المباحث الأميركية توسع قاعدة بيانات الحمض النووي

بزيادة تقدر بنحو 17 ضعفاً وسط مخاوف بشأن خصوصية من تثبت براءتهم

TT

يسعى مسؤولو تطبيق القانون إلى توسيع قاعدة بياناتهم الخاصة بـ«الحمض النووي» (دي إن إيه) لتضم ملايين من الأفراد الذين اعتقلوا أو ألقي القبض عليهم ولم تنته محاكمتهم بعد. وقد أثارت تلك الخطوة، التي تهدف إلى المساعدة على حل المزيد من الجرائم، المخاوف بشأن خصوصية صغار المجرمين والأشخاص الذين تثبت براءتهم.

ولم تقم الحكومة الفيدرالية حتى الآن إلا بالتعقب الجيني للمدانين، بيد أنه بداية من هذا الشهر سيقوم مكتب المباحث الأميركية بضم 15 ولاية تضم عينات الحمض النووي من الأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة كما ستجمع عينات من المهاجرين المعتقلين، الأمر الذي يعد بداية لحملة التسجيل الجيني الآخذة في التنامي.

ويتوقع مكتب المباحث الأميركية الذي يمتلك قاعدة بيانات تضم 6.7 مليون فرد، تسريع نسبة نمو هذه المجموعة من 80 ألف سجل جديد في العام إلى 1.2 مليون فرد بحلول عام 2012، أي بزيادة تقدر بنحو 17 ضعفاً. ويقول مسؤول مكتب المباحث الأميركية إنهم يتوقعون تراكم عمليات معالجة الحمض النووي، والتي تقف عند 500 ألف قضية قابلة للزيادة.

ويقول مسؤولو تطبيق القانون إن توسيع بنوك معلومات الحمض النووي لتشمل الأفراد الذين تمت تبرئتهم عبر القضاء سيساعد في حل المزيد من قضايا العنف. وأشاروا إلى أن الحمض النووي أسهم في إدانة آلاف المجرمين، كما أسهم أيضاً في تبرئة أكثر من 200 شخص أدينوا عن طريق الخطأ.

لكن خبراء القانون الجنائي، الذين استشهدوا بالتعديل الرابع للدستور بشأن الخصوصية، أعربوا عن قلقهم من أن الولايات المتحدة بدأت تتحول إلى دولة مراقبة جينية. وقال هاري ليفني، أستاذ علم الاجتماع في جامعة «سيتي» في نيويورك، الذي يدرس الاتجاهات الشرطية: «أنشئت قاعدة بيانات الحمض النووي في الأساس للتعامل مع جرائم العنف الجنسية والقتل وعدد محدود جداً من الجرائم، وبمرور الوقت تمت إضافة المزيد والمزيد من الجرائم الوحشية إلى قاعدة البيانات تلك، التي يفضلها رجال الشرطة والمدعون العامون لأنها تمنح كل الأفراد المزيد من المعلومات وتسهم في خلق قاعدة بيانات للمشتبه بهم».

وتدعم المحاكم الأميركية بشكل عام القوانين التي تسمح بالحصول على عينات إجبارية من المدانين والمحكوم عليهم السابقين بموجب إطلاق السراح الخاضع للمراقبة على أساس أن أفعال المجرم تلغي حقه في الخصوصية.

بيد أن الحصول على الحمض النووي خلال الاعتقال يقوض ما تدعيه المحاكم، حيث وجدت الدراسة الأخيرة التي أجراها الكونغرس أن: «المحاكم لم تلتزم بالقيود القانونية بصورة كاملة في توسعة مجموعة الأشخاص الذين اعتقلتهم الحكومة ولم تحاكمهم أو تصدر بحقهم أي أحكام».

ويجب على القصر، في خمس وثلاثين ولاية، تقديم عينات الحمض النووي، عند إدانتهم، في حين تطلبها بعض الولايات عند الاعتقال. وقد رفع ثلاثة مشتبهين من الأحداث دعوى لمنع تقديم عينة الحمض النووي خلال الاعتقال، الأمر الذي دعا القاضي إلى وقف أخذ العينات من الشباب الثلاثة بصورة مؤقتة ولا تزال القضية متداولة في أروقة المحاكم.

وتقوم 16 ولاية بأخذ عينات الحمض من المدانين والمحكوم عليهم في جرائم صغيرة. ونظراً لأن وكالات الشرطة تقوم بأخذ عينات الحمض النووي من الأحداث والمشتبه بهم، يقول المدافعون عن الحقوق المدنية إن الحكومة بدأت في فرض سطوتها على المواطنين بصورة كبيرة. وقال مايكل ريتشر، لصالح اتحاد الحقوق المدنية الأميركية: «إن ما نطمح إليه ـ وما يحظره الدستور ـ هو عدم التمييز في أخذ عينات الحمض النووي في أمور كتابة شيك بدون رصيد أو سرقة السلع، أو جرائم المخدرات». وقد بدأت ولاية كاليفورنيا في جمع عينات الحمض النووي أثناء الاعتقال، ويتوقع أن تتضاعف نسبة نمو قاعدة بياناتها من 200 ألف في العام إلى 390 ألفاً. كان بريان روبرتس، البالغ من العمر 29 عاماً، أحد أولئك الذين تعرضوا لتقديم عينة الحمض النووي خلال الاعتقال، خلال وجوده في مؤسسة توين تاورز الإصلاحية في لوس أنجليس، انتظاراً لمحاكمته على حيازته مخدر ميثامفيتامين، وقد سمح روبرتس لنائب المأمور بأن يأخذ منه عينة الحمض النووي. وسوف يترجم الحمض النووي الخاص بروبرتس إلى مجموعة من الأرقام المتسلسلة على قاعدة بيانات مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تعد الأضخم في العالم. وسوف يقوم النظام بالبحث عن تطابق بين الحمض النووي لروبرتس والبيانات الأخرى كل يوم اثنين من الآن إلى ما لانهاية، حتى يقوم روبرتس في يوم من الأيام بترك نقطة دم أو سائل منوي في مسرح جريمة ما.

