قمة الأميركتين: مصافحة أوباما وشافيز تسرق الأضواء.. والرئيس الأميركي يمد يده لجيرانه

أورتيغا ألقى خطابا مليئا بالسخرية.. وأوباما خرج عن النص للتحذير من المبالغة

أوباما في قمة الأميركتين يتوجه إلى المنصة الرئيسية لإلقاء كلمته (أ.ف.ب)
TT

مد الرئيس الأميركي باراك أوباما يده لجيرانه في أميركا الجنوبية، في القمة التي حضرها أمس، حيث عرض بداية جديدة في العلاقات الأميركية الكوبية، وصافح الرئيس الفنزويلي اليساري هوغو شافيز الذي قدم له كتابا عن استغلال أميركا اللاتينية من قبل القوى الأجنبية.

وصافح أوباما شافيز، وبدا الرجلان وهما يبتسمان، وقال الرئيس الأميركي لنظيره الفنزويلي الذي شبّه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بالشيطان: «كيف حالك؟»، وقال شافيز واصفا أول مصافحة له مع أوباما: «أعتقد أن هذه لحظة جيدة، وأعتقد أن الرئيس أوباما رجل ذكي مقارنة بالرئيس السابق». وقالت وكالة «أسوشييتد برس» إنه لدى بداية الاجتماعات التي استمرت على مدار يوم كامل في دولة ترينداد وتوباغو، التي تتكون من جزيرتين، والقريبة من الساحل الفنزويلي، مشى الرئيس شافيز إلى أوباما وربت على كتفه وأهداه كتاب «عروق أميركا اللاتينية المفتوحة: خمسة قرون من نهب قارة»، الذي ألفه إدواردو غاليانو، وهو مقال عن التدخل السياسي والاقتصادي الأميركي والأوروبي في المنطقة. وكانت المصافحة سريعة ولكنها لم تمر مرور الكرام بين رئيس الولايات المتحدة والرئيس الذي يمثل معسكر اليسار المتطرف في أميركا اللاتينية. وقال مصدر في الرئاسة الفنزويلية لوكالة الصحافة الفرنسية إن «المصافحة دامت بعض ثوان. لقد التقيا وتصافحا وتبادلا السلام قبل بدء أعمال القمة. جرى الأمر في وقت قصير جدا، سلم الرئيس شافيز على أوباما باللغة الإسبانية، وأجابه الأخير بالإنجليزية». وأضاف أن الرئيسين اللذين التقيا للمرة الأولى كانا باسمين مرتاحين، وأن شافيز قال لأوباما: «بهذه اليد صافحت قبل ثماني سنوات (الرئيس الأميركي السابق جورج) بوش. أريد أن أكون صديقك». وقد شكره أوباما وربت على كتفه.

وهيمنت قضية العلاقات الأميركية مع هافانا وفنزويلا على قمة الأميركتين، رغم استبعاد كوبا عن القمة. وقد أشار أوباما إلى استعداده قبول مقترح الرئيس راؤول كاسترو إجراء محادثات حول القضايا التي كانت محظورة من قبل كوبا، مثل عشرات المعتقلين السياسيين الذين تحتجزهم الحكومة الشيوعية. وقال شافيز لدى وصوله إلى القمة أول من أمس إن كوبا المستبعدة عن القمة هي «حاضرة هنا مع فنزويلا».

وتحدث أوباما في سلسلة من الجلسات الكاملة والجلسات الجماعية والاجتماعات الفردية التي أمل البيت الأبيض أن تتحول إلى جدول مزدحم، وقال مساعدو أوباما إنه يأمل في أن يتمكن من عقد لقاءات فردية مع قادة كندا وكولومبيا وبيرو وهايتي وتشيلي. وخلال الاجتماع الأول مع قادة أميركا الجنوبية أعرب أوباما عن أمله في أن تمضي الأحداث بسلاسة خلال الاجتماع، الذي سيتحدث فيه إلى القادة حول الطاقة والأمن والموضوعات الأخرى، وقال: «لدي الكثير لكي أتعلمه، وأنا أتطلع بصدق إلى الاستماع لهم». وخلال الكلمة الافتتاحية التي ألقاها أول من أمس وعد الرئيس قادة الدول الأربع والثلاثين بأجندة ونهج جديدين للأميركتين.

وقال أوباما الذي لقيت كلماته استحسانا وتصفيقا كبيرا: «لقد كنا مبتعدين في بعض الأوقات، وفي أوقات أخرى كنا نحاول إملاء شروطنا، لكنني أتعهد لكم بأن نسعى إلى شراكة متساوية، لن تشهد طرفا أعلى وطرفا أدنى».

