منظر «الجهاد» المصري: بلغ الاستهتار إلى حد أن وضع أحد قادة حماس نظرية اتخاذ الشعب دروعا بشرية

الدكتور فضل يتناول في «قميص غزة» أخطاء «الإخوان» التي أدت إلى كوارث

قوات حماس تتوغل في غزة بعد انسحاب اسرائيل منها (نيويورك تايمز)
TT

بعد تناوله لأسلوب تعامل قادة حركة «حماس» مع العدوان الإسرائيلي على غزة وانتقاده الشديد لاستعداد الحركة للتضحية بشعب غزة في حرب غير متكافئة، يتحدث السيد إمام عبد العزيز شريف «الدكتور فضل» منظر تنظيم «الجهاد» المصري عن العلاقة بين حماس وجماعة الإخوان المسلمين. ويتوقف الدكتور فضل في خاطرته السابعة من كتابه (قميص غزة) أمام حركة الإخوان المسلمين باعتبارها الحاضنة الأم لكل الحركات الإسلامية في العالم، ويرى أن الحركة كانت مصدر العديد من الكوارث والأزمات التي ألمّت بالشعوب العربية خلال القرن العشرين، منذ أن تأسست على يد مرشدها الأول حسن البنا عام 1928.

تحت عنوان «كوارث الإخوان المسلمين على المسلمين من حماة إلى حماس» يقول الكاتب: «لفهم ما يحدث في غزة اليوم يجب رد الفروع إلى أصولها، فحماس التي تحكم غزة اليوم ما هي إلا فرع من جماعة الإخوان المسلمين التي نشأت في مصر عام 1928م.

وبداية أقول: إنه لا توجد جماعة إسلامية من المعروفين في الدنيا اليوم قد وضعت قدمها بعدُ على بداية الطريق الصحيح لنصرة الإسلام وإعزازه، كلهم ـ ومنذ قرن من الزمان ـ يجربون أفكارهم في المسلمين ويعملون من أجل مصالح محدودة، فجلبوا الكوارث على المسلمين بسبب تقديم الرأي والهوى على الشرع، وقد قال الله تعالى: «فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» (القصص50).

وكان من أكبر من جرّبوا أفكارهم في المسلمين وتعددت كوارثهم: جماعة الإخوان المسلمين، فسببوا الخراب للمسلمين في بلاد كثيرة، وذلك ابتداءً من مرشدهم الأول حسن البنا الذي عقد المؤتمر الرابع لجماعته عام 1936 لمبايعة الملك فاروق، وكتب إليه يقول (وإن لنا في جلالة الملك المسلم أملا). وعندما قال زعيم الوفد مصطفى النحاس (الشعب مع الوفد) قال البنا (الله مع الملك). وفي ظل هذه العلاقة الحسنة بين الإخوان والملك نمت الجماعة وانتشرت في كل ربوع مصر برعاية وتسهيلات حكومية، كان أفضل من وصف تفاصيلها هو الأستاذ أحمد حسين المحامي، في مرافعته عن عبد المجيد حسن (قاتل النقراشي باشا عام 1948)، وأحمد حسين هو زعيم حزب «مصر الفتـاة» وهو أخو عادل حسين ووالد مجدي أحمد حسين من رجال حزب العمل الموقوف. وبعد مبايعة الملك قال البنا لأتباعه في أحد مؤتمراتهم (عندما يبلغ عددكم اثنى عشر ألفاً أخبروني لأغزو بكم كل جبار عنيد). فظهر بذلك أن البنا كان يعتبر الملك مسلمًا بالكلام، وكان يعتبره كافرًا عمليًا. وخاض الإخوان أيام البنا في دماء كثيرة في مصر حتى قتلوا النقراشي باشا (وزير الداخلية)، وكان هذا هو السبب المباشر لاغتيال حسن البنا مطلع عام 1949. ولقد تعددت المخالفات الشرعية للبنا إلى الحد الذي جعل الشيخ عبد الرحمن الوكيل ـ رئيس جمعية أنصار السنّة ـ يرسل إليه رسالة مفتوحة عنوانها (يا بَنّا أقم وجهك للدين حنيفا). وفي الوقت الذي كان البنا يسعى فيه لإقامة نظام إسلامي في مصر، كان ضالعًا في دعم انقلاب عسكري ضد حكومة إسلامية شرعية في اليمن، وهو انقلاب عبد الله الوزير ضد الإمام يحيى حميد الدين عام 1948، وقُتل فيها الإمام يحيى ولكن الانقلاب فشل، ولم يلبث البنا بعدها إلا شهورًا قليلة حتى قُتل. قال الله تعالى: «وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلا» (الإسراء76). وهذا الكلام بعضه موجود في كتب حسن البنا مثل «مجموعة الرسائل» و«مذكرات الدعوة والداعية» وبعضه في الكتب المؤرخة للإخوان.

