مخاوف من الحراك الأصولي في باكستان

الإسلاميون يأملون في تطبيق الشريعة في أنحاء البلاد بعد نجاحهم في سوات

عناصر من قبيلة بيعة الله محسود زعيم طالبان الباكستانية، خلال اجتماع لمناقشة الهجمات الصاروخية من الطائرات الأميركية بدون طيار على الشريط القبلي (إ.ب.أ)
TT

يوم الأحد الماضي بزغت شمس حقبة جديدة تمتلئ بالاضطرابات المحتملة في وادي سوات الباكستاني، حيث وضع قيادي مسلح إسلامي ـ بعد التوصل إلى اتفاقية سلام مع الحكومة الفيدرالية ـ خطة طموحا لتحقيق «نظام إسلامي كامل» في المناطق الشمالية الغربية وفي مختلف أنحاء البلاد. وخلال كلمة له أمام الآلاف من الأتباع أذيعت مباشرة من سوات على القنوات الإخبارية، تحدى رجل الدين صوفي محمد الدستور والسلطة القضائية الفيدرالية، وقال إنه لن يسمح بتقديم استئناف إلى محاكم الدولة تحت نظام الشريعة التي سوف تطبق هناك بناء على اتفاق سلام وقعه الرئيس الباكستاني يوم الثلاثاء. وأضاف محمد، في إشارة إلى المؤسسات الديمقراطية العصرية في باكستان: «يقول القرآن إن مساعدة النظام الملحد كبيرة»، وأعلن إلغاء «جميع القوانين والتقاليد غير الإسلامية» في سوات الذي يبلغ عدد سكانه 1.5 مليون نسمة، وأشار إلى أن الموافقة الرسمية على الاتفاقية سوف تمهد الطريق لتطبيق الشريعة في مناطق أخرى. وتعد الخطبة المثيرة التي ألقاها محمد بمثابة تكرار لخطبة ألقاها رجل دين راديكالي آخر هو مولانا عبد العزيز، في إسلام أباد يوم الجمعة، حيث ظهر في المسجد الأحمر في العاصمة بعد عامين من الاعتقال ودعا آلافا من التابعين الذين كانوا يرددون الهتافات إلى بدء حملة من أجل تطبيق الشريعة في مختلف أنحاء البلاد. ويبدو أن هذه الخطابات سوف تنشئ حالة من الحراك الديني الأصولي بين المنطقة الشمالية الغربية التي تنتشر فيها عناصر حركة طالبان والعاصمة الفيدرالية المعرضة للمخاطر، والتي تقع على بعد أقل من 100 ميل ناحية الشرق. كما أنها تتضمن تحديا دينيا مباشرا وغير مسبوق لسلطة الدولة المدنية في هذه الدولة الإسلامية التي يبلغ عدد سكانها 176 مليون نسمة. ويقول رفعت حسين الأستاذ في الدراسات الأمنية في جامعة القائد الأعظم الباكستانية، إنه يتوقع زيادة في التفجيرات الانتحارية التي أصبحت أخيرا ظاهرة يومية تقريبا في البلاد. وقد وقع تفجيران حديثا في نقطتَي تفتيش أمنيتين في المنطقة الشمالية الغربية، وقُتل خلال التفجيرين أكثر من 40 شخصا. وقال ريتشار هولبروك المبعوث الخاص الأميركي للمنطقة، في مقابلة أذيعت يوم الأحد على «سي إن إن»، إن قرار المتمردين بالاستمرار في القتال على الرغم من اتفاقية السلام يجب أن يكون «نداء يوقظ جميع من في باكستان بأنه لا يمكن التعامل مع هؤلاء الأشخاص عن طريق التخلي عن أي منطقة، حيث إنهم يزحفون شيئا فشيئا ناحية المراكز المزدحمة بالسكان في البنغاب وإسلام أباد». يُذكر أن ثلاثة أشخاص قُتلوا يوم الأحد في ما يُشتبه أنه هجوم صاروخي أميركي استهدف مجمعا لطالبان في منطقة جنوب وزيرستان القبلية. وقد أصبحت هذه الهجمات وسيلة نافذة لتجنيد المزيد من الأعضاء في التنظيمات المتطرفة في باكستان في الوقت الذي يتنامى فيه العداء لأميركا.