إلا أن الرئيس الأميركي خرج عن نص خطابه ليطلب بشكل مهذب، ولكن بحزم، من قادة الأميركيتين عدم الذهاب بعيدا عندما يكون الأمر يتعلق بانتقاد الولايات المتحدة. وبعد أن استمع إلى عدد من القادة وهم يهاجمون نوعا ما بقوة الولايات المتحدة، خرج أوباما للحظات عن نص الخطاب الذي عرض فيه بالتحديد فتح «فصل جديد من الحوار» من الند إلى الند بين الولايات المتحدة وجيرانها الإقليميين. وقال: «الولايات المتحدة تغيرت مع الوقت، هذا الأمر لم يكن دائما سهلا، ولكنها تغيرت. إذن من المهم، أعتقد، تذكير أصدقائي القادة بأن الولايات المتحدة ليست الوحيدة التي يجب أن تتغير. نتحمل جميعا مسؤولية الاستدارة نحو المستقبل».

وأضاف: «نظرا إلى الشكوك التاريخية، من المهم الإقرار بأن سياسة الولايات المتحدة لا يجوز أن تكون سياسة التدخل في شؤون الدول الأخرى، ولكن هذا يعني أيضا أنه لا يمكننا أن نتهم الولايات المتحدة بكل مشكلات المنطقة». وقبل أن يعطى أوباما حق الكلام استمع إلى قادة أشاروا تقريبا بوضوح إلى مسؤولية الولايات المتحدة في الأزمة الاقتصادية التي تضرب بقوة المنطقة، أو رفضوا سياستها الكوبية.

ومد أوباما يده أيضا إلى قائد نيكاراغوا دانييل أورتيغا الذي حاول رونالد ريغان قبل سنوات عدة إقصاءه من الحكم، حيث قال المسؤولون الأميركيون إن أورتيغا تقدم وعرف نفسه للرئيس الأميركي.

وأورتيغا الذي أقصي عن الحكم في انتخابات عام 1990 التي أنهت الحرب الأهلية في نيكاراغوا، ولكنه عاد إلى السلطة عبر صندوق الانتخاب عام 2006، ألقى خطبته المليئة بالسخرية والتي امتدت إلى خمسين دقيقة، حيث شجب فيها الرأسمالية والإمبريالية الأميركية كجذور للأزمات التي تعانيها أميركا الجنوبية. واستشهدت الكلمة بعملية خليج الخنازير لاحتلال كوبا، بالرغم من قول أورتيغا إن الرئيس الأميركي الجديد لا يمكن أن يساءل على ذلك. واتهم رئيس نيكاراغوا دانييل أورتيغا الولايات المتحدة باعتماد سياسة الاستعمار في بورتو ريكو وقمع الشعوب المهاجرة أو المساهمة في فقر أميركا اللاتينية.

وقال أوباما مثيرا لضحكات وتصفيق القادة الآخرين: «أنا ممتن أن الرئيس أورتيغا لم يلق باللائمة عليّ في أمور وقعت عندما كان عمري وقتها ثلاثة أشهر».

لكن قد تكون الكلمة التي لاقت تصفيقا كبيرا من جانب الحضور هي دعوته إلى بداية صفحة جديدة من العلاقات بين واشنطن وهافانا، فقال: «أنا أعلم أن هناك رحلة طويلة لا بد من قطعها للتغلب على عقود الشك، لكن هناك خطوات هامة يمكننا اتخاذها نحو يوم جديد».

وقد أمر أوباما يوم الثلاثاء الماضي بتخفيف قيود السفر والحوالات على الأميركيين ذوي القرابات في كوبا، وخلال ساعات استجاب راؤول ـ الذي تولى السلطة بعد أخيه فيدل المريض ـ بعرض للتحدث مع واشنطن في كل شيء يفصل البلدين. وقد أبدى البيت الأبيض ترحيبه بذلك العرض، لكنه اقترح اتخاذ بعض الإجراءات مثل إطلاق سراح بعض السياسيين في كوبا.

وأضاف أوباما: «إنني لست مهتما بالحوار من أجل الحوار، لكنني موقن أن بإمكاننا تحريك العلاقات الأميركية الكوبية في اتجاه جديد».

وقد هيمنت قضية كوبا على القمة على الرغم من عقدها وسط أسوأ ركود اقتصادي عالمي منذ الكساد الكبير، وقد وعد أوباما دول أميركا اللاتينية التي تعاني نتيجة لانخفاض صادراتها، بإنشاء صندوق إنماء جديد لدول أميركا الجنوبية، وهي مبادرة تهدف إلى زيادة الأمن الكاريبي وشراكة إقليمية جديدة لتطوير مصادر طاقة بديلة ومحاربة ارتفاع درجة حرارة الأرض. لكن الأهم من ذلك أنه عرض نهاية للمنازعات مع أميركا الجنوبية، وقال أوباما: «أنا لم آتِ إلى هنا للجدال بشأن الماضي، لقد أتيت إلى هنا للحديث بشأن المستقبل. يجب علينا أن نتعلم من التاريخ، لا أن نظل أسرى له».