أحمدي نجاد يثير عاصفة انتقادات في جنيف.. والأوروبيون ينسحبون

الرئيس الإيراني: إسرائيل «حكومة عنصرية» * بيريس: كل شيء له حدود حتى حيادية سويسرا * ساركوزي يدعو للحزم حيال نجاد

متظاهرون أمام المبنى الذي عقد فيه المؤتمر الصحافي إثر خطاب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أمس (رويترز)
TT

انتقد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، إنشاء دولة إسرائيل بعد 1945 واصفا إياها بأنها «حكومة عنصرية»، وذلك في كلمة أمام المشاركين في مؤتمر الأمم المتحدة حول العنصرية «دوربان 2» في جنيف. وقال أحمدي نجاد: «بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، لجأوا (الحلفاء) إلى القوة العسكرية لانتزاع أراضي من أمة برمتها، تحت ذريعة معاناة اليهود». وأضاف «أرسلوا مهاجرين من أوروبا، والولايات المتحدة، ومن عالم المحرقة لإقامة حكومة عنصرية في فلسطين المحتلة». وتابع الرئيس الإيراني في كلمته التي تسببت في انسحاب 23 ممثلا للاتحاد الأوروبي، الحاضرين في القاعة وسط صخب الحضور «لا بد من بذل جهود لوضع حد لتجاوزات الصهاينة وأنصارهم». وأدت تصريحات الرئيس الإيراني إلى ردود فعل عنيفة حول العالم من واشنطن إلى لندن، مرورا بتل أبيب وباريس والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. كما قاطع عدد من المشاركين كلمة الرئيس الإيراني، فيما ارتدوا الأنوف الحمراء في علامة على السخرية والانتقاد، غير أن عددا من الوفود التي لم تغادر القاعة صفقت لكلمة أحمدي نجاد، خصوصا الدول الإسلامية والأميركية اللاتينية. فيما اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أن مقاطعة بعض الدول، وخاصة الولايات المتحدة للمؤتمر، يشكل «غطاء لجرائم» إسرائيل ضد الفلسطينيين.

ورد الرئيس الإيراني على منتقديه، معتبرا أيضا مقاطعة بعض الدول الغربية مؤتمر «دوربان 2» بأنه «خطوة أنانية ومتغطرسة». وقال أحمدي نجاد، خلال مؤتمر صحافي بعد كلمته: «من وجهة نظرنا (المقاطعة) تعني الغطرسة والأنانية، وهما عاملان وراء مشكلات العالم». وتخوفا من تصريحات مناهضة للسامية، قررت الولايات المتحدة وألمانيا وكندا وإيطاليا وبولندا وأستراليا وهولندا وإسرائيل مقاطعة مؤتمر «دوربان 2» حول العنصرية.

وعقب خطاب الرئيس الإيراني الذي استمر ثلاثين دقيقة، الذي تضمن أيضا دعوة لاستفتاء عام في الأراضي الفلسطينية بين المسلمين واليهود والمسيحيين، لتحديد هوية الدولة، دانت الأمم المتحدة «اللغة» التي استخدمها الرئيس الإيراني. وأعلن الناطق باسم المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة نافي بيلاي، «نأسف بشدة للغة التي استخدمها الرئيس الإيراني. نرى أن الخطاب لم يكن في محله تماما في مؤتمر يهدف إلى تشجيع التعددية والتسامح». كما سارع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، إلى الإعراب في بيان عن «الأسف» للكلام المناهض لإسرائيل الذي ورد على لسان نجاد. وقال بان كي مون: «إني آسف لاستخدام هذا الموضوع من جانب الرئيس الإيراني بهدف توجيه الاتهام والتسبب بالانقسام وحتى الاستفزاز». وتابع الأمين العام «إنه لمن المؤسف تماما ألا تلقى دعوتي إلى الرئيس الإيراني للتطلع نحو مستقبل موحد آذانا صاغية لديه». ورأى في كلام الرئيس الإيراني «تعارضا مع أهداف هذا المؤتمر».

وكان بان كي مون، حذر قبل ساعات أحمدي نجاد خلال لقاء على انفراد، من أي خلط بين الصهيونية والعنصرية. كما حذرت الدول الأوروبية المشاركة من أنها ستنسحب من القاعة إذا «تلفظ» أحمدي نجاد، المعروف بتهجمه على إسرائيل «باتهامات معادية للسامية». وافتتح مؤتمر الأمم المتحدة حول العنصرية صباح أمس، في جنيف تحت اسم «دوربان ـ2». بعد المؤتمر الأول الذي عقد في دوربان في جنوب أفريقيا سنة 2001. وباشر أعماله في أجواء متوترة بغياب عشر من كبرى الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة وكندا وألمانيا وإيطاليا وأستراليا وبولندا. وأوضحت هذه الدول أنها ترفض المشاركة بسبب حضور الرئيس الإيراني، وتخاف من التجاوزات الكلامية التي يمكن أن تحصل كما حصل عام 2001.

وقال سفير فرنسا جان باتيست ماتيي: «عندما هاجم الرئيس الإيراني إسرائيل من على المنصة، استخلصنا العبر وانسحبنا من القاعة لنؤكد تماما رفضنا القاطع لمثل هذه التصريحات». وأضاف «يجب أن نكون يقظين حيال أي تجاوز» مؤكدا أن «هذا المؤتمر يجب ألا يتحول إلى منصة مناهضة لإسرائيل. قلناها منذ البداية».

ودعا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الاتحاد الأوروبي إلى إبداء «الحزم الشديد» حيال كلمة الرئيس الإيراني، ووصفها بأنها «دعوة إلى الحقد العنصري لا ينبغي السكوت عنها».

