استقبال متباين للرئيس الإيراني في طهران.. ونجاد يرد: سأحضر كل المؤتمرات الدولية ردا على المقاطعين

أوباما: سنواصل «الدبلوماسية المباشرة الشاقة» مع طهران * كي مون يتهم نجاد بإساءة استخدام اجتماع العنصرية

TT

قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لدى وصوله إلى طهران أمس إنه سيحضر كل المؤتمرات الدولية من الآن فصاعدا ردا على المقاطعين لمؤتمر «دوربان 2» في جنيف لمكافحة العنصرية، ويأتي ذلك فيما اتهم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الرئيس الإيراني بإساءة استخدام مؤتمر الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية الذي هاجم خلاله سياسة إسرائيل بشأن الفلسطينيين ووصفها بالعنصرية. وقال بان خلال زيارة رسمية لمالطا «من المؤسف للغاية ان الرئيس الايراني أساء استخدام المؤتمر لاغراض سياسية». ووصف أحمدي نجاد اسرائيل في خطابه في مؤتمر مناهضة العنصرية في جنيف بانها «النظام العنصري الأكثر قسوة وقمعا»، بسبب معاملتها للفلسطينيين. وأدت تصريحاته الى انسحاب نحو 23 وفدا غربيا وأثارت انتقادات من جماعات حقوقية وحكومات غربية.

وعبر بان كي مون عن أسفه لمقاطعة بعض الدول للمؤتمر نهائيا، وقاطعت المؤتمر قرابة 12 دولة من بينها الولايات المتحدة واسرائيل قائلة انه قد يصبح منبرا لانتقاد اسرائيل. وقال بان كي مون «قبل الخطاب عقدت اجتماعا ثنائيا طويلا مع الرئيس أحمدي نجاد ودعوته إلى تقديم إسهام متوازن وبناء للمؤتمر لانه رئيس الدولة الوحيد الحاضر». واضاف ان الدعوة قدمت لأحمدي نجاد ليتحدث أولا لأنه رئيس الدولة الوحيد الذي حضر المؤتمر برغم توجيه دعوات لكل رؤساء الدول. وقال انه ليس لديه موعد جديد للاجتماع مع أحمدي نجاد ولكنه سيتصل بإيران ودول أخرى لديها مشكلات فيما يتعلق بالمؤتمر لمناقشة الموقف.

غير أن طهران انتقدت رد فعل الأمين العام للأمم المتحدة. وقال حسن قشقوي المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أمس إن «تصريحات الأمين العام لم تكن محايدة» مضيفا انها تظهر «نهجا غير منطقي ومتحيزا». أما الرئيس الإيراني فقد أعرب عن شعوره بالأسف الشديد إزاء ما وصفه بـ«عدم تسامح الغرب» أثناء مؤتمر العنصرية. وقال أحمدي نجاد «إن أولئك الذين يدعون الدفاع عن حرية التعبير لم يكن لديهم حتى الاستعداد لقبول الاستماع لصوت معارض في مؤتمر هم أنفسهم (الدول الغربية) القائمون بالفعل على تنظيمه». وأضاف أحمدي نجاد في كلمة مقتضبة بثتها شبكة «خبر» الإخبارية الإيرانية «لقد قاطعت دول كثيرة المؤتمر بسببي ولذا فإنني أعلن أنه من الآن فصاعدا سوف أحضر جميع المؤتمرات الدولية».

وبينما حرصت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية على تصوير مئات الأشخاص احتشدوا في مطار «مهر آباد» لاستقبال الرئيس الإيراني وهم يرددون «الموت لإسرائيل»، لم تتحد الصحف الإيرانية في دعم تصريحات الرئيس الإيراني.