وبعد شهر عسل قصير مع جمال عبد الناصر بعد ثورة 1952، تعامل الإخوان مع جمال بطريقة استعلائية، ورسائل حسن الهضيبي (مرشدهم الثاني) لجمال تظهر أنه فرض وصايته عليه. فكانت معظم فترة حكم عبد الناصر فترة محن على الإخوان، الذين سببُ محنهم الكثيرة هو: اتباعهم سياسة المراوغة والاستعلاء على الآخرين.

وبسبب تضييق عبد الناصر عليهم في مصر، هرب الإخوان إلى بلاد كثيرة، خاصة في أوروبا والخليج، وحصلوا على جنسيات فيها بسبب خصومات حكام هذه الدول مع عبد الناصر، ورحب هؤلاء الحكام بالإخوان ومنحوهم تسهيلات، وجمعوا أموالا كثيرة، وأنشأوا التنظيم الدولي للإخوان الذي يسيطر على كثير من منظمات الإغاثة والجامعات الإسلامية في أماكن كثيرة. حتى قال لي أحد إخوان الرياض في عام 1984 (إنه بالرغم من سفرياته الكثيرة في العالم لم ينزل في فندق أبدًا، وإنما في أحد المراكز الإسلامية التي يشرف عليها الإخوان). وفي عام 1996 قال أحد إخوان جدة (إن التنظيم الدولي للإخوان إمبراطورية عالمية أغنى من بعض الدول).

ولعل أقرب الكوارث الإخوانية على المسلمين مشابَهةً لما يحدث اليوم في غزة، هو ما فعله إخوان سورية أيام رئيسها السابق حافظ الأسد في مدينة حماة، التي تجمعوا فيها وسيطروا عليها وأعلنوا التمرد على الدولة عام 1982 وذبحوا طلاب مدرسة المدفعية ونفذوا حركة إعدامات بالمدينة ثم تترسوا بالشعب، وكان لهؤلاء الإخوان قادة يديرون هذا التمرد من العراق وهم: عدنان سعد الدين وسعيد حوى، وكانوا يقيمون عند صدام حسين: العدو اللدود لحافظ الأسد، وكانت لهم إذاعة بالعراق موجهة لسورية يقومون من خلالها بالتحريض على التمرد، كما كانت لهم معسكرات تدريب بالعراق لتدريب الشباب السوري والدفع بهم للقتال في حماة السورية. وهذا يشبه ما يحدث اليوم في غزة: إخوان الداخل (حماس) أشعلوا النار في غزة، وإخوان الخارج (خالد مشعل في دمشق) ينفخ في النار. وكما انتهت مغامرة حماة بكارثة بشعة، ففي غزة كارثة بشعة من بدايتها. ولكن حماة اعتبرها الناس شأنًا سورياً داخليًا فلم يشتهر أمرها إلا لدى الخاصة، أما غزة فمسألة دولية كأمها فلسطين (أم القضايا).

فكيف انتهت مأساة حماة الإخوانية؟، حاصرتها القوات السورية بالدبابات فتحولت إلى سجن كبير، ثم قصفتها بالطيران، فقتل فيها عشرون ألف إنسان ـ على أقل تقدير ـ تحولوا إلى أشلاء ودماء في أيام قليلة. وهو نفس ما يحدث الآن في مغامرة غزة: حاصرتها إسرائيل بالدبابات وقصفتها بالطيران.

