انتقاد كوشنير لإدارة أوباما يزيد من التوتر بين باريس وواشنطن

موقف الإدارة الأميركية من تركيا وإيران والترسانة النووية جعل ساركوزي بعيدا عن نظيره الأميركي

TT

سعت الخارجية الفرنسية أمس إلى التقليل من أهمية الكلام الذي أطلقه وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، الذي تضمن انتقادات واضحة ضد الولايات المتحدة وسياسة المقاطعة التي اتبعتها إزاء ما يعرف بمؤتمر «دربن 2» في جنيف. وذهب وزير الخارجية الذي كان يتحدث إلى إذاعة «أوروبا 1» إلى إبراز المفارقة التي ينم عنها الموقف الأميركي، حيث إن واشنطن قررت من جهة مقاطعة مؤتمر جنيف، لكن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون سارعت إلى الإعلان أن واشنطن مستمرة في سعيها لإقامة حوار مع طهران. وقال كوشنير: «الموقف الأميركي لا يتضمن فقط مفارقة، بل يمكن اعتباره بمثابة خطأ» سياسي.

واستطرد الوزير الفرنسي الذي يعبر عادة عن فكر الرئيس نيكولا ساركوزي ويدافع باستمرار عن سياسته متهكما: « لقد قالوا (الأميركيون) إن مسودة البيان لا تطاق، لذا سنتحاور». ونبه كوشنير واشنطن إلى أن الحوار مع إيران حول ملفها النووي «بالغ الصعوبة»، خصوصا مع بلد «يصنع القنبلة النووية، ولذا يتوجب فعل كل ما يلزم لمنعه من استخدامها».

واعتبرت مصادر سياسية ودبلوماسية في العاصمة الفرنسية أن كلام كوشنير القوي حول إيران وانتقاده المباشر للولايات المتحدة يعكس حالة من الشك بين واشنطن وباريس، رغم الكلام الرسمي الفرنسي الذي يتحدث عن العلاقات الممتازة بين الجانبين.

ويمثل موضوع مؤتمر جنيف وتطوراته المرتبطة بإيران آخر ملفات «التباعد» بين باريس وواشنطن، حيث إن باريس حرصت مع 22 دولة من الاتحاد الأوروبي على حضوره، فيما قررت واشنطن ومعها إيطاليا وهولندا وألمانيا، التي قررت أن تكون في وضعية المراقب، مقاطعة المؤتمر مع إسرائيل.

وكان الأسبوع الماضي قد حفل بتوتر مكتوم بين واشنطن وباريس بسبب الكلام الذي نسب إلى ساركوزي، نشرته الصحافة الفرنسية والبريطانية بمناسبة غداء جمعه مع عدد من نواب حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني الحاكم في 16 من الشهر الجاري. وفي حديثه الذي كان يفترض أن يبقى بعيدا عن آذان الصحافة، هاجم ساركوزي الكثير من القادة الذين شاركوا في مؤتمر قمة العشرين في لندن، ومن بينهم الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي وصفه بأنه «ذكي ويتمتع بكاريزما»، غير أنه أردف منتقدا فقدانه التجربة السياسية قائلا: «لكنه لم يُنتخب سوى من شهرين ولم يقم أبدا في حياته بإدارة وزارة من الوزارات، ثم إنه ليس له مواقف بشأن عدد من الملفات».

وبالطبع، أثارت هذه الانتقادات غير المألوفة في عالم الدبلوماسية والعلاقات بين رؤساء الدول موجة من الانتقادات في الصحافة الأجنبية، وكانت الصحافة الفرنسية قد توقفت عند الطريقة التي تعامل بها الرئيسان خلال قمة العشرين، ولكن أيضا خلال قمة الحلف الأطلسي التي جرت يومي 3 و4 من أبريل (نيسان) في مدينتي ستراسبورغ الفرنسية وكيهل الألمانية، حيث أشارت إلى أن أوباما «تجاهل» أكثر من مرة الرئيس الفرنسي الذي بدت عليه علامات التوتر، وذلك رغم اللقاء المنفرد الذي جمعهما في ستراسبورغ قبل بدء قمة «الناتو».

ويربط المراقبون التوتر بين الرئيسين بمحاولة الرئيس الفرنسي لقاء أوباما إبان قمة واشنطن الاقتصادية في نوفمبر (تشرين الثاني)، ولكن قبل تسلم أوباما للرئاسة. ولم يستجب الرئيس المنتخب لرغبة ساركوزي في لقائه، بحيث يكون أول رئيس أوروبي يجتمع بالرئيس الأميركي الجديد. وأضيف إلى ذلك غيظ ساركوزي من الدعوة التي وجهت إلى رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون في مارس (آذار) الماضي للاجتماع بأوباما في البيت الأبيض، ونقل وقتها عن ساركوزي قوله إن براون لا يتمتع بأية شرعية للتفاوض مع الرئيس الأميركي باسم الاتحاد الأوروبي.

ويرى مراقبون فرنسيون أن ساركوزي الذي تقرب من الرئيس الأميركي السابق جورج بوش وأعاد فرنسا إلى الحلف الأطلسي وإلى قيادته العسكرية الموحدة، لا يتحمل الرئيس أوباما الأكثر شبابا والذي يتمتع بشعبية كاسحة في فرنسا وفي أوروبا على حد سواء.

وبعيدا عن النجومية والطابع الشخصي للعلاقة المتقلبة بين الجانبين، ورغم تأكيدهما على وحدة المواقف من الملفات الشائكة، فإن ثم «اختلافات بين باريس وواشنطن في العمق بصدد مجموعة من الملفات، بينها اثنان رئيسيان، وهما الملف الإيراني والملف التركي. ففي الملف الأول لا تبدو باريس مرتاحة لما تبديه واشنطن من استعداد لمفاوضة طهران من غير شروط مسبقة، وهو ما تفهمه فرنسا على أنه تخلٍّ أميركي عن مقاربة الدول الست (الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وألمانيا)، والشروط الموضوعة لمعاودة التفاوض مع طهران، وعلى رأسها وقف التخصيب النووي والاستجابة لما تطلبه الوكالة الدولية وقرارات مجلس الأمن».

وفي الملف التركي كرر الرئيس الأميركي خلال جولته الأوروبية تأييد واشنطن لدخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ولم يتردد ساركوزي في الرد عليه بكلام مباشر بقوله إن دخول تركيا مسألة «تخص الأوروبيين الذين يعود إليهم قرار قبول تركيا (داخل الاتحاد) أو عدم قبولها». وقال الرئيس الفرنسي في أكثر من مناسبة إنه يعارض دخول تركيا إلى الاتحاد، وإنه لن يغير رأيه.

ولا تخفي المصادر الفرنسية تذمرها من المقترح الذي قدمته الإدارة الأميركية لروسيا بصدد خفض إضافي للترسانة النووية، وذلك من غير أن تتشاور واشنطن مع حلفائها، ويعود التخوف الفرنسي من أن تؤول مقترحات أوباما إلى الإضرار بسلاح الردع النووي المتواضع نسبيا، قياسا إلى الترسانتين الروسية والأميركية.