«طالبان» على حدود إسلام أباد بعد استيلائهم على منطقة جديدة

منتقدون: الموافقة على تطبيق الشريعة الإسلامية في وادي سوات استرضاء للمتشددين

TT

يواصل عناصر «طالبان» في وادي سوات شمال غربي باكستان توسيع مناطق نفوذهم في منطقة مجاورة على مسافة نحو مائة كيلومتر من إسلام أباد، منتهكين بذلك اتفاق سلام موقع أخيرا مع الحكومة، ولقي انتقادات شديدة في العواصم الغربية.

وقال ضباط في قوات الأمن المحلية طلبوا عدم كشف أسمائهم لوكالة الصحافة الفرنسية، إن مئات المقاتلين الإسلاميين المرتبطين بتنظيم القاعدة وحركة طالبان الأفغانية اقتحموا قبل بضعة أيام منطقة بونر المحاذية لوادي سوات على مسافة 110 كيلومترات من العاصمة الباكستانية، وسيطروا فيها على مبان رسمية ومقرات منظمات غير حكومية ومساجد، وأقاموا حواجز على الطرقات.

وكان هؤلاء المقاتلون وقعوا في فبراير (شباط) اتفاق وقف إطلاق نار مع الحكومة، تحول الأسبوع الماضي إلى اتفاق سلام في مقاطعة ملكند المجاورة التي تضم وادي سوات، لقاء قيام محاكم إسلامية. ووعد «طالبان» سوات والجيش بوقف المعارك، لكنهم رفضوا تسليم سلاحهم نزولا على طلب الحكومة، وتوعد متحدث باسمهم بمواصلة القتال من أجل فرض الشريعة خارج وادي سوات وصولا إلى نشرها في جميع أنحاء باكستان، القوة النووية الوحيدة في العالم الإسلامي.

من جهة أخرى قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إن توسيع طالبان لمناطق نفوذها يشكل «تهديداً لوجود باكستان»، ودعت الباكستانيين في جميع أنحاء العالم إلى معارضة سياسة الحكومة بالخضوع لمطالب مسلحي طالبان. وقالت كلينتون إنه «يجب على الباكستانيين أن يعارضوا بقوة السياسة التي تعطي المزيد والمزيد من الأراضي للمسلحين» مؤكدة «خطورة التهديد الذي يشكله استمرار تقدم (مسلحي) طالبان على وجود دولة باكستان بعد أن أصبحوا الآن على بُعد ساعات من إسلام أباد».

واعتبرت العديد من العواصم الغربية وفي طليعتها واشنطن التي تعتبر إسلام أباد حليفا أساسيا لها في «حربها على الإرهاب» منذ نهاية 2001، اتفاق السلام بمثابة استسلام. وقال رشيد خان الموظف الكبير في الولاية الحدودية الشمالية الغربية في اتصال هاتفي مع وكالة الصحافة الفرنسية: «قام (طالبان) القادمون من وادي سوات بتكثيف دورياتهم» في منطقة بونر، حيث «حظروا الموسيقى في وسائل النقل العام وخربوا مكاتب منظمات غير حكومية وسرقوا آلياتها».

من جهته قال وزير الإعلام في الحكومة المحلية معان افتخار حسين: «لقد وفت الحكومة بوعودها، وعلى (طالبان) الآن تسليم سلاحهم»، متهما الإسلاميين بـ«انتهاك اتفاق السلام» في بونر. وأكد مسلم خان المتحدث باسم «طالبان» في سوات في اتصال هاتفي بوكالة الصحافة الفرنسية: «سيطرنا بالكامل على بونر»، واعداً بإعادة المنطقة إلى السلطات في حال تم تطبيق الاتفاق حول إنشاء المحاكم الإسلامية.

وباتت منطقة شمال غربي باكستان، وعلى الأخص المناطق القبلية المحاذية لأفغانستان، في السنوات الأخيرة معقلا لحركة طالبان التي ساعدت «القاعدة» على إعادة تشكيل قواتها، و«طالبان» أفغانستان على إقامة قواعد خلفية لشن عمليات على حكومة كابل والقوات الدولية التي تدعمها. وتضاعف الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة عمليات القصف الصاروخي التي تشنها طائرات دون طيار في هذه المنطقة، وتستهدف مقاتلين من «القاعدة»، غير أن الجيش الباكستاني الذي يؤكد أنه فقد هناك نحو ألفي جندي منذ نهاية 2001، يبدي أفضلية لحل يقوم على التفاوض في بعض المناطق مثل وادي سوات. وتذرعت الحكومة بضرورة إعادة السلام لتبرير اتفاق وادي سوات الذي كان في الماضي القبلة السياحية الأولى في هذا البلد قبل أن يسيطر عليه «طالبان» في صيف 2007، فيضاعفون فيه عمليات الإعدام دون محاكمة، ويهدمون المدارس التي تستقبل فتيات.

وتشهد باكستان موجة غير مسبوقة من الاعتداءات الإسلامية أوقعت ما يزيد عن 1800 قتيل خلال سنة ونصف السنة. وبعد أن فشلت باكستان في القضاء على «طالبان» بالقوة وافق الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري على تطبيق الشريعة الإسلامية في وادي سوات والمناطق المحيطة رغم انتقادات حكومات غربية ورغم معارضة الليبراليين وجماعات حقوق الإنسان في باكستان. ويقول منتقدون إن الموافقة على تطبيق الشريعة الإسلامية في الوادي الذي يبعد 125 كيلومترا شمال غربي إسلام أباد، هو استرضاء للمتشددين.

وخلال أيام شق المتشددون طريقهم إلى منطقة جديدة أقرب إلى العاصمة ورفضوا إلقاء السلاح وأعلنوا أن هدفهم هو تطبيق تفسيرهم المتشدد للإسلام في عموم البلاد. وقال نواز شريف رئيس الوزراء الباكستاني السابق في حديث مع صحيفة «يو.إس.إيه. توداي»، نشر أمس: «إنهم يهددون الآن بالخروج من سوات وبسط سيطرتهم على مناطق أخرى. وعلينا أن نتفادى هذا الموقف». ويعتبر شريف أكثر زعماء باكستان شعبية بعد أن أجبر زرداري الشهر الماضي على التراجع في مواجهة بشأن استقلال القضاء. وأيد حزب شريف قرارا في البرلمان الباكستاني دعا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في سوات حفاظا على السلام، لكن صوفي محمد وهو زعيم إسلامي متشدد مُوالٍ لـ«طالبان» أطلق أجراس الإنذار في شتى أنحاء البلاد حين قال لأتباعه مؤخرا إن الديمقراطية والانتخابات والنظام القضائي كلها أنظمة غير إسلامية.

وصرح شريف بأن أي اتفاق مع المتشددين يجب أن يتضمن تعهدات بعدم السماح بتدهور الديمقراطية، واحترام قوانين الحكومة.

كما تنامى تشكك وسائل الإعلام الباكستانية في أهداف «طالبان»، ودعت حكومة إسلام أباد للتصدي لها.