كان تمرد الإخوان في حماة حلقة في الصراع بين جناحي حزب البعث (العراقي بزعامة صدام حسين ضد الجناح السوري بزعامة حافظ الأسد)، فسقط عشرون ألف قتيل سوري بدعم من صدام حسين. فما هي أهم مبادئ حزب البعث؟ إن شعارهم: «آمنت بالبعث ربًا لا شريك له.. وبالعروبة ديناً ما له ثان».

عندما كنت في باكستان قال لي أحد قدامى الإخوان المسلمين المصريين، وهو الأستاذ عبد العزيز علي (أبو أسامة)، وهو مدرب عسكري، قال لي عام 1986 (إن الإخوان أرسلوه لتدريب الإخوان السوريين في معسكراتهم بالعراق عام 1982، وإنه لما وصل هناك قابل عدنان سعد الدين وسعيد حوى وسألهما عن خطتهما بخصوص حماة ليضع برامج التدريب المناسبة لها، فأخبروه أن حماة قد سقطت في يد القوات السورية، فقال لهما: ولماذا إذن الاستمرار في التدريب، فقالوا له: إنهم لا يستطيعون مواجهة الشباب بحقيقة سقوط حماة). والأستاذ أبو أسامة من الذين تركوا مصر أيام عبد الناصر وعاش في الأردن ويحمل جواز سفرها.

وفي باكستان أيضاً عام 1989: حكى لي عن مأساة حماة الأخ أبو مُصعب السوري ـ وهو أحد ضحاياها ـ وقال لي (إنهم لما رأوا عدنان سعد الدين وسعيد حوى يعيشان في قصور صدام حسين الفاخرة، ويدفعان الشباب إلى المحرقة في حماة بالخطب الرنانة عبر الراديو ـ في معركة لا يدركون خطورتها ودَفَع ثمنها من وثقوا بهم من الشباب قتلى بالآلاف ـ وضعوا لأنفسهم مبدأ «إذا كنت إمامي فكُن أمامي»). هذا كلام أبي مُصعب، وعبارته هذه ذكرتها في «وثيقة ترشيد العمل الجهادي» لتكون سلاحًا في يد الشباب يرفعونه في وجه من يغامرون بهم. وأبو مُصعب الآن معتقل ظلمًا وعدوانًا في سجون أميركا السرية بعد اعتقاله في باكستان عقب أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، بالرغم من أنه كان من أشد المنكرين على مغامرات أسامة بن لادن، وليست له علاقة بتنظيم «القاعدة». وألّف أبو مُصعب كتابًا عن كارثة الإخوان في حماة بعنوان (التجربة السورية).

وبين مغامرة الإخوان في حماة (1982) ومغامرتهم في غزة (2008)، جاءت الكارثة العظمى على يد رجل الإخوان السعودي أسامة بن لادن في مغامرته الاستعراضية بضرب أميركا سبتمبر (أيلول) 2001، ثم هرب كما هرب عدنان سعد الدين وسعيد حوى وخالد مشعل والذين دخلوا تحت الأرض في غزة وتركوا الناس يدفعون ثمن مغامراتهم (قتلى وجرحى بالآلاف، ومشردون بمئات الآلاف وخراب واسع). وإذا كان إخوان سورية قد دمروا مدينة (حماة)، وإخوان حماس قد دمروا عدة مدن من (قطاع غزة) فإن صاحبهم ابن لادن قد دمّر دولتين: أفغانستان، التي تسبب في الاحتلال الأميركي لها مرتين، مرة بصفتها ملاذه الآمن الذي ضرب منه أميركا، والعراق: لأن ما فعله ابن لادن في 11/9 وقبله جعل بوش (رئيس أميركا) يضع مبدأ الحرب الوقائية الاستباقية والذي بمقتضاه قال (نقاتلهم في بلادهم قبل أن يقتلونا في بلادنا) وبهذا غزا العراق.

وحتى لا تزداد كارثة غزة بشاعة، ينبغي أن يقول أهلها لخالد مشعل ولإسماعيل هنية ـ كلمة أبي مُصعب السوري ـ (إذا كنت إمامي فكُن أمامي) وأخرجوا من ملاذاتكم الآمنة وتقدموا الصفوف في المعركة التي فرضتموها علينا.

