حكومة نتنياهو تشترط تقليص نفوذ إيران للتفاوض مع الفلسطينيين

مسؤولون أميركيون يتحفظون على الشرط الإسرائيلي ويعتبرون تقدم المفاوضات سيضعف نفوذ طهران

TT

من المقرر ألا تمضي الحكومة الإسرائيلية قدما في تناول القضايا الجوهرية المتعلقة بمحادثات السلام مع الفلسطينيين حتى يتم إحراز تقدم على صعيد الجهود الأميركية الرامية لوقف المساعي الإيرانية المشتبه فيها نحو امتلاك سلاح نووي، والحد من النفوذ الإيراني المتنامي بالمنطقة، وذلك طبقا لما أشار إليه مسؤولون حكوميون إسرائيليون رفيعو المستوى على معرفة بالسياسات التي يعكف رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، على صياغتها في هذا الصدد. من جهته، قال نائب وزير الخارجية، دانييل إيالون، عضو البرلمان الإسرائيلي والسفير السابق لدى الولايات المتحدة، «إن هذا يعد شرطا جوهريا إذا ما رغبنا في المضي قدما. وإذا ما أردنا الدخول في عملية سياسية حقيقية مع الفلسطينيين، لا يمكننا السماح للإيرانيين بممارسة جهود التقويض والتخريب». ويعد هذا الموقف الإسرائيلي الجديد، الذي يشكل تحولا كبيرا عن موقف الحكومات السابقة، تحديا أمام الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي جعل من إحراز تقدم سريع على صعيد إقامة دولة فلسطينية هدفا رئيسيا نصب عينيه في مجال السياسة الخارجية. إضافة إلى ذلك، يحاول أوباما الدخول في تعاون مع إيران كجزء من جهود أوسع لإبطاء عجلة العمل ببرنامجها النووي وكبح جماح قوتها المتنامية داخل الشرق الأوسط. من ناحيتهم، يشعر المسؤولون الأميركيون بالحذر تجاه الربط بين القضيتين، ويرغبون في انتهاج نهج معاكس لما اقترحه الإسرائيليون، من خلال استغلال إحراز تقدم في المحادثات الإسرائيلية ـ الفلسطينية في تقليص النفوذ الإيراني، الذي تجري ممارسته داخل المنطقة عبر تنظيمات معادية لإسرائيل، مثل حزب الله وحماس. في هذا السياق، قال أحد المسؤولين الأميركيين البارزين، رفض الكشف عن هويته لأنه غير مخول له بالحديث علانية: «علينا التحلي بقدر بالغ من الحذر إزاء التعامل مع هذا الربط، إننا نتعامل مع إيران لأنها تمارس أنماطا من السلوك المثير للقلق على نحو كبير. وسنفعل ذلك بغض النظر عن القضايا الأخرى. وبالمثل، فإن من الواضح أن القضية الفلسطينية تتسم بأهمية كبرى داخل المنطقة». وأعرب المسؤول عن اعتقاده بأن إدارة أوباما أبدت بالفعل التزامها بالتعامل مع القضيتين في ذات الوقت من خلال تعيين مسؤولين رفيعي المستوى هما السيناتور السابق جورج ميتشل بالنسبة للفلسطينيين، ومبعوث السلام السابق دينيس روس فيما يخص إيران هدف صياغة وتنفيذ سياسات إدارة أوباما في هذا الصدد. وفي الوقت الذي أبدى فيه المسؤولون الإسرائيليون منذ أمد بعيد قلقهم إزاء إيران، يرى نتنياهو أن التهديد الصادر عن إيران على درجة كبيرة من الخطورة دفعته لرسم سياساته تجاه الفلسطينيين بالاعتماد على هذه القضية بما يمثل تحولا في التوجه الذي يضع قضية إقامة دولة فلسطينية قبل تسوية القضية الإيرانية المعقدة. من جهته، قارن نتنياهو بين الأطماع الإقليمية الإيرانية وأطماع ألمانيا عام 1938، ونجح في تشكيل حكومة يشاركه أعضاؤها هذا الرأي. على سبيل المثال، حث مستشار نتنياهو للأمن القومي، أوزي آراد، علانية الولايات المتحدة على اتخاذ إجراءات عملية أقوى ضد إيران وانتقد الانفتاح الدبلوماسي مع إيران ووصفه بسياسة «الاسترضاء». يذكر أنه من المتوقع أن يلتقي أوباما ونتنياهو في واشنطن الشهر القادم. وخلال الأسابيع السابقة للقاء، يعكف رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي تقلد منصبه أواخر الشهر الماضي، على صياغة مقترحاته بشأن كيفية المضي قدما، ويبدو أنه يتهيأ للدخول في مناقشات صعبة مع الرئيس الأميركي. في هذا السياق، قال مارتن إنديك، مدير مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط بمعهد برووكنغز ومبعوث السلام السابق الذي ما يزال على اتصال وثيق مع مسؤولين أميركيين وإسرائيليين: «يتوقع نتنياهو أنه عندما يقول، «إيران، إيران، إيران» سيرد أوباما قائلا، «فلسطين، فلسطين، فلسطين». ويتوقع نتنياهو أن يقول أوباما إنه من أجل التحلي بالفاعلية في التعامل مع