ويقول مسؤولو تطبيق القانون إن عينات الحمض النووي خلال الاعتقال لا تختلف عن بصمات الأصابع في السجلات العادية وأن الولايات تقوم بطمس هذه المعلومات بعد أن تتم تبرئة المشتبه بهم. على الجانب الآخر يقول محامو الدفاع: «من الناحية العملية، فإن ذلك عملية معملية تتطلب في الغالب أمراً من المحكمة». (يقول مكتب التحقيقات الفيدرالية إنه لم يتلق طلباً بمحو بيانات من قاعدة بياناته).

وعندما يتم أخذ الحمض النووي من أحد الأشخاص عن طريق الخطأ فإن محو البيانات يمكن أن يمثل صعوبة كبيرة. ففي بنسلفانيا، قضت إيلين سابر، المحامية، أسابيع تحاول محو البيانات الخاصة بأحد الصبية، يبلغ من العمر 14، حيث أخذت عينة حمضه النووي عن طريق الخطأ لاتهامه بالاعتداء وسرقة دراجة. وقالت إيلين: «سوف أحصل على قرار من القاضي للتأكد من أن كل ما يتعلق بحامضه النووي تم محوه».

وتقول الشرطة إن المخاطر المحتملة للمراقبة الجينية تستحق المجازفة لأنها تحل الجرائم ولأن الحمض النووي أكثر دقة في الأدلة المادية الأخرى. وقال ميتش موريسي، محامي مقاطعة دينفر، والمدافع عن توسعة أخذ عينات الحمض النووي: «لقد شاهدت نساء يتنقلن بين سجلات المشتبه بهم بحثاً عن الشخص الذي اغتصبهن، وإن ذلك سيسهم في إنقاذ حياة النساء».

وأشار موريسي إلى بريطانيا التي تحظى بقانون خصوصية أقل من الولايات المتحدة وتجمع عينات الحمض النووي عند الاعتقال منذ أعوام. ورغم أن عدد سكان بريطانيا يبلغ 61 مليون نسمة، فإنها تمتلك معلومات جينية لـ 4.5 مليون شخص. وأضاف موريسي: «يرتكب حوالي 8% من الأفراد 70% من الجرائم، لذا إن استطعت أن تحصل على غالبية هذا المجتمع، فلن تكون بحاجة لأن تقوم بأكثر من ذلك».

لكن نسبة 8% التي يتحدث عنها موريسي تترجم إلى 24 مليون شخص في الولايات المتحدة.

وقد تقدم بريطانيا نافذة على مستقبل المراقبة الجينية البريطانية. ففي مارس (آذار) من عام 2008 كان هناك 857 ألف شخص مسجل في قاعدة البيانات البريطانية ـ خمس المسجلين على قاعدة البيانات ـ بلا سجلات جنائية حالية. ومن ثم قضت المحكمة العليا الأوروبية لحقوق الإنسان في ديسمبر (كانون الأول) بأن بريطانيا انتهكت القانون الدولي بجمع عينات الحمض النووي من أشخاص أبرياء، بمن فيهم أطفال في سن العاشرة.

وقد أبدى منتقدو هذه التوسعة انزعاجهم من ديموغرافية قاعدة البيانات. ومرة أخرى تكون بريطانيا هي الدليل، فيقول تقرير مجلس العموم البريطاني، إن 27% من السود و24% من الذكور السود مسجلين جينياً، مقارنة بـ 6% من البيض.

وقال هانك غريلي أستاذ القانون في جامعة ستانفورد، الذي يدرس التقاطع الجيني والأساليب الشرطية والعرق: إن توسعة أخذ العينات الجينية في الولايات المتحدة، كما في بريطانيا، يمكن أن تفاقم من التمييز العنصري في النظام القضائي الجنائي. ويقدر غريلي نسبة الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية، الذي يشكلون 12% من عدد سكان الولايات المتحدة، على قاعدة بيانات الحمض النووي الفيدرالية، بنحو 40%، كما يتوقع أن تكون نسبة اللاتينيين الذين يشكلون نسبة 13% من السكان والذين ارتكبوا 40% من الجرائم الفيدرالية التي يأتي نصفها تقريباً متعلقاً بجرائم الهجرة، لكي يسيطر معدل العرقين على قاعدة بيانات الحمض النووي.

* خدمة «نيويورك تايمز»