زاهي حواس يرى في اكتشافاته طريقة لإنقاذ حاضر مصر

الحارس على بوابات تاريخ مصر القوة المحركة خلف 19 متحفا

الدكتور زاهي حواس في مقبرة تم اكتشافها حديثا (نيويورك تايمز)
TT

منذ ما يزيد على 2500 عام، وضعت مومياء رجل ثري في مقبرة محفورة يدويا على عمق 60 قدما تحت سطح الأرض في الصحراء. ووضعت بقاياه في داخل تابوت حجري ثقيل، وأغلق إلى الأبد. حسنا، كانت تلك هي الفكرة.

ولكن في أحد أيام شهر مارس (آذار) كسر عمال داخل المقبرة التابوت الموضوع في منتصفها، ورفعوا نصفه الأعلى ولأول مرة منذ ألفين وخمسمائة عام، كاشفين مومياء الرجل. من كان هناك لكي يكتشف المومياء؟

يقول الدكتور حواس بلهجة مسرحية، وهو يزيل بعض الأتربة من على المومياء أمام الكاميرات: «أعتقد أن هذا الرجل كان مهما».

في خلال سبعة أعوام منذ اختياره أمينا عاما للمجلس الأعلى للآثار، والدكتور حواس في حركة دائمة. ويعلن شخصيا عن كل اكتشاف جديد، وقد كان القوة المحركة خلف خطط إقامة 19 متحفا جديدا، والموافقة على ترميم تسعة معابد في القاهرة، وأسهم في كتب وأفلام تسجيلية ومقالات في الجرائد والمجلات بما لا يعد ولا يحصى، وجميعها تروج للآثار المصرية، وبالطبع لذاته.

ومن الطبيعي ألا يكسبه هذا أصدقاء على الدوام، وقد اعتاد على الصعوبات بسبب تصريحاته الانتقادية لليهود. ولكنه يصر على أنه غير معاد للسامية، وأن تعليقاته تستهدف اليهود الإسرائيليين ومعاملتهم للفلسطينيين.

يقول رئيس قسم الآثار الإسلامية في جامعة القاهرة محمود إبراهيم حسين: «سواء رضينا أو لم نرض فهو نجم، ويعيش حياة النجم. وعندما يذهب إلى مكان ما يجتمع الناس من حوله. ويعطي كثير من الأساتذة محاضرات، ولكن الناس تدفع المزيد لتسمع زاهي وهو يتحدث».

ولد حواس في قرية العبيدية بالقرب من مدينة دمياط شمال شرق القاهرة، في منطقة دلتا النيل. والتحق بالعمل في قطاع خدمات الآثار، كمفتش آثار عام 1969، بعد حوالي عامين من حصوله على درجة البكالوريوس في الآثار الإغريقية والرومانية من جامعة الإسكندرية. وفي عام 1987، نال أول درجة دكتوراه بعد الدراسة في منحة فولبرايت في جامعة بنسلفانيا. وفي 1 يناير (كانون الثاني) عام 2002، عين أمينا عاما للمجلس الأعلى للآثار، ولم ينظر خلفه مطلقا.

لقد كانت الساعة 10:15، وكان حواس ينتظر في قاع حفرة تنقيب عن الآثار. وكان منزعجا، لأنه كان عليه الانتظار لمدة 15 دقيقة. وكان ينقر الأرض بقدمه. وقال لضيوفه المتأخرين: «لقد أصبحتم مصريين»، ثم رسم ابتسامة كبيرة بيضاء. وعلى مدار الساعة التالية، كان عالم المصريات البالغ من العمر 62 عاما، يتسلق فوق المقابر القديمة، ويهبط السلالم المتداعية، وينزل إلى عمق مقبرة قديمة، وفي الوقت ذاته يسجل فيديو من أجل موقعه الشخصي على الإنترنت.

إنه تعريف لتعدد المهام. ويقول حواس: «أسرع واخلع قبعتك». وكان يلوح بما يبدو نسخة من قبعة إنديانا جونز، التي يرتديها دوما. وفي الحقيقة، إنها نسخة مطابقة، حيث وقع عليها بخط يده من الداخل وتتدلى ورقة صغيرة عليها صورته من رباطها.

وقال في لهجة معتادة: «لقد أعطيت واحدة مثل هذه تماما للرئيس بوش. وقالت زوجته إنها صغيرة جدا على رأسه. وكان محبطا للغاية». وكان زاهي حواس يقف داخل مقبرة مكتشفة حديثا، وكانت قد حفرت منذ حوالي 4300 عام من أجل دفن والدة فرعون. على الأقل هذه نظريته. وعندما لا تكشف البقايا عن تفاصيل، يحاول أحيانا الدكتور حواس أن يملأ الفراغ، وينسج قصصا معتمدا على معرفته الواسعة بالتاريخ المصري، ورغبته في اجتذاب أكبر قدر من الجمهور.

