القاضي كاسيزي لـ«الشرق الأوسط»: سأتصل بدمشق تحضيرا لزيارتها لإبرام اتفاقية تعاون.. والمعارضة ستدرك أننا لا نلعب بالسياسة

قال إن محكمة الحريري أنشئت بقرار سياسي ولكن على القضاة أن ينسوا سبب تأسيسها ومباشرة عملهم

رئيس المحكمة الخاصة بلبنان أنطونيو كاسيزي (أ.ف.ب)
TT

كان من المفترض أن تقتصر المقابلة الخاصة التي أجريناها مع رئيس المحكمة الخاصة بلبنان أنطونيو كاسيزي، في الغرفة رقم 306 بمقر المحكمة في لايدشندام بضواحي لاهاي، عليه فقط. ولكن القاضي الإيطالي الذي يبلغ من العمر 72 عاما، قرر أن يدعو «صديقه»، كما وصفه تكرارا، للمشاركة في اللقاء. صديقه، هو نائبه في المحكمة، القاضي اللبناني رالف رياشي الذي كان من بين القضاة اللبنانيين الأربعة الذين لم يعط الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الإذن بالكشف عن أسمائهم، «لأسباب أمنية»، بالرغم من أنهم معروفون. ولكن مع إصدار قرار قبل نحو أسبوع، يقضي بنقله بشكل دائم إلى مقر المحكمة ابتداءً من يونيو (حزيران) المقبل، لم يعد الأمر يحتمل الكتمان. دخل القاضي رياشي إلى الغرفة بعد حوالي عشر دقائق من بدء المقابلة، وهو يعاتب «صديقه» بالفرنسية، لأنه أعطاه رقم الغرفة الخطأ، 307 بدلا من 306. تبادل الرجلان السلام قبل أن يأخذ رياشي مقعده على الكنبة نفسها إلى جانب كاسيزي. بدا القاضيان متشابهين في القامة وفي الشيب الذي يكسو شعرهما. كان كاسيزي مصرا على أن يظهر أهمية العمل الثنائي بينه وبين رياشي، حتى أنه قال شبه ممازح: «لا يمكنني أن أفعل شيئا من دون صديقي القاضي رياشي». كل يوم من أيام الأسبوع، يحضر كاسيزي الذي عمل في السابق كأول رئيس للمحكمة الخاصة بيوغوسلافيا، إلى مقر محكمة الحريري، في الساعة التاسعة صباحا، يشرف على سير الملفات ويطلع على سير المحكمة، ويكتب التقارير عند الحاجة.. حتى الثامنة مساء أحيانا. لا يحاول القاضي الايطالي الذي كان أستاذا في جامعة فلورانس في ايطاليا، أن يخفي عدم حبه لمدينة لاهاي. يقول «إنها مدينة مضجرة.. لا أحبها». انتقل إلى هولندا مع زوجته، ولكنه يشتاق لأولاده ولحفيدتيه في ايطاليا. يقول إنه يملأ ملل لاهاي واشتياقه لفلورانس، بالاستماع إلى موسيقى موتسارت.. وبالعمل. وبشكل ما، يرى أن كون لاهاي مدينة مضجرة، أمر إيجابي، لأنها تدفعه للعمل بكد أكبر. يقول إن فلورانس مدينة حية، التركيز على العمل فيها صعب، بينما هنا، في لاهاي، العمل سهل. وبين الضجر من مدينة مملة، والعمل المتواصل في محكمة الحريري، يطمح كاسيزي إلى تحقيق هدف كبير: يريد أن يساهم في تحقيق المصالحة في لبنان بعد انتهاء المحاكمة، وأن يعيد السلام إلى هذا البلد الذي تفرقه الخلافات السياسية والحزبية. قد لا يكون لمحكمة الحريري الصدى العاطفي نفسه الذي تتمتع به المحكمة الخاصة بيوغوسلافيا التي رأسها في السابق، لدى الأوروبيين، وقد لا تضيف هذه الوظيفة بالتالي إلى رصيد كاسيزي الكثير لدى الأوروبيين، ولكن هذا لا يهمه. «أطمح أن أساهم بشكل ما بالسلام والمصالحة في لبنان، لست مهتما كثيرا برد الفعل الأوروبي». يريد أيضا أن تكون لهذه المحكمة أصداء أيضا لدى السلك القضائي اللبناني، حول كيفية معاملة المعتقلين وإجراء المحاكمات.. يقول إن المحكمة ستبذل جهدها لتوظيف أكبر عدد ممكن من العدليين اللبنانيين، لإعطائهم تدريبا أفضل يستفيدون منه في ما بعد في بلدهم.