ووصف ساركوزي، في بيان كلمة أحمدي نجاد، بأنها «دعوة إلى الحقد العنصري لا ينبغي السكوت عنها»، حيث «ضرب عرض الحائط بالقيم التي يضمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان». وأضاف بيان الرئاسة الفرنسية أن ساركوزي «الذي سبق أن رفض أقوالا غير مقبولة للرئيس الإيراني في ظروف أخرى، يدين تماما خطاب الكراهية هذا». ودعا ساركوزي، الاتحاد الأوروبي «إلى رد فعل شديد الحزم». من جهته أكد وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، أنه «من المستحيل تقديم أي تنازل» حيال تصريحات أحمدي نجاد المناهضة لإسرائيل.

فيما قال السفير البريطاني بيتر جودرهام، الذي فضلت بلاده عدم إرسال وزير إلى جنيف «مثل تلك الملاحظات المروعة المعادية للسامية، لا يجب أن يكون لها مكان في منتدى مناوئ للعنصرية في الأمم المتحدة». بينما قال يوناس جار شتور، وزير الخارجية النرويجي «النرويج لا تقبل أن يعصف طرف شاذ بالجهود الدولية لعديدين»، في إشارة إلى تصريحات الرئيس الإيراني. ووصف مساعد السفير الأميركي في الأمم المتحدة اليخاندرو وولف أمس، تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في الأمم المتحدة بأنها «معيبة» و«مشينة» و«حاقدة».

وقال وولف للصحافيين بشأن التصريحات المشينة والحاقدة للرئيس أحمدي نجاد «شاهدتم ردود الفعل في القاعة ورد الفعل الممتاز للأمين العام (للأمم المتحدة) أنها، معيبة وغير دقيقة وتدل على عدم احترامه لمنظمة الأمم المتحدة التي كان يتوجه إليها». وأضاف أن هذه التصريحات «تضر بالأمة والشعب في إيران. إننا ندعو القادة الإيرانيين إلى اعتماد تصريحات بناءة وأكثر اعتدالا ونزاهة حول القضايا المتعلقة بالمنطقة عوضا عن هذا الخطاب المشين والحاقد»، غير أن واشنطن أكدت في الوقت ذاته أن تصريحات الرئيس الإيراني لن تؤثر على رغبة أميركا في فتح حوار مع أميركا. إلا أن إسرائيل أعربت عن غضبها من تصريحات الرئيس الإيراني في جنيف، واستدعت أمس سفيرها في برن للتشاور احتجاجا على مؤتمر «دوربان 2». وأعرب مسؤول إسرائيلي عن «خيبة أمل» إسرائيل لقرار فرنسا وبريطانيا المشاركة في المؤتمر. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية ايغال بالمور، لوكالة الصحافة الفرنسية «لقد أصبنا بخيبة أمل لموقف فرنسا وبريطانيا، كنا نتوقع موقفا أفضل من هذين البلدين». وأضاف «كانت إسرائيل تأمل في أن تحذو فرنسا وبريطانيا حذو الدول الأخرى التي قررت عدم المشاركة في المؤتمر الذي يعتبر مهزلة». وشدد على أنه من غير الوارد استدعاء سفيري إسرائيل في باريس ولندن للتشاور كما حصل مع سويسرا. وبحسب بيان للخارجية، اتخذ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الخارجية افيغدور ليبرمان، هذا القرار «للتعبير عن استياء (إسرائيل) من عقد مؤتمر «دوربان 2» في جنيف الذي يشارك فيه شخص عنصري، ينكر المحرقة ويقول علنا إنه ينوي شطب إسرائيل من الخريطة».

وفي موازاة ذلك استدعت الخارجية الإسرائيلية الدبلوماسية المعتمدة في السفارة السويسرية في تل أبيب مونيكا شموتز كيرغوز، للاحتجاج. ووصف نتنياهو عند بدء الجلسة الأسبوعية للحكومة الرئيس الإيراني بأنه «عنصري». وقال «في وقت نستعد فيه لإحياء ذكرى ضحايا المحرقة يستقبل مؤتمر يزعم أنه يكافح العنصرية، عنصريا أنكر المحرقة ولا يخفي نيته في شطب إسرائيل من الخارطة». وأضاف نتنياهو «أهنيء الدول التي قررت مقاطعة مهرجان الكراهية هذا»، في إشارة إلى عدد من الدول بينها الولايات المتحدة التي قررت عدم المشاركة. وتحيي إسرائيل اعتبارا من اليوم الذكرى السنوية لذكرى المحرقة.

وفي بيان قال الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس «إنني حزين ومستاء أن يفتتح في مثل هذا اليوم مؤتمر عنصري في جنيف وأن يكون أبرز الخطباء فيه محمود أحمدي نجاد، الذي دعا إلى شطب إسرائيل من الخريطة، وينكر المحرقة». وأضاف «لكل شيء حدود حتى حيادية سويسرا». فيما أكد حائز جائزة نوبل للسلام إيلي فيزل، ردا على سؤال للإذاعة العسكرية الإسرائيلية في جنيف أن «مكان الرئيس الإيراني هو السجن وليس في مؤتمر ضد العنصرية». وأضاف «يجب توقيفه بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية لأنه يدعو إلى القضاء على شعب بأكمله ويهدد بالتالي البشرية برمتها».

على صعيد آخر، أعرب الرئيس الإيراني عن ترحيبه بالتغيير في السياسة الأميركية تجاه طهران ووصف ذلك بأنه «ضروري»، إلا أنه أضاف أنه ينتظر «تغيرات عملية». وقال «نحن نرحب بهذا لأن التغيير برأينا ضروري في هذا الوقت». وأضاف «نحن ننتظر تغييرات عملية وندعم الحوار القائم على الاحترام المتبادل ومبادئ العدل المتعارف عليها».