منظر تنظيم «الجهاد»: نصر الله وقادة حماس أشعلوا الحرب مع إسرائيل ثم تترسوا بشعوبهم

الدكتور فضل في كتاب تنشره «الشرق الأوسط» : ما تفعله حماس مصادم للدين الآمر بالحرص على الرعية ولكن قادة الحركة أعلنوا أنه لا مانع لديهم من إبادة غزة

فلسطينية تحاول تجنب استنشاق الدخان الصادر من انفجار قنبلة تحتوي على الفوسفور الأبيض استخدمها الجيش الإسرائيلي (أ.ب)
TT

يستكمل السيد إمام عبد العزيز شريف (الدكتور فضل) منظر تنظيم «الجهاد» المصري، خواطره في المسألة الغزاوية، التي كتبها خلال الهجمة الإسرائيلية الأخيرة على غزة، وحملها كتابه «قميص غزة» الذي تنشر «الشرق الأوسط» بشكل حصري حلقات منه.

وفي حلقة اليوم يتحدث الدكتور فضل عن «الخاطرة الرابعة» التي تتمحور حول ما وصفه بالتصرف مع العدو بحسب القدرة لا بحسب الواجب، يقول: مع بداية مأساة غزة الحالية طالب قادة حماس (حكام غزة) أهالي غزة بالصبر والثأر، وأنهم لن يستسلموا ولو تمت إبادة غزة كلها. وهذا الكلام ليست له أي صلة بدين الإسلام الذي سيحاسبنا ربنا على أساسه. فلا يجوز إجبار الناس على ما لا طاقة لهم به، ثم تحميل الآخرين تبعات ذلك، وتوزيع الاتهامات بأن هذا خان القضية وهذا باع القضية.

وقادة حماس الآن يأمرون أهل غزة بما لم يأمر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم أصحابه ـ وهم خير أمة الإسلام؛ ففي حياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وُجدت عدة مجتمعات إسلامية في أماكن وظروف مختلفة، وعمل كل منها باختيار شرعي بحسب ظروفه، من دون نكير من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أحد، ومنها:

1. مسلمون متمكنون لهم منعة في دولة إسلامية، مجاهدون، وهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه بالمدينة بعد الهجرة.

2. مسلمون متمكنون في أرضهم لم يهاجروا إلى المدينة، وهم مخيرون في المشاركة في الجهاد من عدمه، وهم أعراب المسلمين المذكورون في حديث بريدة الذي رواه مسلم.

3. مسلمون مستضعفون مضطهدون تحت سلطة كافرة محاربة، وهم عاجزون عن الهجرة والجهاد، وهم من بقي بمكة بعد الهجرة، ولم يأمرهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالجهاد رغم تشريعه، وعذرهم الله في قوله تعالى: (إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) (النساء 98-99).

4. مسلمون مستضعفون غير مضطهدين وهم تحت سلطة كافرة مسالمة لهم، وهم المهاجرون بالحبشة، وهؤلاء أيضا لم يؤمروا بالجهاد رغم تشريعه.

5. أما المجتمع الخامس الذي وُجد أيضا في حياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو مجتمع المسلمين في اليمن وقت ظهور الأسود العنسي الكذاب الذي ادعى النبوة واستولى على صنعاء، فانقسم الصحابة معه ثلاثة أقسام: منهم من عاد إلى المدينة، ومنهم من تخفى في اليمن، ومنهم من بقي في صنعاء يحتال على الأسود حتى قتله. ولم يعاتب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحدا منهم، وذكر خبرهم ابن جرير الطبري في «تاريخ الرسل والملوك».

6. وعندما خرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه معتمرين في سنة 6هـ، ونزلوا بالحديبية خارج مكة، «دعا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة ليبلغ أشراف مكة ما جاء له، فقال عمر: (يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي وليس بمكة أحد من بني عدي يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياهم وغلظتي عليها، ولكني أدلك على رجل أعزّ بها مني: عثمان بن عفان)، فدعا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عثمان بن عفان فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحربٍ وإنما جاء زائرا لهذا البيت مُعظما لحرمته». ذكره ابن كثير في «البداية والنهاية» مجلد2 صـ598، طـ دار الغد العربي. فهذا عمر بن الخطاب خاف الذهاب إلى مكة، وهو الذي وصفه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله: (أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر) الحديث صحيح رواه أحمد والترمذي.

وقد كان ما سبق كله من الخيارات المشروعة للتصرف مع الأعداء بحسب القدرة، واختيار ما هو فوق الطاقة قد يعني الهلاك، ولهذا لم يأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من بقي بمكة من المستضعفين بالجهاد، إذ كان ذلك يعني هلاكهم. ولهذا أيضا انسحب خالد بن الوليد رضي الله عنه من غزوة مؤتة مع الروم حتى لا يعرض جيش المسلمين للهلاك لعدم التكافؤ، وأثنى عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسمّاه (سيف الله) وسمّى صنيعه (فتحا).