وبالرغم من المخاوف الأمنية الكثيرة المحيطة بالقضاة اللبنانيين العاملين في المحكمة، يبدو كاسيزي مرتاحا من الهم الأمني. عندما تسأله هل تشعر بأنك مهدد، وبأن هذه المهنة تعرض حياتك للخطر؟ يجيب ببساطة، وهو يضحك: «لا». في اللقاء الذي استمر نحو 45 دقيقة مع كاسيزي، تحدث رئيس محكمة الحريري عن السيناريوهات المحتملة حول مصير الضباط الأربعة المسجونين في لبنان الذي من المفترض أن يتقرر الاثنين المقبل، بحسب المهلة التي حددها رئيس الغرفة التمهيدية للمدعي العام لتقديم توصيته حولهم. وتطرق الحديث إلى الجوانب السياسية في المحكمة وعملها والأهداف التي قد تحققها. وهنا النص الكامل للحديث الذي أجرته «الشرق الأوسط» أمس:

* لنبدأ أولا بالتطور الأحدث؛ اعتقال الشاهد الذي تحول إلى مشتبه به، محمد زهير الصديق في الإمارات الأسبوع الماضي. هل سيسلم إلى المحكمة؟

ـ سمعت أنه اعتقل، ولكن ليست لدي معلومات رسمية حول الأمر. المعلومات المتوفرة لدي، إن المدعي العام دانيال بيلمار لم يأخذ أي خطوات لطلب تسلم هذا الشخص. أفهم أنه شاهد هرب إلى الإمارات وأنه اعتقل هناك، ولكن لا المدعي العام ولا قاضي الغرفة التمهيدية تحدثا إلي بموضوعه.

* يبدو أن سورية قد طلبت من السلطات في الإمارات تسلمه، لأن هناك مذكرة توقيف سورية بحقه. ألا تعتقد أنه في حال تسلمته سورية سيصبح من الصعب على المحكمة أن تتسلمه لأن ليس اتفاق تعاون موقع بين المحكمة وسورية؟

ـ المدعي العام هو الذي يحدد إذا كان شاهدا أم لا، ولكن لحد علمي لم يقم بخطوات لطلبه، لذا أعتقد أنه ليس مهتما به. ولكن مذكرة التوقيف السورية لن تتعارض مع عملنا.

* بعد بضعة أيام، الاثنين المقبل في 27 أبريل (نيسان)، تنتهي المهلة التي حددها قاضي الغرفة التمهيدية القاضي دانيال فرانسين، للمدعي العام ليقرر مصير الضباط الأربعة المعتقلين في لبنان، إذا كان يريد تسلمهم ام أنه لا يمانع إطلاق سراحهم. ما السيناريوهات المحتملة؟

ـ لا أعرف إذا كان المدعي العام قد اتخذ قراره بعد أم لا، ولكن فهمت أن هناك مئات وآلاف الصناديق من الملفات باللغة العربية، وهو لديه فريق من القانونيين الذين يتحدثون العربية يقومون بالتدقيق بهذه الملفات. سمعت أن العديد من الملفات مختلفة وجديدة عن الملفات التي لدى فريق التحقيق، لذا عليهم التدقيق بها كلها. قد يكون جاهزا الاثنين أو الأربعاء المقبل، لأن الخميس المقبل عيد رسمي في هولندا. أتوقع أن يسلم تقريره إما الاثنين المقبل، أو يؤجل ذلك لغاية الرابع من مايو (أيار) المقبل بعد انتهاء عطلة الأسبوع الموصولة بالعيد، إذا طلب مهلة إضافية.