قال قائد حماس في غزة: إسماعيل هنية «لن نستسلم حتى ولو أبادوا غزة» (الأهرام) 31 ديسمبر (كانون الأول) 2008 صـ4، فإذا كان قد بلغت به الاستهانة بشعبه إلى درجة استعداده للتضحية بكل شعب غزة ليبقى هو في السلطة، فماذا ترك لإسرائيل لتقوله وتفعله؟ إن كلمته هذه معناها أنه يقول لإسرائيل: أمامكم كل شعب غزة فاقتلوه. وكرر الكلمة نفسها ولكن بعبارة أخرى مُشعل النيران (خالد مشعل) من ملاذه الآمن في دمشق، فقال في 2 يناير (كانون الثاني) 2009 «إن قصف طيران إسرائيل لغزة طيلة الأسبوع لم يسبب إلا خسائر طفيفة في البنية العسكرية لحماس». فهل يقول هذا الكلام إنسان عاقل. إن معنى كلامه أنه يقول لإسرائيل: لن تضرونا إلا بمزيد من القصف لغزة، وهو نفس كلام هنية «أبيدوا غزة». أي إن مأساة حماة تتكرر. تسبب الإخوان المسلمون السوريون في قتل أهلهم في حماة بتحريض من نظام البعث العراقي، واليوم يتسبب الإخوان المسلمون الفلسطينيون (حماس) في قتل أهلهم في غزة بتحريض من نظام البعث السوري الذي قتل إخوانهم في حماة.

وكل هذه المغامرات على حساب الشعوب مصادمة لشريعة الإسلام، فعندما حاصر كفار مكة وحلفاؤهم المدينة في غزوة الأحزاب: تجهز النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للدفاع عن المدينة بحفر الخندق حولها. ونهى عن استفزاز الكفار المحاصرين للمدينة حتى لا يقتحموها، وأرسل حذيفة بن اليمان ليندس وسطهم وقال له «ائتني بخبر القوم ولا تذعّرهم عليّ» فلما ذهب حذيفة إليهم قال «فرأيت أبا سفيان يَصلى ظهره بالنار، فوضعت سهمًا في كبد القوس، فأردت أن أرميه، فذكرت قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ «ولا تذعرهم عليّ»، لو رميته لأصبته». الحديث رواه مسلم (4658). وكان أبو سفيان هو قائد جيوش المشركين في تلك الغزوة، ومعنى (يَصلى) أي يدفئ، ومعنى (لا تذعّرهم) أي لا تهيّجهم ولا تستفزهم. وسعى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تفكيك جبهة العدو وتحالفه، فعرض على كفار غطفان أن يعطيهم بعض ثمار المدينة مقابل أن ينصرفوا، وأمر نعيم بن مسعود أن يخذّل عن المسلمين، كل هذا ليخفف الضغط عن المسلمين بالمدينة.

أما أفعال حماس فكانت بخلاف هذا كله، فاستفزوا إسرائيل بصواريخ الألعاب (القسام) بمجرد انتهاء هدنة التهدئة في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2008، فأعطوا إسرائيل ذريعة الحرب، ولم يتقدموا الصفوف بل هربوا إلى الملاذات الآمنة، وليس لديهم أي دفاع جوي ولا عمق استراتيجي، فكانت كل أفعالهم من باب العناد والمغامرة على حساب شعب غزة المكشوف. ولا بد أن يؤدي ذلك إلى كارثة إخوانية في غزة، فعادة ما يتسبب الإخوان في الكوارث بسبب سوء تقدير الأمور والحسابات الخاطئة والاستهتار بالشعوب إلى أبعد مدى من أجل التمسك بالسلطة على حساب التضحية بالشعوب.

