مهمة خاصة في البيت الأبيض: اختيار الرسائل العشر ليقرأها أوباما يومياً

مدير مكتب المراسلة يوصل صوت الشعب إلى الرئيس الأميركي

مدير مكتب المراسلة مايك كليهر يختار الرسائل العشر من المواطنين التي تصل الرئيس باراك أوباما («نيويورك تايمز»)
TT

تعتبر مهمة إبقاء الرئيس على دراية بشعبه مهمة صعبة للغاية، واسألوا في ذلك مايك كليهر.

مع إشراقة كل صباح، تصل آلاف الخطابات، ورسائل البريد الإليكتروني ورسائل عن طريق الفاكس إلى البيت الأبيض. ويتم تصفية هذه الرسائل إلى بضع مئات منها، ينتهي بها الحال بعد ظهيرة كل يوم من أيام الأسبوع عدا العطلات الرسمية إلى طاولة خشبية دائرية في مكتب كليهر، مدير المراسلات بالبيت الأبيض. ويقوم كليهر بدوره باختيار 10 منها، ثم يضعها في إضبارة أرجوانية تمهيداً لوضعها في الموجز اليومي الذي يصل إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما في مقر إقامته بالبيت الأبيض. وبما أن الهدف من هذه العملية تقديم عينة مختارة لما يفكر فيه الأميركيون، يعمد الرئيس الأميركي إلى قراءة هذه الرسائل بنفسه، وأحياناً يرد عليها شخصياً، كاتباً ملاحظاته بالحبر الأسود على ورقة باللون الأزرق السماوي. ويقول كليهر البالغ من العمر 47 عاماً: «نختار الرسائل التي تفرض نفسها بقوة، وهي الأشياء التي يقولها الناس، وعندما تقرأها، تشعر بالقشعريرة. إنني أرسل إليه الرسائل غير المريحة». ويقول مستشارون إن هذه العادة تتيح للرئيس أوباما طريقاً للتحرك بعيداً عن فقاعة البيت الأبيض، بل إنها أحياناً ما تقود إلى لحظات تكسر هدوءه. وأفاد دافيد أكسلورد ـ مستشار أوباما: «أتذكر أنه كان هادئاً بصورة واضحة، وسألته عما يفكر فيه، فأجابني: «هذه الخطابات تحطمك، لقد تلقيت تواً خطاباً مؤثراً من أسرة تعاني». وتبدأ بعض هذه الخطابات بجملة «أنا لم أصوّت لك»، فيما تنتهي البقية منها بعبارة «ليباركك الله». وجاءت إحدى الرسائل الخطية على هيئة لوح خشبي، مغطى بطوابع بقيمة 2.70 دولار، ومنقوش عليه عبارة تحث الرئيس على «إصلاح قضية الإسكان أولا». كما أن هناك كومة أخرى من الخطابات التي تعرض أفضل النصائح فيما يتعلق بمعاملة كلب الرئيس بو، بالإضافة إلى الكثير من الطرود التي أرسل فيها الأفراد سترات ذات ألوان زاهية لكلب الرئيس. وأوضح كليهر أن الرئيس استخدم هذه الرسائل في السابق لطرح أسئلة بخصوص سياسة الهيئات الحكومية، ويتذكر أكسلورد خطاباً تم تداوله بين أعضاء فريق العمل، من امرأة من غليندال بولاية أريزونا، وكانت هذه المرأة تعيش في خطر فقدان منزلها نظراً لفقدان زوجها عمله.