* البعض يقول إن المدعي العام لن يتمكن من الاطلاع على تفاصيل ملف التحقيق اللبناني لأنه باللغة العربية، والفريق الذي يقدم له ملخصات عن التقارير لن يتمكن من نقل كافة التفاصيل إليه، وأن هذا الأمر قد يؤثر على عمله وصوابية قراره. ما رأيك؟

ـ لا، فهو لديه فريق كفء للغاية، لديه محققون يتحدثون العربية بطلاقة، وأنا واثق من أنه قادر على أن يحصل على فكرة دقيقة عن المكتوب في ملف التحقيق اللبناني.

* هناك أيضا بعض الانتقادات وجهت للمحكمة في ما يتعلق بمهنيتها، بعد أن تسلمت الملف من السلطات القضائية اللبنانية، لأنه لم يجر التحقق من أوضاع المعتقلين الأربعة في لبنان الذين هم محميون بـ«قواعد الاعتقال» التي وضعها قضاة المحكمة هنا، الذي يوصي بضرورة اعتقالهم ضمن ظروف مطابقة للمعايير الدولية. ـ لم نرسل أحدا للاطلاع على أوضاعهم صحيح، ولكن فرانسوا رو، رئيس مكتب الدفاع، وهو محامٍ فرنسي كفء جدا، ذهب إلى بيروت وطرابلس للتحدث إلى رئيسي نقابتي المحامين هناك. ثم الأربعاء الماضي طلب الاجتماع بمحامي المعتقلين، والخميس صباحا زار السجن وقابل 3 من الجنرالات الأربعة، واحد منهم رفض رؤيته، لم نعرف لماذا. وكتب السيد رو تقريرا موجها لي حول أوضاع الجنرالات الأربعة في السجون، وطلب نيابة عنهم، أمرين: الأول أن ينتهي عزلهم عن بعضهم، وثانيا أن يسمح لهم بالحديث بحرية وبشكل سري مع محاميهم. وبالأمس، أصدرت أمرا أرسل صباحا إلى بيروت، طلبت فيه من السلطات اللبنانية أن تغير هذين الشرطين، وأن تسمح للجنرالات بالحديث مع بعضهم البعض ساعتين يوميا على الأقل، وإذا تحدثوا إلى محاميهم لا يحق لأحد أن يستمع إلى حديثهم، لأن هذا حق من الحقوق الأساسية للمعتقلين. هذه المبادرة لم يأخذها محامو الجنرالات، وهم محامون أكفاء جدا، ولكن مكتب الدفاع هنا. وهذا يعني أننا في هذه المحكمة لدينا أشخاص يهتمون بحقوق المعتقلين، وهذا دليل على أننا نأخذ هذا الأمر بجدية كبيرة. فبعد يوم واحد من تلقينا الطلب من مكتب الدفاع، أصدرنا قرارا يوصي بتنفيذ الطلب.

* هل تعتقد أن السلطات اللبنانية كان لديها الحق في أن تبقي هؤلاء الجنرالات قيد الاعتقال لثلاث سنوات و8 أشهر، من دون محاكمة؟

ـ لا أعرف الأسباب التي أبقوهم في السجن لأجلها، ولكن أعرف أن في لبنان هذا الأمر مسموح. القانون اللبناني يسمح أن يسجن الأشخاص طوال الفترة الضرورية حتى محاكمته.

