصاية السورية، فكان كل من ينال وعدا شفويا من أحد المسؤولين السوريين أو القريبين منهم مقابل بعض «الهدايا العينية أو النقدية» يسارع إلى فتح بابه وطبع صوره لتعلق في كل مكان، ويبدأ جولاته مصحوبا ببعض «المحاسيب والوجهاء».

بعد خروج الجيش السوري من لبنان، تغيرت صيغة الترشيحات. إلا أن عددها ارتفع وبلغ السبعمائة، ليسجل رقما قياسيا في الدورة الحالية. حساب بسيط يبين أن 265 مرشحا يتوزعون على كتلتي «14 آذار» و«8 آذار»، لهم حيثيات على الساحة السياسية، لأنهم منضوون تحت راية مرجعية مضمونة ومؤهلة لخوض معركة انتخابية. يضاف إلى هؤلاء حوالي 50 مستقلا لا يستهان بحضورهم على الساحة السياسية، ليبقى 400 مرشح على الهامش مع حظوظ شبه معدومة. وقد نجد بين هؤلاء أقارب وأشقاء متنافسين في الدائرة ذاتها، كما هي الحال مع الشقيقين المرشحين عن أحد المقاعد المارونية في قضاء كسروان، يوسف المعروف بجوزف لويس أبو شرف، ومنوئيل المعروف بمارون لويس أبو شرف. كذلك قد يدفع الطموح أبناء العائلة الواحدة ليتزاحموا على مقعد درزي «يتيم» في بعبدا، حيث أعلن خمسة مرشحين من عائلة الأعور ترشحهم عن المقعد المذكور، بالإضافة إلى أربعة آخرين.

أبناء النواب الراحلين لم يوفروا المناسبة بدورهم، وذلك على أمل العودة إلى «مجد غابر» كما هي الحال مع جوزيف إلياس حبيقة، وكميل فريد سرحال، ونقولا نديم ناجي سالم، وسامر جورج سعادة، وغيرهم. ويبقى أن ما يحصل في لبنان في المواسم الانتخابية لا يمكن حصوله في أي مكان آخر. ذلك أن نائب جزين الحالي سمير عازار، لم يجد بديلا عن ترشيح نجله إبراهيم سمير عازار عن المقعد ذاته، وذلك لأنه يواجه تعقيدات في مسألة ترشحه ضمن تحالف قوى «8 آذار» بسبب عدم الوصول إلى اتفاق مع رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، المصر على قيادة «التيار الوطني الحر» لائحة جزين. وهذا الأمر لن يقبله النائب العريق، لذا وفي حال أرغم على تحالف يعتقد أنه لا يليق به، فإنه سينسحب لمصلحة نجله عوض القبول بالأمر الواقع.