«سي آي إيه» عذبت أبو زبيدة رغم إدلائه بما لديه من معلومات

تصاعد الانقسامات بشأن استخدام الأساليب العنيفة ضد معتقلي «القاعدة»

TT

كشف مسؤولون سابقون في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، كما ورد في حاشية لإحدى المذكرات القانونية التي أفرج عنها مؤخرا، أن الاستخدام الأول لأسلوب الإيحاء بالغرق والمعاملة العنيفة الأخرى جرى بأوامر من مسؤولي الاستخبارات المركزية، على الرغم من قناعة المحققين بأن المعتقل قدم بالفعل كل ما يملكه من معلومات.

وتظهر المقابلات ومراجعات الوثائق التي أفرج عنها حديثا، أن مسؤولي الاستخبارات المركزية أمروا بتصعيد أساليب الاستجواب العنيفة ضد أبو زبيدة، معتقل «القاعدة»، التي كان من بينها تقييده في صندوق ورطمه في الحائط، بناء على تقييم بالغ السرية يشير إلى أهميته.

وقال أحد مسؤولي الاستخبارات السابقين، الذي كان على اطلاع مباشر بالقضية: إن أبو زبيدة قدم الكثير من المعلومات القيمة تحت أساليب تعذيب أقل وطأة، وأن ازدياد قسوة أساليب التحقيق لم تسفر عن أي نجاحات كبيرة، وأن مشاهدة تعذيبه أحدثت حزنا كبيرا لدى معتقليه.

وأضاف المسؤول، أنه حتى أولئك الذين اعتقدوا أن أساليب التعذيب الوحشية يمكن أن تحقق نتائج «رأوا أن أعماق هذه المأساة الإنسانية والمعاملة المهينة كان لها تأثير مؤلم».

كان مسؤولو وكالة الاستخبارات المركزية قد تبنوا هذه الأساليب في التحقيق، بعد أن منحت وزارة العدل لمسؤولي الوكالة الموافقة القانونية على القيام بذلك في الأول من أغسطس (آب) من عام 2002، في واحدة من بين أربع مذكرات سرية حول التحقيقات، التي أفرج عنها يوم الخمس.

وقد وصفت حاشية إحدى المذكرات الأخرى، الخلاف الذي وقع بين الضباط المسؤولين عن استجواب أبو زبيدة، في السجن السري التابع للوكالة في تايلاند، ورؤسائهم في مقر الوكالة، حيث أكد الضباط على أن تلك المعاملة «قد لا تكون ضرورية».

وتقول حاشية المذكرة، مقتبسة جزءا من تقرير حول برنامج عمليات الاستجواب، الذي أصدره المفتش العام بالوكالة: «على الرغم من أن الفريق المسؤول عن التحقيق مع أبو زبيدة حكم بأنه متجاوب، إلا أن عناصر في مقر الوكالة كانوا لا يزالون يعتقدون أنه لا يزال يحتفظ بالكثير من المعلومات».

وتعود النقاشات حول أهمية دور أبو زبيدة (اسمه الحقيقي زين العابدين محمد حسين)، في «القاعدة» وما أخبر به المحققون، إلى الوقت الذي تعرض فيه للأسر. وقد وصفه رون ساسكند، في كتابه «عقيدة الواحد في المائة»، الذي أصدره في عام 2006، وفي مقال في صحيفة «نيويورك تايمز» في عام 2006، وفي مقال في صحيفة «واشنطن بوست» في 29 مارس (آذار)، مؤكدا على أن اعترافاته لم تحبط أي مؤامرة إرهابية.

لكن المقابلات التي أجريت مع مسؤولين حكوميين حالين وسابقين كانوا على اطلاع مباشر وغير مباشر باستجواب أبو زبيدة، أشارت إلى أن الولايات المتحدة بدأت في استخدام أسلوب الإيحاء بالغرق، الذي وصفه كبار مسؤولي إدارة أوباما بأنه تعذيب غير قانوني، نتيجة لفهم مغلوط عميق من معتقليه.

وعندما أسر أبو زبيدة في مارس (آذار) من عام 2002، في باكستان بعد تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن الباكستانية المدعومة من قبل عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركية وعناصر الاستخبارات، صوره مسؤولو إدارة بوش على أنه قائد من قادة «القاعدة»، وقد انعكس هذا التصور في الرأي القانوني، الذي وقعه جاي بايبي، الذي كان يشغل آنذاك منصب رئيس مكتب وزارة العدل للاستشارات القانونية، في الأول من أغسطس (آب) 2002.

وتلخص المذكرة حكم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بأن أبو زبيدة، الذي كان يبلغ من العمر 31 عاما آنذاك، قد ارتقى بسرعة «ليشغل منصب الرجل الثالث أو الرابع في «القاعدة». وأنه عمل «كأحد كبار قادة بن لادن العسكريين»، كما قالت أيضا أنه «كان يدير شبكة معسكرات التدريب، ومتورط في كل العمليات الإرهابية التي نفذتها «القاعدة»».