* بالعودة لمصير الجنرالات الأربعة، ما هي السيناريوهات المطروحة؟

ـ هناك سيناريوهان بعد أن يصدر المدعي العام توصيته: الأول أن يصل المدعي العالم إلى استنتاج أن ليس هناك أدلة كافية لإدانة الجنرالات الأربعة ويطلب إلى قاضي الغرفة التمهيدية إطلاق سراحهم. والسيناريو الثاني أن يجد المدعي العام ان هناك أدلة تدين جنرالا أو اثنين أو أكثر، وعندها يطلب إلى القاضي إطلاق بعض الجنرالات والإبقاء على الآخرين الذين تمكن من جمع أدلة تدينهم، ويطلب نقلهم إلى السجن في لاهاي. وبعد نقلهم يحق لمحاميهم أن يطلبوا إطلاق سراحهم بكفالة أو إطلاق سراح مشروط، أو غيره.. هناك احتمالات كثيرة، وسيبحث القاضي بها ويقرر.

* ماذا يحصل في حال قرر القاضي أن يطلق سراحهم بكفالة أو بشروط معينة، هل سيكون عليهم أن يبقوا هنا تحت مراقبة المحكمة؟ وما هي الإجراءات التي ستتخذ للتأكد من أنهم لن يهربوا أو يختبئوا؟

ـ أعتقد أنهم سيعودون لبيروت، عموما عندما يطلق سراح شخص يريد أن يقضي وقته مع عائلته، لذا أتوقع أن يعودوا إلى عائلاتهم هناك. في المحكمة الدولية الخاصة بيوغوسلافيا، غالبا ما يطلقون أشخاصا قبل المحاكمة، ويفعلون ذلك بشروط معينة، مثلا أن تعطي الدولة التي ينتمون إليها، ضمانات بأنهم لن يختبئوا أو يهربوا، إضافة إلى شروط أخرى كثيرة. مثلا في حال أطلق سراح معتقل صربي بشروط، وأراد العودة إلى بلاده، على بلغراد أن تلتزم بوضوح بأنه عندما تحتاج إليه المحكمة، سيرسل إلى لاهاي. السلطات اللبنانية تعرف ان الجنرالات الأربعة الآن يخضعون لسلطتنا. فهناك فرق بين المسؤول عن الاعتقال الجسدي وبين السلطة القضائية. الجنرالات تحت سلطتنا ولكن على السلطات اللبنانية أن تفعل ما نقول لهم أن يفعلوه بهؤلاء الجنرالات. السلطات اللبنانية الآن تنتظر لترى ماذا نقرر هنا، لتنفذ.

* استقالة مقرر المحكمة روبن فنسنت الأسبوع الماضي شكلت مفاجأة، خصوصا أنه كان من مؤسسيها، وعمل فيها لحوالي عامين. وكان البعض يقول انه لم يكن على اتفاق مع المدعي العام، فهل استقالته بمثابة اعتراض على أمر معين حصل داخل المحكمة؟ ـ لا أدري ما الأسباب التي دفعت السيد روبن للاستقالة، قد تكون أسبابا شخصية.. لحد علمي ليس هناك خلافات. هو أسس المحكمة هنا وعمل فيها منذ عامين، ولكن أعتقد أن الأمر متعب نفسيا.. ناقشت الأمر معه لأنني أعتقد أنه خسارة كبيرة لهذه المحكمة، فهي مدير رائع ورجل رائع، علينا أن نجد شخصا في المستوى نفسه، والأمر لن يكون سهلا، ولكننا سنجد هذا الشخص بالطبع. هو كان مقرر محكمة سيراليون أيضا وقدم استقالته بعد نحو عام أو عام ونصف تقريبا.

* كنت سأسألك عن القضاة اللبنانيين الأربعة، ولكن اسم أحدهم أعلن الآن رسميا، القاضي رالف رياشي، نائب رئيس المحكمة. ولكن هناك 3 آخرين أسماؤهم ما زالت طي الكتمان، بالرغم من أنهم معروفون، فما السبب؟

ـ الأسباب أمنية بحتة.. ولكن بخصوص القاضي رياشي، أنا تحدثت مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وقلت له إن حضوره مهم جدا، لأنني أحتاج إلى نصيحة قاضٍ لبناني كفء. ولهذا قبل الأمين العام اقتراحي أن يتم نقل القاضي رياشي إلى هنا ليعمل بدوام كامل، ويعلن اسمه.