وبلغت المغامرة والاستهتار بالشعب إلى حد أن وضع أحد قادة حماس نظرية اتخاذ الشعب دروعًا بشرية (أي التترس بالشعب ضد قنابل العدو)، وذلك بالتخفي بين الناس، وبهذا المبدأ يتم قتل الناس في غزة اليوم، ومنهم واضع هذا المبدأ: وهو نزار ريان الذي قتلته إسرائيل بصاروخ على منزله هو و14 فردًا من عائلته في أول يناير (كانون الثاني) 2009. وهذا كله بخلاف سُنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي بلغ من حرصه على النساء والأطفال أن وضعهم في حصن بالمدينة في غزوة الأحزاب بعيدًا عن جيش المسلمين حتى لا يؤذيهم العدو.

وأنا في خواطري هذه اهتمامي الأول بالأمور الدينية لا السياسية، وذلك لتحذير الشباب المحب للإسلام والجهاد من مغامرات هؤلاء وأمثالهم التي لا صلة لها بدين الإسلام، وكما قلت من قبل: إنهم يجربون أفكارهم فيكم.

في الحروب لابد من مراعاة الحسابات المادية لا انتظار الكرامات، ولهذا فقد قال الله تعالى: «الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ...» (الأنفال66)، وفي غزوة بدر ظل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسأل عن عدد أفراد جيش كفار مكة. ولهذا أيضاً فقد انحاز (انسحب) خالد بن الوليد بجيش المسلمين من معركة مؤتة لعدم التكافؤ بينه وبين جيش الروم، وأثنى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليه واعتبر ما فعله (فتحًا).

أما المغامرات فلا تجلب إلا الكوارث، ولا يتحمل مسؤوليتها إلا من اتخذ قرارها، كما هو الحال في مغامرة حماة، ومغامرات ابن لادن، ومغامرة حسن نصر الله في لبنان 2006، واليوم مغامرة «حماس» الذين لا يعيرون الحسابات المادية أي اعتبار ـ وهذا مخالف لشريعة الإسلام ـ وفي مقال د.حسن أبو طالب قال «حين يقول قائد بحجم مشعل إن حساباته وحسابات منظمته تقوم على حسابات المزاج، وليس حسابات العقل والمنطق، فإننا نكون أمام نموذج سياسي لا يقيم للحقائق المادية أي اعتبار، وتعطي وزنًا للعوامل الانفعالية التي تقود حتمًا إلى مغامرات غير محسوبة وإلى نتائج كارثية بكل معنى الكلمة، وما يجري في غزة الآن خير دليل على النتائج التي لم تحسب جيدًا... يروح ضحيتها عادة الشعب الفلسطيني» (الأهرام) 31 ديسمبر (كانون الأول)2008 صـ10.

وكما فعل ابن لادن مع أميره الملا محمد عُمر في أفغانستان، فأشعل حربًا مع أميركا بغير إذنه، وتصرف ابن لادن كأنه دولة مستقلة داخل دولة أفغانستان، فأحرق أفغانستان وشعبها، فكذلك فعلت حماس التي تصرفت كدولة مستقلة عن دولة رئيسهم (أبو مازن) فأحرقوا غزة وشعبها، وهذه من السياسات الثابتة لدى الإخوان المسلمين، وهي التي سميتها (بالاستعلاء) من قبل، حتى أدّى بهم ذلك إلى الاستهتار بأرواح الشعوب لتحقيق مصالحهم الخاصة، ولا مانع لديهم من استغلال الكوارث التي يصنعونها لتحقيق مزيد من المكاسب لأنفسهم، ومن هذا الباب استغلال الإخوان لكارثة غزة الحالية في تحريك الجماهير بالشعارات والخطب الحماسية لاستعراض قوتهم في بعض البلدان بقميص غزة. في حين أن الإخوان مشاركون في حكومة الاحتلال الأميركي وبرلمانه في العراق وأفغانستان لمغازلة أميركا والتقرب منها، لأنهم يجيدون الأكل من كل الموائد والتلوّن بجميع الألوان.