وتحدثت المذكرة عن تصوير وكالة الاستخبارات المركزية لشخصية «مستقلة بصورة كبيرة، لشخص يجل استقلاله» ونرجسي مخادع قوي البنية، يعتقد ضباط الوكالة أنه أرفع المسؤولين الإرهابيين، الذين ألقي القبض عليهم منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001.

وقد بدأ استجواب أبو زبيدة، بحسب الروايات المتعددة، في باكستان، واستكمل الاستجواب في سجن الولايات المتحدة السري في تايلاند، مع فريق يقوده اثنان من مكتب التحقيقات الفيدرالية، الذين ساعدوا في العناية به حتى شفيت جروحه، التي أصيب بها خلال تبادل إطلاق النار.

ربما يكون أبو زبيدة قد قدم واحدة من أهم معلومات في المرحلة الأولى من الاستجواب، عندما ذكر اسم خالد شيخ محمد، الذي يكنى بـ«مختار» كمنسق رئيس لهجمات سبتمبر. ولم يغير وصول فريق تحقيقات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، الذي يضم أطباء نفسيين عسكريين سابقين، بعد أسبوع أو اثنين من القبض عليه، من عملية الاستجواب، بل دأبوا على الإبقاء عليه مستيقظا ليلا ونهارا، عبر تشغيل موسيقى روك صاخبة، وتجريده من ملابسه وحبسه في زنزانة باردة.

لم تكن هناك أسس قانونية مؤكدة لهذه الصورة من المعاملة، لكنْ محامو وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية كانوا على اتصال مستمر بالمحققين، إضافة إلى دعم بايبي في مكتب الاستشارات القانونية، وجون سي يو، الذي كان يقوم بكتابة مسودات المذكرات الخاصة بشأن القيود القانونية الخاصة بالاستجواب. استمر أبو زبيدة خلال صيف عام 2002، بتقديم المزيد من المعلومات الثمينة، وبدأ المحققون في الاعتقاد بأنه لم يكن قائدا وأنه كان يعمل في معسكرات التدريب على إعداد وثائق مزورة وسفر جهاديين من بينهم أعضاء «القاعدة».

كان لدى أبو زبيدة ما يكفي من المعلومات لتقديمها للمحققين، حيث قال عنها أحد ضباط الوكالة: إنها «خارطة طريق لنشطاء «القاعدة»». كما كرر الحديث عن مخططات وأهداف محتملة في الولايات المتحدة، بالرغم من أن متابعة عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالية لهذه المعلومات، أثبت أن غالبيتها كانت اعترافات لا قيمة لها أو أفكارا أولية مستحيلة.

وقال مسؤولو وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السابقين: إن المعلومات التي قدمها أبو زبيدة كانت قيمة للغاية، وأسهمت في تعقب العديد من الإرهابيين المهمين، من بينهم خالد شيخ محمد.

لكن كبار مسؤولي الوكالة، لا يزالون مقتنعين، كما قالوا للرئيس جورج بوش وفريقه، أنه كان قائدا هاما في «القاعدة»، وأصروا على أنه لا يزال في جعبته الكثير لم يفصح عنه.

وقال أحد مسؤولي الوكالة السابقين، الذي كان على صلة مباشرة بالقضية: «حصلنا على كم هائل من المعلومات، لكن الإدارة كانت تقول: لا بد وأن هناك المزيد». وتصف حاشية المذكرة أن «أسلوب الإيحاء بالغرق تم استخدامه بناء على أوامر من إدارة الوكالة، وأن مسؤولين من الوكالة قد تم إرسالهم لمشاهدة جلسة الإيحاء بالغرق الأخيرة».وقد خلصت المذكرة التي كتبت في عام 2005، ووقع عليها ستيفن برادبيري، الذي عمل في مكتب المستشار القانوني، إلى أن استخدام الإيحاء بالغرق مبرر، حتى وإن تبين أن المعتقل لا يحمل من المعلومات ذلك القدر الذي اعتقده المسؤولون.

ويقول أحد ضباط وكالة الاستخبارات السابقين، الذي اشترك في قضية أبو زبيدة: «إنه لم يكن يعرف الكثير من المعلومات. لقد طلب الإبقاء على حياته، لكنه لم يقدم معلومات جديدة، إذ لم يكن لديه أي جديد ليقدمه».

وأشار تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الذي نشر في عام 2007، إلى أن اللجنة التقت أبو زبيدة في 2006، حيث وصفت ما تعرض له بأنه «تعذيب حقيقي» شمل الإيحاء بالغرق، الذي بدأ بعد «شهرين ونصف أو ثلاثة» من وصوله إلى الموقع السري.

وفي مقابلة مع مسؤول استخباراتي، قال: إن أبو زبيدة «كان منسقا إرهابيا هاما، وأن المعلومات التي قدمها كانت مادة هامة لنجاح عمليات مكافحة الإرهاب».

* خدمة «نيويورك تايمز»