ووافقت الحكومة على مطالب محمد في محاولة لمنع عمليات الترويع من خلال أعمال العنف التي تقوم بها القوات التابعة لطالبان لدرجة أن الجيش لا يستطيع إخمادها على الرغم من مرور أشهر من العمليات في المنطقة التي كانت في السابق مقصدا للسائحين. وخلال مقابلات أجريت معهم أخيرا، تحدث قياديون في وادي سوات ولاجئون عن رجال مسلحين يرتدون عمائم سوداء يقومون بجلد اللصوص على الفور ويقطعون آذان وأنوف كبار السن القرويين الذين يعارضونهم. ويقول جعفر شاه، وهو مشرّع من سوات: «لا يوجد أمامنا خيار آخر، لا قوة لنا كي نجهز على المسلحين، وكان المواطنون يتوقون إلى تحقيق السلام». وقد رعى حزب عوامي الوطني، الذي يتبعه شاه، وهو حزب علماني تاريخيا، اتفاق تطبيق الشريعة. ويقول شاه: «الناس يقولون إننا من أتباع طالبان، ولكن من دون لحى، ولكنه كان الخيار الوحيد المتاح».

وكان يأمل مسؤولون إقليميون وفيدراليون في أن إظهار حسن النية سوف يقف تمادي غارات المتمردين ويوفر الوقت لبرامج المساعدة الأجنبية لتعزيز المنطقة الشمالية الغربية التي تعاني من فقر مدقع ضد رسالة الإسلاميين التي تدعو إلى العدالة الفورية ومساواة اجتماعية. وبدلا من ذلك، تُظهِر الأدلة أن القوى المتطرفة تعلمت درسا مغايرا من انتصارهم في سوات وأنه يحدوهم الحماس لتنفيذ حملتهم المسلحة من أجل تطبيق نمط من الإسلام ذي منحى تأديبي مُعادٍ للنساء على مناطق جديدة. ويرد العديد من التقارير عن أن مقاتلي طالبان يدخلون مناطق في جنوب وغرب سوات وأنهم يقومون بترويع الناس بأسلحتهم وبإلقاء متفجرات على مبانٍ واحتلال البعض منها، وأنهم يلقون القبض على عمال المساعدة ويقتلون النشطاء الذين يدعون إلى حقوق المرأة. وقال متحدث باسم طالبان يُدعى مسلم خان في حديث لخدمات إخبارية باكستانية عبر الهاتف الأسبوع الماضي: «عندما نحقق أهدافنا في مكان، علينا أن نكافح من أجل تحقيق ذلك في مكان آخر، لا تسمح الشريعة لنا بأن نترك أسلحتنا ما دامت الحكومة مستمرة في سياساتها المعادية للمسلمين». وأضاف أن الهدف هو «تطبيق حكم الله على أرض الله».

وفي مدينة ماردان الشمالية الغربية، قام المتمردون بالهجوم على مدراس الفتيات وأجبروا محلا لبيع الأسطوانات المدمجة على الإغلاق وأمروا الحلاقين بعدم حلق لحى الرجال وألقوا متفجرات على مكتب لمنظمة مساعدة خيرية، مما أدى إلى مقتل عاملة. واتهمت قيادات طالبان المنظمة بـ«الدعوة إلى الفحش». واحتل مقاتلو طالبان منطقة بيرنر لعدة أيام، وأغلق ضريح ديني وأحرقوا أسطوانات «دي في دي» في الشوارع. وبعد ذلك جابوا في المنطقة على موكب من الشاحنات ودخلوا منطقة للجيش شاهري أسلحتهم. وحذرت صحيفة «نيوز إنترناشونال» التي يوجد مقرها في إسلام أباد بعد الاستيلاء على منطقة بيرنر، قائلة: «الواقع الذي لا فكاك منه هو أن دومينو آخر قد أطيح به وأن طالبان أصبحت أقرب بخطوة من إسلام أباد». وشبهت بين الحال في باكستان والوضع الذي كان في فيتنام: «دولة ضعيفة فاسدة (يلتهمها) متمردون ذوو إصرار. طالبان لها اليد العليا وهم يعلمون ذلك».