فإذا لم توجد القدرة على قتال العدو فقد وجبت مهادنته، كما قال الإمام السرخسي ـ رحمه الله ـ: (ولأن حقيقة الجهاد في حفظ المسلمين قوة أنفسهم أولا، ثم في قهر المشركين وكسر شوكتهم، فإذا كانوا عاجزين عن كسر شوكتهم كان عليهم أن يحفظوا قوة أنفسهم بالموادعة إلى أن يظهر لهم قوة كسر شوكتهم) من (شرح السير الكبير) 1/133، طـ دار الكتب العلمية.

والقاعدة الفقهية تنص على أن (التصرف على الرعية منوط بالمصلحة)، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ما يسرني أن تفتحوا مدينة للمشركين بفقد رجل مسلم).

وحاصل ما سبق: هو أن الجهاد (أو مقاومة العدو) ليس من المقدسات التي لا يجوز التخلي عنها، وإنما هو أحد الخيارات مع العدو بحسب مصلحة المسلمين التي يقدرها أهل العلم بالدين والواقع لا أهل الانتهازية السياسية الذين يتخذون المقاومة وسيلة لكسب شرعية أو شعبية ولو بالتضحية بالشعب.

ومما سبق نعلم أن ما تفعله حماس في غزة هو عبث ليس له صلة بدين الإسلام، فهُم قد فرضوا على أهل غزة معركة لم يفرضها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على من بقي بمكة من المسلمين بعد هجرته، ومعركة انسحب منها خالد بن الوليد. فرضت حماس المعركة على أهل غزة وهي عاجزة عن حمايتهم وتأمينهم، وليس لديها أي دفاعات جوية، وغزة ليست أرضا حصينة بل هي سهل منبسط مكشوف بلا جبال ولا غابات. فلا يجوز الخلط بين عبث حماس ودين الإسلام، فما تفعله حماس مصادم للدين الآمر بالحرص على الرعية، ولكن حماس أعلنوا أنه لا مانع لديهم من إبادة غزة. وإن الله سبحانه سوف يسأل قادة حماس عن كل قطرة دم سالت في غزة وعن كل خراب وقع، كذلك قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته) الحديث متفق عليه، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ (إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه: حَفِظَ ذلك أم ضيّعه). ما يجري الآن في غزة ليس هو الهجوم المباغت للعدو على البلدة بغير إرادة أهلها، وإنما هو استفزاز العدو من جانب حماس ليهجم على البلدة عن عمد لأغراض سياسية تريدها حماس على حساب الشعب.

ولا يجوز للفلسطينيين طاعة قادة حماس في عبثهم، فإن فعلوا فسقوا، لأنهم بذلك إنما يستخفون عقولهم ويعرضونهم للهلاك بلا جدوى، وهذا ما قاله الإمام محمد بن الحسن الشيباني إمام أهل المغازي في كتابه «السير الكبير» في باب «ما يجب من طاعة الوالي وما لا يجب»، وفيه قال رحمه الله: «وإذا دخل العسكر دار الحرب للقتال بتوفيق الله عز وجل فأمرهم أميرهم بشيء من أمر الحرب فإن كان فيما أمرهم به منفعة لهم فعليهم أن يطيعوه.... فلهذا كان عليهم الطاعة ما لم يأمرهم بأمر يخافون فيه الهلكة وعلى ذلك أكثر رأي جماعتهم، لا يشكون في ذلك، فإذا كان هكذا فلا طاعة له عليهم لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، فإن كان عندهم أنهم لو أطاعوه هلكوا: كان أمره إياهم بذلك قصدا منه إهلاكهم واستخفافا بهم، وقد ذم الله تعالى الطاعة في ذلك فقال سبحانه: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) (الزخرف54)» (السير الكبير) 1/116-118، طـ دار الكتب العلمية 1997م.

أعلن زعيم حماس خالد مشعل (انتهاء التهدئة مع إسرائيل وعدم تجديدها) ـ بعد 19 ديسمبر (كانون الأول) 2008 ـ من الفنادق الفاخرة والملاذ الآمن في دمشق، وهرب قادة حماس الداخل (إسماعيل هنية وأصحابه) إلى سراديب غزة ومخابئها، وتركوا شعب غزة يدفع الثمن: قتلى بالمئات وجرحى بالآلاف، أي أنهم تترسوا بشعبهم وجعلوا شعبهم دروعا بشرية تحميهم، هؤلاء ليسوا أمناء على شعوبهم. صنع قادة حماس الكارثة ثم استغلوها فرفعوا قميص غزة ـ الذي نقعوه في الدماء بأيديهم ـ لإثارة الغوغاء وللشكوى والصراخ، ولتخوين الآخرين وتحميلهم المسؤولية، وهذا كله تلبيس للأمور وخلط للحق بالباطل، والصحيح أن مسؤولية مذبحة غزة بدمائها وأشلائها يتحملها قادة حماس وحدهم، هذا هو شرع الله، فهم كانوا حكام غزة وهم وحدهم من قرر إنهاء التهدئة بما يعني بدء الحرب مع إسرائيل، وهذا هو موضوع الخاطرة التالية.