وعندما تم العثور على مقبرة في وادي الملوك منذ ثلاثة أعوام، خمن أنها كانت مبنية لأجل والدة الفرعون توت عنخ أمون، وهي طريقة أكيدة لجذب الاهتمام، حتى مع تبرم العلماء المشتركين في الحفر. لقد كانت الغرفة أقرب إلى كونها غرفة تخزين، وذلك ما قالوه وقتها.

وهو يتطلع إلى ما وراء سد ثغرات الماضي. ويقول حواس، إنه يرى في اكتشافاته طريقة لإنقاذ حاضر مصر المتعثر ومستقبلها الغامض. ويعتقد أن مصر الحديثة من الممكن أن تستفيد من الاتحاد خلف «مشروع وطني»، كما فعل المصريون القدماء عندما بنوا الأهرامات والمقابر. وقال حواس: «في مصر تحتاج إلى مشروع يمكن أن يؤمن به الجميع، مشروع وطني». وكان يقف إلى جانب أعجوبة من صنع الحرفيين القدماء، لوحين من الغرانيت الأحمر المحفور بأدوات يدوية بسيطة ونقل لمسافة آلاف الأميال من شمال أرض الأقصر الجبلية إلى هرم صغير من الحجر الجيري هنا، خارج القاهرة الحديثة. «علينا أن نتعلم من مصر القديمة». يقول جمال الغيطاني، رئيس تحرير مجلة مصرية أدبية: إن فكرته لا تعتبر غير مألوفة، مضيفا: «بالطبع نحتاج إلى مثل ذلك المشروع اليوم، ولكن المشروع الوطني يعني هدفا أكبر يمكن أن يتحد المجتمع كله خلفه».

ولا يتحدث حواس في السياسة، بل ويفقد صبره إذا طلب منه التوقف عندها طويلا. فيكفي الحديث عن المشروع الوطني والمقبرة. وغادر في سيارته ذات الدفع الرباعي، مع حاشية قليلة لاستعراض المقبرة الجديدة، التي تم اكتشافها مؤخرا.

ومثل المقبرة الأولى، تم اكتشاف المقبرة عندما ألقت الشرطة القبض على لصوص ينقبون في الرمال. وقال حواس إنهم نقبوا وكشفوا عن أكبر جبانة مستخدمة في مصر، حيث تتراوح أعمار مقابرها ما بين آلاف السنين. وقد سرقت معظم المقابر منذ القدم. ولكن ظلت مقبرة الرجل الثري لم تمس. وبدا المدخل مثل بئر الماء، حيث كانت تنمو فوقه شجرة يتدلى منها حبل ودلو مطاطي في نهايته. وأدخل حواس قدمه اليسرى في الدلو، وأمسك بالحبل ووقف هناك في الوقت الذي أنزله فيه فريق العمال إلى الداخل. وصاح: «أسرعوا» في الوقت الذي كان فيه يترنح ما بين الجدران. وقال في النهاية لدى وصوله إلى القاع: «لم يكن هذا آمنا».

وكانت المقبرة باردة ومظلمة، مضاءة فقط بمصباح واحد. وكانت هناك ثلاثة أرفف محفورة في الحائط. أحدها عليه أربع مومياوات صغار ومومياء كلب محنط. ويحمل الرفان الآخران عظاما وجماجم آدمية.

ثم جذب الدكتور حواس الانتباه إلى التابوت والمومياء، التي لم تمس. وقال: «أعتقد أنه كان العمدة. لا بد وأن كان معه المال ليدفن هكذا في الحجر الجيري».

والآن أنزل العمال سلما خشبيا ضخما إلى المقبرة، ليتمكن الدكتور حواس من الصعود. وبمجرد خروجه، التقطت بعض مشاهد الفيديو لأجل موقعه الإليكتروني ثم غادر. وبعد أقل من أسبوعين كان هناك اكتشاف آخر، عشرات من المومياوات الملونة في مقبرة جماعية في الفيوم، وهي مدينة تطل على واحة وتبعد عن جنوب القاهرة بحوالي ساعتين. وتم الكشف عن 53 مقبرة، يرجع بعضها إلى 4000 عام. ومن الذي أعلن عن الاكتشاف؟ حسنا هذه مصر، فمن غيره؟

* شاركت في التقرير منى النجار ـ خدمة «نيويورك تايمز»