إيران، علينا إدارة المسار الفلسطيني أيضا». ومع انقسام القيادة الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ومعارضة الائتلاف الحكومي ذي التوجهات اليمينية الذي يترأسه نتنياهو بوجه عام للتفاوض حول اتفاق سلام يتمخض عن قيام دولة فلسطينية، من المتوقع أن تعرض الحكومة الإسرائيلية القليل من التنازلات، حال عرضها أي تنازلات من الأساس، للفلسطينيين. وفي تلك الأثناء، يعتقد مساعدو نتنياهو أن إيران تشكل تهديدا أكثر إلحاحا في الوقت الحاضر. من جهته، قال إيالون: «من الناحية الواقعية، إننا بحاجة للتصدي لإيران»، مضيفا أنه حتى يحدث ذلك، ستقصر الحكومة الإسرائيلية في الجزء الأكبر منها اهتمامها على محاولة تحسين الأوضاع الاقتصادية الفلسطينية وتعزيز المؤسسات المدنية الفلسطينية. وقال: «الساعة الإيرانية ينبغي قياسها بالشهور»، وذلك في إشارة إلى الاعتقاد الإسرائيلي بأن الجمهورية الإسلامية تقترب من صنع سلاح نووي. على النقيض، فإن الجدول الزمني لقيام دولة فلسطينية: «غير محدد». على الجانب الآخر، تصر إيران، التي، على خلاف الحال مع إسرائيل، وقعت على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، على حقها في تنمية الطاقة النووية لأغراض سلمية، مؤكدة أنها لا تعمل على تنمية قدرات تخص بناء أسلحة نووية. في المقابل، يسود اعتقاد بأن إسرائيل تملك أسلحة نووية، رغم عدم اعترافها علانية بذلك. وفي التقاء غير اعتيادي للمصالح، تشارك الكثير من العواصم العربية إصرار نتنياهو على أهمية التعامل مع إيران، والقلق إزاء محاولات التقرب الأميركية من طهران، حسبما أوضح مسؤولون أميركيون وإسرائيليون وعرب. من ناحيته، أعرب ميتشل أمام جماعات يهودية عن دهشته إزاء تناول القادة العرب مرارا قضية إيران خلال رحلته الأولى إلى المنطقة بعد تعيينه مبعوثا خاصا. وأكد المسؤول الأميركي أن الدول العربية: «تؤمن بوجود تهديد إيراني عميق. وترى أن إيران تتعمد التدخل في شؤون الآخرين. وترتاب في برنامجها النووي. وترغب في التأكد من أن ما نفعله سيؤثر على الإيرانيين ولن يكون على حسابها». لكن خلافا لحكومة نتنياهو، تطالب الحكومات العربية بإحراز تقدم على المسار الفلسطيني أيضا. فيوم الثلاثاء، التقى العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بأوباما في البيت الأبيض وهو أول قائد عربي يزور الولايات المتحدة منذ تنصيب أوباما حاملا معه هذه الرسالة. بعد اللقاء، أعرب أوباما عن أمله في أنه: «على امتداد الشهور العديدة القادمة، ستبدأون في معاينة مؤشرات على حسن النية من قبل كافة الأطراف». ورفض أوباما الإفصاح عن تفصيلات، لكنه أضاف: «ربما سيكون لدى الأطراف الإقليمية تفهم جيد للخطوات الوسطى الواجب اتخاذها كإجراءات لبناء الثقة». ويشعر القادة الفلسطينيون بالقلق بالفعل إزاء استغلال الحكومة الإسرائيلية أي تأخير في المناقشات الجارية حول إقامة دولة فلسطينية في توسيع مستوطناتها في الضفة الغربية واتخاذ خطوات أخرى للاقتطاع من أراضي أي دولة فلسطينية مستقبلية، مثل محاولة تقليص الوجود العربي في القدس الشرقية. في هذا الصدد، أكد صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين، أن: «قضيتنا قائمة بذاتها. لا ننتظر أقل من تسوية واضحة تدعم حل الدولتين ووقف الأنشطة الاستيطانية». في المقابل، يرى محللون إسرائيليون ومستشارون لنتنياهو أنه في الوقت الذي ربما يسفر تركيز رئيس الوزراء الإسرائيلي اهتمامه على إيران عن تضاؤل احتمال إحراز أي تقدم على المدى القصير نحو إقامة دولة فلسطينية، فإنه يفتح الباب أمام خطوات أوسع وأكثر عمقا حال اتفاق أوباما والدول العربية مع وجهة نظره حيال إيران. في هذا الصدد، قال دان ديكر، المحلل البارز المعني بالسياسة الخارجية بمركز القدس للشؤون العامة، وهو منظمة فكرية مقربة من إدارة نتنياهو، إن توجه رئيس الوزراء الإسرائيلي: «يعيد على نحو كامل صياغة التوقعات والمفاهيم بشأن النقطة التي نقف عندها بالفعل. بمقدورنا التعامل مع المنطقة فقط في إطار يضع في اعتباره إيران الصاعدة القريبة من امتلاك أسلحة نووية التي تزعزع استقرار كل دول الشرق الأوسط تقريبا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»