والصحيح أيضا أنه إذا كانت حماس أو حزب الله يريدون جهاد إسرائيل فهذا شيء حسن وواجب عند القدرة، ولكن بدون فرض اختيارهم على غيرهم، لأن العلماء قد قالوا «إن الناهي عن المنكر إذا علم أنه يضر غيره من أهله أو غيرهم بنهيه عن المنكر، فلا يجوز له النهي عن المنكر والحال كذلك، لأنه لم يمكنه التوصل إلى ذلك إلا بمنكر آخر» هذا ما ذكره ابن قدامة رحمه الله في «مختصر منهاج القاصدين». وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (لا ضرر ولا ضرار). فإذا أراد هؤلاء جهاد إسرائيل فلا يجوز أن يطلقوا صواريخهم من أرض لبنان أو غزة ليدفع أهلها الثمن بعد ذلك، وإنما يحملون صواريخهم وسلاحهم ويتسللون إلى داخل إسرائيل ويقاتلونها، لا أن يتترسوا بشعوبهم، هؤلاء ليسوا أمناء على شعوبهم. في عام 2006 اختبأ حسن نصر الله زعيم حزب الله في لبنان وتترس بشعبه حتى قتل منهم أكثر من ألف إنسان وآلاف الجرحى ومليون مشرد وخراب واسع، وفي آخر 2008 كررها قادة حماس في غزة. أمثال هؤلاء يجب أن تعقد لهم محاكم شرعية تحاسبهم على عبثهم ومغامراتهم واستهتارهم بشعوبهم.

إذا تعرضت السفينة للغرق فإن المروءة والشهامة تحمل قبطانها على أن يبقى فيها مشرفا على إنقاذ ركابها في قوارب النجاة حتى يكون القبطان هو آخر من يغادر السفينة، فإن لم يتمكن من إنقاذ بعضهم غرق معهم. أما هؤلاء فإنهم أول من يهرب من السفينة ويضحي بالركاب.

* الخاطرة الخامسة: كل إنسان مسؤول عن تبعات قراره: إذا اختار إنسان أمرا ما ثم حدث له ضرر بسبب اختياره، فلا تقبل منه الشكوى من ذلك، ولا يجوز أن يتحمل غيره ضرره، خاصة إذا نصحه الآخرون بأن الرَشَد بخلاف ما اختار، وأن اختياره قد يضره.

جرح رجلٌ رجلا على عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وطلب المجروح القصاص، فأمره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن ينتظر حتى يندمل جرحه، وذلك لأنه قد تحدث له مضاعفات (تسمى سِراية الجرح) ويكون له الحق في التعويض عنها، فرفض المجروح أن ينتظر (وهذا قراره واختياره) فأعطاه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حقه، ثم حدثت المضاعفات فأهدرها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم يعوضه عنها. وذلك فيما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن رجلا طُعن بقرنٍ في ركبته، فجاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: أقدني، قال: حتى تبرأ، ثم جاء إليه فقال: أقدني، فأقاده، ثم جاء إليه فقال: يا رسول الله: عرجت، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: قد نهيتك فعصيتني، فأبعَدَك الله وبطُل عرجك. ثم نهى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يقتص من جرحٍ حتى يبرأ صاحبه) حديث صحيح رواه أحمد والبيهقي. فهذا المجروح اتخذ قرارا خطأ وتحمل تبعاته وحده ولم تقبل شكواه.

ولما حدث النزاع بين عبد الله بن الزبير وبين عبد الملك بن مروان على الخلافة، كان رأي ابن عمر عدم المنازعة في ذلك، ولم يكن قد بايع لأحد منهما ولا ساعد أحدا منهما. فلما قُتل ابن الزبير رضي الله عنه وقف عليه ابن عمر وقال (السلام عليك أبا خبيب، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا) وكررها، رواه مسلم (6532). فلم يعاتب أحدٌ ابن عمر على عدم مساندته لابن الزبير إذ كان رأيه بخلاف رأيه.