* هل أنت قلق من أن الخلافات بين الأحزاب اللبنانية قد تعرقل عمل المحكمة، علما أن الحكومة اللبنانية عليها أن تصدق على 49% من ميزانية المحكمة، خصوصا أن هناك انتخابات قادمة والمعارضة قد تفوز وترأس الحكومة؟

ـ المعارضة في لبنان ستدرك أننا نقوم بعمل جدي وأننا لا نقوم بألعاب سياسية ولا نقبل أي تدخل سياسي. أعتقد أن المعارضة عليها أن تكون مهتمة بتحقيق العدالة واكتشاف من ارتكب هذه الجرائم المريعة. وحالما نكتشف من المذنب، أعتقد أنها خطوة ايجابية جدا نحو المصالحة في لبنان، وإلا فستكون هناك دائما مرارة بين الأحزاب اللبنانية وتبال اتهامات.

* هذه المحكمة تأسست في عهد إدارة أميركية جمهورية كانت لديها وجهة نظر معينة لجهة التعاطي مع سورية، فيما هذه الإدارة الجديدة تسعى للحوار مع دمشق. ألا تعتقد أن هذا الأمر سيؤثر على عمل المحكمة؟

ـ لا أبدا. بحسب خبرتي في المحاكم الدولية، قبل ان تتأسس المحكمة، يكون كل شيء سياسيا، لأن قرار تأليفها هو قرار سياسي. لأسباب سياسية تقرر القوى العظمى أن تؤسس محاكم دولية لسيراليون ويوغوسلافيا، ليس لمناطق أخرى في العالم حيث تجري أيضا جرائم كثيرة مثلا في غزة وجنوب لبنان أو اغتيال رئيسة الوزراء الباكستانية بي نظير بوتو.. هذه قرارات سياسية. ولكن متى ما تأسست المحكمة وجرى انتقاء القضاة، على القضاة أن ينسوا السبب الذي دفع لتأسيس المحكمة والبدء بعملهم ببساطة. المدعي العام يبحث عن أدلة ويوصي بمذكرات توقيف، والقضاة يقررون إذا كانت الأدلة كافية ويصدرون مذكرات توقيف.. بعد 3 أو 4 سنوات من العمل، تتحقق المصالحة عند الانتهاء من المحاكمة. أعتقد أن المحاكم الدولية، إذا كانت تُدار بشكل جيد، يمكنها أن تساهم في المصالحة حيث هناك توترات كثيرة بين مختلف الأفرقاء.

* بحسب السلطات المعطاة لك، يحق لك أن تعقد اتفاقيات مع أطراف ثالثة للتعاون مع المحكمة. هل ستسعى لعقد اتفاق مع سورية؟

ـ نعم، لقد طلبت ذلك من السفير السوري في بلجيكا، لأن السفير السوري هنا. في البداية قال إنه مشغول، ثم قال إن هذا الأمر ليس من ضمن اختصاصه. والآن سأتحدث إلى السلطات السورية في دمشق. وقد تحدثنا حتى الآن مع سفير مصر، وغدا (اليوم) أنا ورالف سنلتقي سفير الأردن، وقد تحدثنا حتى الآن أيضا مع سفراء فرنسا وألمانيا واليابان وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة وغيرهم.. وأنا الآن أحضر مسودة لاتفاقية حول التعاون القضائي وسأقدمها لخمسة بلدان في المنطقة: مصر والأردن وسورية وإيران وتركيا، إضافة إلى بلدان بها جالية لبنانية كبيرة مثل فرنسا والبرازيل والأرجنتين وفنزويلا واستراليا. كل هذه البلدان سنقدم لها مسودة التعاون القضائي.