ومن المفاجئ أن الاحتجاج الرسمي أو العام على زحفهم يتسم بالضعف. ويقول المحللون إن ذلك يرجع من ناحية إلى الخوف من الثأر ومن ناحية أخرى إلى المشاعر الدينية القوية التي جعلت الباكستانيين مترددين في انتقاد مسلمين آخرين. وحتى في الحالات الصادمة، مثل جَلد فتاة من سوات علنا بسبب الاشتباه في ارتكابها الفاحشة، كان الرد من جانب القادة الوطنيين يتسم بالارتباك. قال البعض إن الحادث، الذي ظهر الشهر الماضي على شريط فيديو، كان يهدف منه تقويض اتفاق السلام. وقال آخرون إن ذلك حادثا بسيطا مقارنة بالضربات الصاروخية الأميركية التي تنفذ عبر الحدود.

وبدأت زمرة من الباكستانيين المؤثرين في دق ناقوس الخطر، محذرين في أعمدة الصحف أو في الخطابات من أن الحكومة والمجتمع بحاجة إلى مواجهة العدو في سياق إدراك الاختلاف بين الشريعة التقليدية المتفق عليها، ونسخة الدولة الإسلامية المتطرفة الفجة الوحشية التي تفرضها طالبان.

وشأنها شأن أفغانستان، توجد الشريعة في باكستان بصورة مترادفة مع القانون الحديث، ومع ذلك فإنه لا يحل محله.

وتتجه المحاكم الشرعية إلى الحكم في بعض القضايا الدينية والأخلاقية المحددة، فيما تتناول المحاكم الاعتيادية إجراءات المحاكمة المتعلقة بالقضايا الأخرى. ويؤيد محمد، وعزيز والراديكاليون الآخرون، نسخة أكثر غلظة على غرار تلك التي فرضها حكام طالبان في أفغانستان خلال فترة التسعينات، والتي تتجه إلى عزل النساء عن الرجال، فضلا عن كونها تفرض عقوبات أكثر صرامة. وأوضح المؤيدون لاتفاقية سوات أن سكان المنطقة طالبوا قبل سنوات بإنفاذ قانون الشريعة الإسلامية لإحلال النظام القضائي الفاسد المتباطئ. وأكد زعماء سوات أن الإطار المحلي لقانون الشريعة الإسلامية لطالما كان معتدلا وتقليديا، وأنه في انتخابات العام الماضي، صوّت سكان الوادي على نحو ساحق لحزبين علمانيين.

وبالفعل، يحب السكان الأصليون القدامى لوادي سوات تذكر الأيام الخوالي، عندما كان الهدوء والتسامح يسودان منطقة بساتين التفاح، والتلال التي تغطيها الغابات، والجداول والأنهار الهادئة. وفي تلك الأماكن، يتدفق السياح من اليابان والدول الأوربية لاكتشاف الآثار البوذية القديمة، فيما يمارس المقيمون مزيجا من العادات والتقاليد القبلية ومعتقدات الدين الإسلامي الخالدة فيما بينهم.

ويقول أسعد خان، أحد سكان سوات الأصليين، وهو في الأربعينات من عمره ويعيش في مدينة بيشاور: «شيء ما في طبيعة الأرض جعل من الأفراد رفيقين، وتمثلت ثقافتنا في واحدة من صفات كرم الضيافة المتحضرة. لقد كان الجميع مسلمين، ومع ذلك لم يكن هناك أصولي واحد. ولم يكن المناخ صالحا للقساة والأفكار المتصلبة». وفي هذا الأسبوع، وإبان التصديق على اتفاقية السلام، وصف مسؤولون ووكالات الأنباء الموالية للحكومة الأوضاع في سوات بأنها هادئة، وأنها تعود من جديد إلى الحالة السوية. إلا أن الكثير من الأفراد ممن زاروا مينغورا ـ عاصمة سوات ـ هذا الأسبوع قالوا إنهم طالعوا وجوها مضطربة، ولم يجدوا امرأة واحدة في الأسواق، كما أن تجمعات من المعممين بالعمائم السوداء كانوا يراقبون كل شخص عن كثب. وقال أفضل خان الذي تمت مخابرته هاتفيا في مينغورا: «الصورة مشوشة وغير واضحة. لقد عانى الناس كثيرا، وهم يتوقون إلى السلام، إلا أنهم لا يعلمون ما إذا كان سيدوم أم لا. وما إذا كانت طالبان جادة، فسيسود السلام، أما إذا كان لهم أهداف خفية، ويسعون إلى التفوق على الدولة، فأشك في أن يحل السلام في سوات».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»