فكل إنسان مسؤول عن قراره وتبعاته ولا يحق له أن يُحمل الآخرين تبعات قراره. وبهذا تعلم أن ما يفعله قادة حماس مع أهل غزة وغيرهم لا يجوز شرعا، هم أصحاب القرار وعليهم تحمل تبعاته وحدهم، ولا يُلام أحد على عدم مساعدته لهم. أما أن يتخذ قادة حماس قرار الحرب ويريدون أن يحارب الآخرون نيابة عنهم ويدفعون ثمن قرار حماس، فهذا باطل ونوع من الاستغفال للآخرين وإرهابهم بقميص غزة. قادة حماس هم أصحاب القرار وعليهم تحمل كل تبعاته، وفي رقابهم كل قطرة دم تسيل في غزة وكل خراب، كما يتحمل ياسر عرفات كل مآسي فلسطين منذ 1978 بسبب رفضه هدية السادات لهم، ثم ظل يلهث وراءها ولم يحصل على شيء.

* الخاطرة السادسة: الوفاء بالعهد مع العدو مُقدم على نصرة الصديق: لو أن رجلا ـ أو دولة ـ عاهد عدوا على المسالمة وعدم الحرب فقد وجب الوفاء بهذا العهد. ولا يختلف أهل العلم بالدين على أن الوفاء بالعهود واجب مع المسلم والكافر. قال الله تعالى: (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ...) (النحل91)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ...) (المائدة1).

فإذا حارب هذا العدو قومًا آخرين، فلا تجب نصرتهم على من عاهد العدو على عدم الحرب، حتى ولو كان هؤلاء القوم موافقين في الدين، والعدو مخالفا في الدين لمن عاهده. هذا حكم الله تعالى في قوله: (... وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ...) (الأنفال72). وبهذا أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حذيفة بن اليمان رضي الله عنه في غزوة بدر الكبرى، كما قال حذيفة (ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي حُسيل، فأخذنا كفار قريش قالوا: إنكم تريدون محمدا؟ فقلنا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبرناه الخبر فقال: انصرفا، نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم) رواه مسلم (4657). فلم ينصر حذيفة وأبوه رضي الله عنهما النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة بدر بسبب عهده مع كفار مكة بعدم مقاتلتهم، فالوفاء بالعهد مع العدو مقدم على نصرة الصديق بنص الكتاب والسنّة.

ولهذا قال الشافعي رحمه الله (فصل في المستأمن في دار الحرب: إذا دخل قوم من المسلمين بلاد الحرب بأمان، فالعدو منهم آمنون إلى أن يفارقوهم أو يبلغوا مدة أمانهم، وليس لهم ظلمهم ولا خيانتهم. وإن أسَرَ العدو أطفال المسلمين ونساءهم لم أكن أحب له الغدر بالعدو) (الأم) 4/165 وكرره في 4/189.

ولا تصدق من يقول إن إسرائيل دولة غاصبة لفلسطين ولا تجوز مصالحتها أو مسالمتها، هذا خطأ، لأن نصوص الكتاب والسنّة المبينة لهذه الأحكام لم تفرق بين العدو من الخارج أو من الداخل. وقد ظل نصارى أوروبا محتلين لكل ساحل الشام والقدس نحو مائتي سنة في القرنين الخامس والسادس الهجريين، وكان أمراء المسلمين ـ ومنهم صلاح الدين الأيوبي ـ يقاتلونهم تارة ويصالحونهم تارة، بحسب المصلحة، وبحسب الحال من القوة والضعف، حتى أجلوهم عن هذه البلاد. وقد حدث هذا بمحضر من العلماء والفقهاء الأكابر بغير نكير من أحدٍ. ولكن ظهر في هذه الأيام مَن لا علم لهم بالدين يرهبون الناس بقميص فلسطين (أم القضايا) لتجريم أي صلح مع اليهود.

فلو أن قوما رأوا مصلحتهم في الصلح مع إسرائيل ورفضه آخرون، فلا يجوز لمن رفض أن يُحمل تبعات قراره لمن صالحها، ولا يجب على من صالحها نصرة من رفض الصلح إذا دخل في حرب معها. كل إنسان يتحمل تبعات قراره.

واليوم اختارت حماس الصدام مع إسرائيل، فليحاسبها شعبها على قرارها، ولكن لا يجوز تحميل الآخرين تبعات قرار حماس، فمن أشعل النار عليه أن يطفئها، ومَن كَسَر جَبَر.

كما لا يجوز تحميل الشعب المصري سداد فاتورة قرار حماس بإرهابه بقميص غزة، مَن نقع قميص غزة في الدماء عليه غسله. يكفي الشعب المصري أنه يدفع من قوت يومه ومن دمائه لفلسطين من ستين سنة (1948- 2008) وأبناؤه يغرقون في البحر المتوسط بحثا عن لقمة العيش.

غداً:

* كوارث الإخوان المسلمين مغامرة بن لادن 2001 وتهور حسن نصر الله في 2006