ففيما أثنت الصحف الإيرانية المحافظة على خطاب الرئيس الإيراني، ركزت الصحف الإصلاحية على الجدل الذي أثاره. وعنونت صحيفة «وطن امروز» الرسمية خبرها بـ«تصفيق للمنطق الإيراني في جنيف»، في إشارة الى عدد من وفود الدول التي لم تغادر القاعة وصفقت لنجاد بعد الكلمة. فيما اشارت صحيفة «كيهان» المحافظة الى «حسن استقبال أحمدي نجاد والحقد على اسرائيل العنصرية» في قاعة المؤتمرات في الامم المتحدة، مشيرة الى الحفاوة التي قوبل بها الرئيس الايراني ولقاءاته مع الأمين العام للأمم المتحدة والرئيس السويسري. وتحدثت الصحف المؤيدة للرئيس الإيراني بشكل مقتضب عن مقاطعة عدد من الدول الغربية المؤتمر وانسحاب 23 سفيرا لدول في الاتحاد الاوروبي من القاعة احتجاجا على كلمة أحمدي نجاد. وكتبت صحيفة «جامي جام» الرسمية التي تصدر عن مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية والتي يترأس إدارتها المرشد الأعلى لإيران آية الله على خامنئي «خطاب الرئيس يثير غضب الصهاينة» فيما رأت صحيفة «ايران» الحكومية ان «صرخة العدالة» التي اطلقها أحمدي نجاد «أغضبت العنصريين الغربيين». وفي المقابل، وصفت الصحف الاصلاحية مثل صحيفة «اعتماد» كلمة الرئيس الإيراني بانها «مثيرة للجدل»، فيما تحدثت صحيفة «اعتماد ملي» التي يترأس تحريرها مهدي كروبي، احد مرشحي الرئاسة الإيرانية الإصلاحيين، عن «حضور صاخب لأحمدي نجاد في جنيف». ولفتت الصحيفة الى ان مداخلته اثارت «نوعين من الاحتجاجات» مع تدخل محتجين داخل القاعة وخروج سفراء دول اوروبية. وتصدرت هذه النقطة صحيفة «سرمايه» الاقتصادية اليومية المعتدلة التي تحدثت عن «خروج أربعين دبلوماسيا غربيا احتجاجا».

أما التلفزيون الرسمي الإيراني فقد وصف المحتجين في المؤتمر بأنهم «مهرجون» مأجورون من قبل الصهاينة (إسرائيل). فيما عقبت شبكة «خبر» الإيرانية قائلة إن «أقلية» فقط انسحبت أثناء خطاب الرئيس الإيراني وأن الغالبية ظلت في القاعة مشيدة بعدم تأثر أحمدي نجاد بالانسحاب ومواصلة خطابه برباطة جأش. بينما ركزت وكالة الأنباء الإيرانية (إيرنا) على أن أحمدي نجاد، إضافة للكلمة التي ألقاها في المؤتمر، فانه اجتمع بعدد من كبار مسؤولي الدول والشخصيات السياسية البارزة المشاركة في المؤتمر كالأمين العام للأمم المتحدة وأمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي. وأشارت الوكالة إلي أن الرئيس أحمدي نجاد شارك في مؤتمر صحافي حضره عدد كبير من مندوبي مختلف وسائل الإعلام كما حضر اجتماعا لأرباب الصناعات والتجار والمستثمرين وأعضاء غرفة التجارة والإيرانيين المقيمين في جنيف، دون أن الإشارة إلى الانسحابات الغربية من المؤتمر. كما أثني النائب بالبرلمان الإيراني محمد رضا باهنر على كلمة أحمدي نجاد في جنيف، قائلا: «إنها كانت انجازا كبيرا للأمة الإيرانية». ويأتي ذلك فيما حذر رئيس البرلمان الإيراني على لاريجاني الإسرائيليين من الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية بعد تقارير عدة أشارت الى ان القيادة الإسرائيلية تريد من جيش الدفاع الإسرائيلي أن يكون جاهزا لتنفيذ هجمات خلال فترة قصيرة، موضحا ان طهران سترد على اي هجوم «بمنع النوم من عيون الأعداء»، لكن برغم عودة نجاد لطهران، فإن ردود الأفعال الدولية الغاضبة على كلمته تواصلت أمس. إذ شبه سيلفان شالوم نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي إيران بألمانيا في عهد أدولف هتلر متحدثا من موقع معسكر اوشفيتز ـ بيركناو النازي السابق في بولندا. وقال شالوم متحدثا الى الصحافيين عند مدخل معسكر اوشفيتز الذي ستنطلق منه «مسيرة إحياء» سنوية تكريما لذكرى ضحايا المحرقة «ما تحاول إيران القيام به حاليا غير بعيد إطلاقا عما فعله هتلر بالشعب اليهودي قبل 65 عاما».