كان ابن لادن يتوقع أن تؤدي مغامراته الدامية في 11 سبتمبر (أيلول) 2001 إلى تحريك الجماهير للثورة، فلم تتحرك، فأمرهم بذلك بعد ثلاثة أعوام فقال «يا أمة الإسلام ثوري على الظلم والطغيان... السعي لحشد الأمة للخروج بمظاهرات شعبية وعصيان مدني حتى سقوط الحكومات الخائنة» من كلمته في قناة «الجزيرة» في 4 يناير (كانون الثاني) 2004 (دليل الحركات الإسلامية) صـ 229، طـ الأهرام 2006. فلم تتحرك الجماهير أيضاً وطال الحصار على ابن لادن وفقد كثيرًا من تنظيمه وملاذه الحصين في أفغانستان، فلم يجد ابن لادن إلا أن يلجأ إلى عدوه اللدود (أميركا) فطلب منها الهدنة مطلع عام 2006 فقال لها «ولا مانع لدينا من إجابتكم إلى هدنة طويلة الأمد بشروط عادلة... لينعم في هذه الهدنة الطرفان بالأمن والاستقرار». عاد ابن لادن إلى عدوه يطلب منه الهدنة لينعم بالأمن والاستقرار الذي حرم منه شعوبًا بأكملها ودمر بلادهم بمغامراته غير المحسوبة.

ومثله حسن نصر الله: قام بمغامرته في لبنان في يوليو (تموز) 2006، وتترس بشعب لبنان، ودمر لبنان وقتل شعبها وشرّد أهلها، وأراد أن تتحرك الجماهير والدول الأخرى لتدفع ثمن مغامرته. ثم قَبِل الهدنة مع إسرائيل وقبل بقوات دولية في جنوب لبنان تفصل بينه وبين إسرائيل. وبالرغم من تحقيقه لبعض النجاحات العسكرية في تلك الحرب أشرت إليها في كتابات سابقة لي، إلا أن نصر الله ندم على مغامرته في استفزاز إسرائيل بخطف بعض جنودها بسبب الخسائر الفادحة للبنان، وقال نصر الله «لو كنت أعرف ما سيحدث ما أقدمت على ما أقدمت عليه» أي إنه أقرّ على نفسه بسوء التقدير.

وكما طلب ابن لادن الهدنة، وكما قَبِلها حسن نصر الله، فسيكون هذا هو أيضاً مصير حماس ـ فيما أظنه ـ ولكن بعد خراب غزة.

الإخوان المسلمون لا ينشطون ولا ينتشرون إلا بتحالف ومهادنة لأهل السلطة، وهذا ما حدث لهم أيام حسن البنا، كما وصف ذلك الأستاذ أحمد حسين، وكما هو حالهم اليوم في بعض البلاد مثل مصر والأردن واليمن وغيرها. وفي غزة نفسها عاش الإخوان في مهادنة لمدة عشرين سنة مع جزار اليهود إريل شارون منذ احتلال إسرائيل لغزة عام 1967 وحتى إنشاء حماس في 1987. وفي هذه السنين العشرين كوّن الإخوان قواعدهم في غزة وانتشروا. فلا ينمو الإخوان إلا بمهادنة السلطة فإذا دخلوا في مغامرات معها جلبوا الكوارث على الناس كما سبقت الأمثلة على ذلك.

وقد كانت هذه بعض كوارث الإخوان على دنيا الناس، أما مصيبتهم الكبرى بمخالفاتهم للشريعة فشيء يطول شرحه وليس هذا موضعه. وفيهم أهل خير وصلاح، ولكن الخط العام للجماعة هو ما سبق. ولا يجوز الخلط بين دين الإسلام وما يفعله الإخوان.

وكثيرًا ما كانت كوارث الإخوان سببها اتباعهم لسياسة المراوغة «صديقك اليوم وعدوك غدًا»، وسياسة الاستعلاء (بعدم وضع أي اعتبار للآخرين، حتى للشعوب)، وسياسة الاستعلاء هي التي عبّر عنها أحدهم بكلمة (طُظ)، (وهدد في أحد أحاديثه الصحافية عام 2006 بضرب المعارضين للإخوان من الآن بالحذاء) (صحيفة «الشرق الأوسط») 19 ديسمبر (كانون الأول) 2008 ص9. وكيف لا، وهو يجلس على رأس إمبراطورية عالمية (التنظيم الدولي للإخوان المسلمين).

* غداً: إيران وقميص غزة