* هل تتضمن الاتفاقيات تسليم مشتبه بهم وشهود؟

ـ نعم، يمكننا أن نطلب إلى السلطات أن يطلبوا إلى قاضٍ محلي ان يستجوب الشاهد ولكن أيضا أن يكون محامي الدفاع الخاص بنا أو المدعي العام، حاضرا ويشارك في الاستجواب.

* ماذا لو استمرت سورية في رفضها توقيع اتفاقية التعاون؟

ـ ما حصل مع السفير السوري في بلجيكا هو سوء تفاهم، ولكن أنا سأطلب مباشرة إلى السلطات في سورية إذا كنت أستطيع أن أذهب لأقابلهم.

* هذه المحكمة تأسست بهدف وضع حد للإفلات من العقاب في الاغتيالات السياسية في لبنان، هل تعتقد أنها ستحقق هدفها؟

ـ نعم، أنا واثق من الأمر، لما لا؟ ليس لأنني متفائل لدرجة الغباء، بل لأنني أعرف أن لدينا فريقا جيدا جدا، من روبن (مقرر المحكمة)، والقضاة المهنيين جدا الذين لا ينحازون لطرف في القضية. هذه محكمة صغيرة ولكن نحن جاهزون لاتخاذ قرار بطريقة سريعة. بعض الأنظمة التي اعتمدناها خلاقة، وتعطينا أملا بأنه حالما يكون لدينا متهم سنضعه أمام المحاكمة ونقرر إذا ما كان بريئا أم مذنبا.

* ما هو احتمال أن نرى رئيسا أو رئيسا سابقا يمثل أمام هذه المحكمة للمحاكمة؟

ـ بالنسبة للرئيس، أعتقد من وجهة نظري القانونية، وهي وجهة نظر وضعتها في ما يتعلق بالرئيس السوداني عمر البشير. رؤساء الدول الحاليون بحسب القانون الدولي، يتمتعون بحصانة دبلوماسية تجاه كل شيء. لنقل إن الرئيس الأميركي باراك أوباما جاء إلى إيطاليا وهو متهم بارتكاب جريمة، لا يمكن للسلطات الإيطالية أن تعتقله..

* لنأخذ مثلا أقرب، الرئيس السوري بشار الأسد مثلا؟ ـ نحن لدينا فقط القوة المعنوية.

* هل لدى هذه المحكمة القوة الكافية التي تتمتع بها المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرة توقيف بحق رئيس حالي، كما حصل مع الرئيس السوداني عمر البشير؟

ـ المحكمة الجنائية الدولية ليست لديها قوة.. أصدروا مذكرة توقيف بحق البشير وماذا حصل؟ لن يتمكنوا من أن يوقفوا البشير أبدا لأن ليست لديهم القوة اللازمة.

* بالنسبة للرؤساء السابقين؟

ـ الرؤساء السابقون لا يتمتعون بحصانة.

* لأي درجة برأيك يتعين على القضاة الذين يعملون في قضايا سياسية أن يتعاطوا في السياسة؟

ـ صفر سياسة. لأنه بالنسبة إلينا، الأمر ليس أن هناك سياسيا اغتيل، بل إن شخصا قتل في اعتداء إرهابي إلى جانب أشخاص آخرين، ونحن ننظر في الإثباتات. ميلوسوفيتش كان سياسيا، ولكن الهم الوحيد بالنسبة للقضاة كان هل هو مذنب أم بريء؟ هل ارتكب تلك الجرائم أم لا؟

* متى تتوقع أن تبدأ المحاكمات؟ وكم تتوقع أن تطول؟

ـ آمل أن تبدأ العام المقبل. لا نعرف كم ستدوم، الأمر وقف على المدعي العام، نحن بيديه، فهو يمكن أن يصدر لائحة اتهام واحدة أو اثنتين، ومن ثم يقول إن هذا كل ما لديه.