كما انتقد الفاتيكان بشدة تصريحات نجاد. ونقلت وسائل إعلام إيطالية أمس عن كبير المتحدثين باسم الفاتيكان فيدريكو لومباردي تعقيبه على تصريحات الرئيس الإيراني ووصفه لها بـ«المتطرفة وغير المقبولة». وشدد لومباردي على أهمية أن يعمل المجتمع الدولي من أجل تعزيز احترام القيم الإنسانية. من ناحية أخرى أعرب لومباردي عن معارضته للأصوات المؤيدة لمقاطعة المؤتمر وقال: «يرى الكرسي الباباوي أن مشاركته في المؤتمر المنعقد في جنيف لا تزال مفيدة نظرا لأن هذا المؤتمر فرصة مهمة لدفع جهود مكافحة العنصرية وعدم التسامح».

يذكر أن مراقب الكرسي الباباوي الدائم لدى الأمم المتحدة سيلفانو توماسي لم يفعل مثل الكثيرين من ممثلي دول الاتحاد الأوروبي ويغادر قاعة المؤتمر أمس أثناء إلقاء نجاد لكلمته.

ورد توماسي على الانتقادات الموجهة إليه بسبب عدم انسحابه من المؤتمر قائلا إن «حرية الرأي مكفولة للجميع» وأضاف: «طبيعة الأمم المتحدة تتمثل في كونها منتدى يمكن للجميع التعبير عن رأيهم بداخله». وبينما انتقدت الولايات المتحدة الاميركية كلمة الرئيس الإيراني، وعد الرئيس الاميركي باراك أوباما أمس بمواصلة ممارسة الدبلوماسية المباشرة «الشاقة» مع ايران رغم تصريحات الرئيس الايراني. وبرغم المقاطعة الغربية لمؤتمر «دوربان 2»، ومغادرة الكثير من الوفود، فإن الأمم المتحدة ومنظمات دولية حاولت إنقاذ ما يمكن إنقاذه. وقالت المفوضة العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة نفانيتيم بيلاي إن «خطاب الرئيس الإيراني لا علاقة له بجوهر المؤتمر وبالتالي يجب ألا يؤثر على نتائجه». وطلبت بيلاي من الدول عدم السماح لأحمدي نجاد بنسف المؤتمر الذي يشكل تكملة لمؤتمر «دوربان 1» في 2001 الذي كان مصيره الفشل أيضا بسبب التصريحات المعادية للسامية.

وتبنى المشاركون في مؤتمر «دوربان 2» بالإجماع أمس البيان الختامي، بحسب ما أعلن رئيس المؤتمر أموس واكو. وقال واكو مخاطبا نحو مائة ممثل للدول المشاركة في المؤتمر الذي يكمل مؤتمر «دوربان 1» الذي عقد في جنوب أفريقيا عام 2001 «أيها السادة، لقد اتخذتم القرار الرئيسي بتبني الوثيقة».

وكان مقررا أن يحال البيان الختامي على التصويت الجمعة، وهو اليوم الأخير للمؤتمر، لكن الدبلوماسيين قرروا أن تتم هذه العملية اليوم بسبب انسحاب الكثير من الوفود بعد كلمة نجاد.