وقال رام إيمانويل، مدير فريق العمل بالبيت الأبيض، إن أوباما «يؤمن أنه من السهل في واشنطن نسيان أن هناك أناساً حقيقيين يخضعون لتحديات حقيقية تتأثر من النقاش» المتعلق بالسياسات. وأضاف أن الرئيس توجه ذات مرة إلى اجتماع مع مستشاريه السياسيين وحدثهم قائلا: «لا، لا، لا، أريد أن أقرأ عليكم خطاباً وصلني، وأريدكم أن تفهموا». وكتبت سينثيا أرنولد من ولاية بنسلفانيا، للرئيس لإخباره ما الذي حدث بمجرد أن شرعت في مشاهدة حفل يوم التولية على التلفزيون، إذ اتصل بها ابنها الجندي ماثيو أرنولد البالغ من العمر 23 عاماً ـ والمحتمل أن يتم نشر وحدته في الشرق الأوسط ـ من فورت هود بولاية تكساس، لطلب مساعدتها في ملء ورقة عمل. وكتبت سينثيا: «اتصل بي ليسألني من الذي يجب أن يعد ترتيبات جنازته حال وفاته، والده أم أنا؟ ونصحني أنه يتعين أن يكون والده على أساس أنني كنت أتحدث عبر الهاتف بالكاد. كما سألني أين يمكن له أن يقضي فترة نقاهته حال تعرضه للإصابة، هناك في تكساس أم في بنسلفانيا». وعبر كتابتها للخطاب بخط كبير للتأكد من أنه سيكون بمقدور الرئيس قراءته، حثته قائلة: «أرجوك اجعل جنودنا ضمن أولوياتك». وبعد بضعة أسابيع من إرسالها للرسالة، تلقت السيدة سينثيا رسالة خطية من أوباما يقول فيها: «سأفعل كل ما في استطاعتي لجعل جنود مثل ماثيو في أولوياتي. رجاء قولي له: شكراً على خدمتك من القائد الأعلى للقوات المسلحة».

ووقع على الملحوظة الخطية باراك أوباما، كاتباً الحرفين الأولين من اسمه بخط كبير. وقالت الأم إنها شعرت بسعادة غامرة لمناداة الرئيس ابنها باسمه الأول للدرجة التي حملتها على الإجهاش في البكاء، ثم اتجهت بعد ذلك لوضع الخطاب في صندوق آمن حتى تتمكن من وضعه في إطار.

وفيما بعد قال كليهر ـ الذي لديه 3 بنات ـ للسيدة سينثيا إن خطابها لفت انتباهه لأنه أب. وجدير بالذكر أن كليهر ـ المتخرج في جامعة ولاية إلينوي ـ قد خدم في قوات حفظ السلام في سيراليون منتصف الثمانينات من القرن الماضي. وفي عام 2000، لم ينجح في الترشح للكونغرس عن ولاية إلينوي، وحينها التقى أوباما للمرة الأولى، حيث كان يخوض هو أيضاً انتخابات الكونغرس. وفي عام 2006، أصبح كليهر مديراً لمكتب أوباما في شيكاغو. وأثناء وصفه لوظيفته الحالية، تحدث كليهر عن «سمة» كل خطاب والصور والرسائل المكتوبة بقلم الكرايون الملون من الأطفال، والملاحظات المكتوبة على البطاقات البريدية من كبار السن، والمكتوبة على الآلة الكاتبة بأحرف متصلة.

ويوجد في مكتب كليهر صندوق أحمر، يصفه بـ«صندوق عمل الحياة والموت للناخب». ويقول كليهر: «يقول البعض إنني مكتئب، وأرغب في الانتحار، أو لدي مرض يهدد حياتي وأحتاج إلى المساعدة، حينها نستجيب على الفور إليهم. فيما يتم الإبلاغ عن التهديدات للخدمة السرية»، أي الاستخبارات.

وفي يوم تنصيب أوباما رئيساً، كتب مايكل باورز من بيكيفيل، للرئيس أوباما يخبره أنه فقد والده ـ الذي يدخن 3 علب سجائر في اليوم ـ بمرض سرطان الرئة عام 1979.

وكتب باورز، البالغ من العمر 54 عامًا: «مرفق بالرسالة صورة والدي، وهي بحوزتي منذ 30 عامًا تقريبًا من الآن». وأوضح باورز أنه لما رأى أوباما مع ابنتيه أدرك حينها كم أنه يفتقد والده «أكثر مما كان يظن في السابق».

وحث باورز الرئيس قائلا: «إذا كنت ترغب دوماً في البقاء مع ابنتيك، توقف عن التدخين الآن». وبعد مرور شهر، تلقى باورز ردًا على رسالته، وبعد توجيه الشكر له، كتب له الرئيس: «خطاب رائع، ونصيحة غالية، أعدت لك الصورة نظراً إلى أنها بالتأكيد ذات أهمية بالنسبة لك، إلا أنني سأتذكر ذكرى والدك». وعلى جدران مكتبه البعيد بعض الشيء عن البيت الأبيض، لصق كليهر خطابين من ابنته كارول البالغة من العمر 10 أعوام، فقد كتبت له مرة، وعندما لم يرد عليها، كتبت له مرة أخرى تقول: «خطاب متواضع آخر»، وقال إنها استهلته بكتابة: «لاحظت أنك لم ترد على خطابي». حينها قال: «اضطررت إلى الرد عليها».

* خدمة «نيويورك تايمز»